مصر 2016 ... دبلوماسية نشطة تعرقلها مفاجآت أمنية

ما بين خطوة للأمام وتراجع أخرى للخلف، مرّ عام 2016 على مصر، التي ما زالت تتحسس طريقها نحو استعادة الاستقرار السياسي داخليًا وخارجيًا، وتسعى إلى تجاوز تداعيات «ثورة 25 يناير»، التي تلقي بظلالها على أحوال البلاد رغم مرور نحو 6 سنوات.
خلال عام 2016 ظهر جليًا تركيز السياسة المصرية على تكثيف الدور الدبلوماسي الخارجي من أجل إعادة العلاقات المصرية الدولية إلى مكانتها الطبيعية. وفعلاً اتجهت القاهرة إلى تنشيط علاقات مع عدة دول على رأسها روسيا والصين والهند، والاستعاضة بهم عن علاقاتها التقليدية مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، التي أصابها بعض التوتر في فترة ما بعد عزل الرئيس (الإخواني) الأسبق محمد مرسي عام 2013، وبسبب ما تواجهه مصر من انتقادات أوروبية، خصوصًا في ملف حقوق الإنسان.

العلاقات الخارجية
على أي حال حرصت القاهرة خلال عام 2016 على تنويع أدوات تحقيق أهداف السياسة الخارجية المصرية. وتمكنت حقًا خلال تلك الفترة من تغيير موقف كثير من القوى الإقليمية والدولية من «ثورة 30 يونيو». غير أن تلك الجهود عرقلتها مفاجآت أمنية، تسببت في أزمات كبيرة ما زالت القاهرة تعاني من تداعياتها. فعلى الرغم من العلاقات الوثيقة والمتميزة بين البلدين، لم تنجح مصر على مدار عام 2016، في تخفيف حدة الأزمة الكبيرة التي شابت علاقتها مع روسيا، والتي أعقبت حادث سقوط الطائرة الروسية في سيناء نهاية عام 2015، ومقتل جميع ركابها. ولم تقنع الإجراءات الأمنية المشددة التي نفذتها مصر في مطاراتها موسكو برفع حظر سفر مواطنيها إلى مصر، حيث تعتمد القاهرة عليهم بنسبة كبيرة في استعادة حركة السياحة المتعثرة، وهي تأمل أن يتم هذا مطلع العام الجديد.
وخلال 2016 أيضًا خسرت مصر حليفًا قويًا لها في أوروبا: إيطاليا. فبعد دعم قوي تلقاه الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ وصوله للحكم من الحكومة الإيطالية، تأثرت العلاقات بين البلدين بشدة بعد مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في 25 يناير الماضي، والعثور على جثته وعليها آثار تعذيب على جانب طريق مصر - الإسكندرية الصحراوي، غرب القاهرة، في حادث لم تُكشف عن ملابساته حتى الآن. وعلى الأثر سحبت إيطاليا سفيرها في القاهرة للتشاور عدة أشهر، كما أوقفت تعاونها العسكري مع مصر. وما زالت سلطات التحقيقات بين البلدين في زيارات مكوكية متبادلة في محاولة للكشف عن الجناة ومحاكمتهم، كما وعدت السلطات المصرية.
في المقابل، شهدت العلاقات المصرية - الفرنسية تميزًا كبيرًا هذا العام، بسبب صفقات السلاح الفرنسية الكبيرة التي ورّدتها فرنسا إلى مصر، وشملت: فرقاطة من طراز «فريم»، و24 طائرة «رافال» مقاتلة، وحاملتي مروحيات من طراز «ميسترال». لكن الخلافات بين العاصمتين سرعان ما تفجرت على خلفية سقوط طائرة «مصر للطيران» في 19 مايو (أيار) الماضي، بينما كانت آتية من مطار باريس - شارل ديغول الدولي بالعاصمة الفرنسية، وعلى متنها 66 شخصًا، بينهم 30 مصريًا و15 فرنسيًا. وقالت القاهرة أخيرا إن الحادث نتج عن تفجير على متن الطائرة، وهو الأمر الذي رفضته باريس.
مقابل ذلك، خارج أوروبا، تلقت مصر حدثًا مميزًا مع نهاية عام 2016 على مستوى علاقاتها الخارجية، والمتعلق بانتخاب دونالد ترامب رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة؛ إذ تأمل مصر أن يساعد التفاهم القوي بينه وبين الرئيس السيسي الذي ظهر خلال لقاء ثنائي جمعهما في نيويورك قبيل انتخاب ترامب رسميًا، في ضخ روح جديدة في مسار العلاقات المصرية - الأميركية مع بداية العام الجديد.

المشهد الداخلي
على الصعيد الداخلي، نجحت مصر هذا العام في استكمال خريطة الطريق بانعقاد مجلس النواب في 10 يناير 2016، كأول برلمان منتخب، بعد ثلاث سنوات عاشتها البلاد بلا مجلس تشريعي. ويفخر النظام المصري الحالي بأن مجلس النواب هو الأوسع تمثيلاً في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية سواء من حيث العدد (596 نائبًا)، أو تمثيل مختلف فئات الشعب وأطيافه، إذ وصلت نسبة تمثيل الشباب في مجلس النواب الحالي إلى ما يزيد على 40 في المائة، كما جرى تمثيل المرأة بـ90 نائبة، فضلاً عن تمثيل المصريين في الخارج وذوي الاحتياجات الخاصة لأول مرة في تاريخ الحياة النيابية في مصر.
جدير بالذكر أنه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، احتفلت مصر بمرور 150 سنة على بدء الحياة النيابية. ولكن يواجه البرلمان الوليد انتقادات حادة تتعلق بدوره «المهادِن» للحكومة، فعلى الرغم من أن عدد القوانين التي ناقشها المجلس الحالي في دور انعقاده الأول يفوق عدد القوانين التي نوقشت إبان دور الانعقاد الأول لجميع المجالس السابقة، فإنه يُعاب عليه غياب دوره في مراقبة الحكومة كما نص الدستور، ذلك أنه لم يُستجوَب أي وزير حتى الآن، فضلاً عن عدم مساهمة البرلمان في حل أي أزمة من جملة الأزمات التي يعاني منها الشعب المصري، خصوصًا الجانب الاقتصادي وارتفاع الأسعار.