صراع الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية في المناهج التعليمية

«التحريض» تهمة جاهزة بحق الفلسطينيين

طلاب مدرسة فيصل الحسيني الابتدائية في رام الله خلال أول يوم دراسي في أغسطس الماضي (غيتي)
طلاب مدرسة فيصل الحسيني الابتدائية في رام الله خلال أول يوم دراسي في أغسطس الماضي (غيتي)
TT

صراع الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية في المناهج التعليمية

طلاب مدرسة فيصل الحسيني الابتدائية في رام الله خلال أول يوم دراسي في أغسطس الماضي (غيتي)
طلاب مدرسة فيصل الحسيني الابتدائية في رام الله خلال أول يوم دراسي في أغسطس الماضي (غيتي)

تدخل المناهج التعليمية الفلسطينية والإسرائيلية، في صلب الصراع الكبير الذي يتخذ أشكالاً مختلفة بين الطرفين، سياسية واقتصادية وأمنية، وعلى الأرض، وفي كل ما يخص «الرواية» كذلك. الرواية عن الذات وعن الآخر، التي يحاول كل طرف أن يبثها إلى الأجيال عبر طريقتين؛ الإعلام، والكتب المدرسية، التي ظلت على الدوام «دليلاً» بالنسبة لهما على وجود هذا «التحريض».
و«التحريض»، تهمة إسرائيلية جاهزة بحق الفلسطينيين، وقلما يستخدمها الفلسطينيون، وتُطلق خلف كل مواجهة، وعملية إطلاق نار، وعملية طعن، وخطوة دبلوماسية، أو خطاب سياسي، وحتى مع اشتعال حرائق طبيعية. فعلى مدار أعوام طويلة قدمت إسرائيل كثيرًا من الشكاوى للولايات والمتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمانحين، ضد «المناهج الفلسطينية» بصفتها محرضًا كبيرًا على «العنف».
وهذه الاتهامات لم تتوقف حتى بعد تغيير المناهج الدراسية هذا العام، إذ تقدمت إسرائيل بشكوى للأمم المتحدة اتهمت فيها المسؤولين الفلسطينيين بوضع مناهج لتنشئة الأطفال على الكراهية ورفض وجود إسرائيل. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل منعت إسرائيل المناهج الجديد من دخول غزة، واشتكت من التحريض في كتب اللغة العربية والرياضيات والجغرافيا.
وقال الدكتور غسان الخطيب، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة بير زيت لـ«لشرق الأوسط»: «إنه صراع على الرواية». وأضاف: «إنهم ينكرون علينا روايتنا، ويريدون منا فوق ذلك أن نتبنى روايتهم للصراع». وتابع: «في الحقيقة توجد روايتان؛ واحدة إسرائيلية وواحدة فلسطينية، نحن نقول روايتنا، لكن ذلك لا يشتمل على تحريض. ذلك غير صحيح».
ويرى الخطيب أن إسرائيل وجدت في المسألة ورقة رابحة، بعد أن تبنَّت وجهة نظرها حول التحريض دول كثيرة، وأهمها الولايات المتحدة الأميركية.
وقال: «العالم اشترى هذه البضاعة الإسرائيلية.. خصوصًا أن الجانب الفلسطيني يفتقد إلى جهد منظم من أجل فضح أين يوجد تحريض حقيقي».
وفي شكواها للأمم المتحدة استخدمت إسرائيل صورة لجرافة إسرائيلية تقتلع شجرة زيتون، ورصدت أسئلة في الرياضيات حول أعداد «الشهداء» وخرائط لم يُذكر فيها اسم إسرائيل، ووردت جميعها في المنهاج التعليمي الجديد للصفوف الدراسية من الأول إلى الرابع الابتدائي الأساسي، وعدت ذلك تحريضًا على الكراهية والقتل وتمجيدًا في القتلة.
واتهم أوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي السلطة الفلسطينية، بممارسة «تحريض ممنهج ضد إسرائيل يخالف التزامها في اتفاق أوسلو حول تربية الأطفال الفلسطينيين على ثقافة السلام». وقال جندلمان: «إنهم يعملون على تربية جيل آخر من القتلة الفلسطينيين عبر تسييس المنهج الفلسطيني بشكل يخالف ثقافة قبول الآخر والتعايش».
وقدم باحثون إسرائيليون ومنظمات دولية خلال سنوات طويلة دراسات مختلفة لدعم هذه الرواية الرسمية الإسرائيلية.
ويقول ماركوس شيف مدير منظمة «إمباكت» العالمية إن كلمة السلام لا تكاد تُذكر في جميع الكتب الدراسية الفلسطينية، بل هناك تكرار لمفاهيم الحروب والتضحية بالنفس. ويدعي البروفسور الإسرائيلي باسم أرنون غروس أن التحريض في شبكة التعليم الفلسطينية ظاهرة موجودة بشكل واسع، ويتهم كذلك أنشطة المعلمين في الغرف الصفية، بتشجيع «الإرهاب». كما يحرض الباحث الإسرائيلي ديفيد بايدن هو الآخر على المناهج التعليمية قائلا إن فيها ما يدعو لتدمير دولة إسرائيل.
وفي أوقات متفرقة، قدمت مراكز إسرائيلية شكاوى للاتحاد الأوروبي بوقف تمويل بناء مدارس تحمل أسماء «شهداء» فلسطينيين.
وفي الوقت الذي ينفي فيه الفلسطينيون هذه الاتهامات، تقول وزارة التربية والتعليم العالي إن مناهجها القديمة والجديدة «ملتزمة برسالة التحرر والاستقلال وتلتزم بالمعايير الدولية في بناء المناهج وبمنظومته التعليمية والمعرفية، كما أنها تعزز الهوية وأصول الانتماء للمجتمع الفلسطيني وتطالب بإنهاء الاحتلال».
وقال وزير التربية والتعليم العالي الفلسطيني صبري صيدم: «لا نلتزم سوى برسالة أبناء شعبنا في المناهج الدراسية ولا نستسلم لرغبة إسرائيل».
ويرى صيدم أن معركة المناهج هي معركة الكل الفلسطيني، مشددًا على أنه ينحاز فقط للرواية الفلسطينية. ووجه صيدم اتهامات مضادة لإسرائيل بتعمد التحريض ضد الفلسطينيين في مناهجهم. ونشرت الحكومة الفلسطينية في أوقات سابقة تقارير متعددة، ترصد التحريض في المناهج الإسرائيلية.
وعمل الخطيب نفسه إبان كان مسؤولاً لمركز الإعلام الحكومي على مثل هذه التقارير. وقال إنه تم رصد تحريض حقيقي في مناهجهم التي تمتلئ «بالعنصرية تجاه العرب بعكس المناهج الفلسطينية».
ويقول زياد ثابت الوكيل المساعد في وزارة التعليم في غزة «إن الفلسفة التي بُنيَت عليها المناهج الدراسية الإسرائيلية تتضمن أن التوراة والتلمود هما المصدران الأساسيان للتاريخ والجغرافيا والأدب القومي»، مضيفًا: «لقد استغلت الصهيونية النصوص التوراتية وفسرتها بما يناسب طموحاتها، فملأت الكتب الدراسية بها، وصاغت التاريخ اليهودي صياغة جديدة، وبثت فيه فكرة القومية اليهودية وأحقية اليهود في أرض فلسطين».
وفي مقابل الدراسات التي تدعم إسرائيل، خلصت عدة دراسات دولية وإسرائيلية وفلسطينية إلى عدم وجود تحريض في المنهاج الفلسطيني بعكس المنهاج الإسرائيلي.
وتقول نوريت بيلد الحنان، وهي باحثة ومحاضرة كبيرة في الجامعة العبرية إن المناهج التعليمية في إسرائيل تظهر الأغيار (العرب) دائمًا من خلال المشكلات والتهديدات. وترى الحنان أن الكتب المدرسية في إسرائيل تغرس في عقول الشباب الإسرائيليين «الرغبة في عدم المعرفة» عن الآخر، وتغرس الأفكار التمييزية والمواقف العنصرية. وفي كتاب مثير سابق لنوريت الحنان، بعنوان «فلسطين في الكتب التعليمية الإسرائيلية.. الآيديولوجيا والدعاية في التربية التعليم» تقول إن «(الأبرتهايد) الإسرائيلي ليس فقط سلسلة قوانين عنصرية، بل طريقة تفكير عن العرب».
وتظهر كثير من الكتب الإسرائيلية، ومن بينها الكتب الدينية، العرب، كإرهابيين يتم إخفاء وجوههم، أو كمزارعين بدائيين يقودون المحاريث. وفي رسومات أخرى يظهرون كلصوص باسم علي بابا وسفلة ومتعطشين للدماء. وتشطب الكتب الإسرائيلية أي تعريف لاسم فلسطين من الخرائط.
وقالت الحنان إن 3 أجيال من الإسرائيليين لا يعرفون في حقيقة الأمر أين هي حدود دولتهم لأن الأراضي الفلسطينية تظهر كأراضٍ خالية وحسب.
ولا يمكن حصر الدراسات الكثيرة التي تعرضت لهذا الأمر، لكن الخطيب أشار إلى دراسة مهمة أجراها الاتحاد الأوروبي بعد احتجاجات إسرائيلية متكررة واتهامات بوجود التحريض في مناهج يمولها الاتحاد. وقال الخطيب إن التقرير توصل إلى وجود «عيوب» في المنهاج الفلسطيني وليس تحريضًا.
وتبادل هذه الاتهامات بين الفلسطينيين والإسرائيليين حول التحريض متواصل حتى إعداد هذا التقرير، وسيتواصل ما بقي صراع الرواية قائمًا.
وقبل يومين فقط، اقترح الرئيس الفلسطيني محمود عباس إعادة إحياء اللجنة الثلاثية الأميركية الفلسطينية الإسرائيلية لمراقبة التحريض.
وقال عباس أمام مؤتمر حركة فتح: «يخرجون علينا صباحا مساء ويقولون: (عندكم تحريض.. عندكم تحريض). طيب تفضلوا إلى لجنة تراقب هذا التحريض.. نحن جاهزون». وتمتنع إسرائيل عن التجاوب مع دعوات إحياء هذه اللجنة التي شُكّلت في عام 2000.



جامعة آخن الألمانية مركز لـ«وادي سيليكون» أوروبي

جامعة آخن الألمانية  مركز لـ«وادي سيليكون» أوروبي
TT

جامعة آخن الألمانية مركز لـ«وادي سيليكون» أوروبي

جامعة آخن الألمانية  مركز لـ«وادي سيليكون» أوروبي

تعد الجامعة الراينية الفستفالية العليا بآخن هي أكبر جامعة للتكنولوجيا في ألمانيا وإحدى أكثر الجامعات شهرة في أوروبا. وفي كل عام، يأتيها الكثير من العلماء والطلاب الدوليين للاستفادة من المناهج ذات الجودة الفائقة والمرافق الممتازة، والمعترف بها على المستوى الأكاديمي الدولي.
تأسست الجامعة في عام 1870 بعد قرار الأمير ويليام أمير بروسيا استغلال التبرعات في إقامة معهد للتكنولوجيا في موضع من المواضع بإقليم الرين. وكان التمويل من المصارف المحلية وإحدى شركات التأمين يعني أن يكون موقع الجامعة في مدينة آخن، ومن ثم بدأت أعمال البناء في عام 1865 افتتحت الجامعة أبوابها لاستقبال 223 طالبا خلال الحرب الفرنسية البروسية. وكان هناك تركيز كبير على مجالات الهندسة ولا سيما صناعة التعدين المحلية.
على الرغم من استحداث كليات الفلسفة والطب ضمن برامج الجامعة في ستينات القرن الماضي، فإن الجامعة لا تزال محافظة على شهرتها الدولية كأفضل أكاديمية للعلوم الطبيعية والهندسة - ومنذ عام 2014، تعاونت الجامعة مع المدينة لمنح جائزة سنوية مرموقة في علوم الهندسة إلى الشخصيات البارزة في هذه المجالات.
يرتبط التركيز الهندسي لدى الجامعة بالعلوم الطبيعية والطب. وترتبط الآداب، والعلوم الاجتماعية، وعلوم الاقتصاد هيكليا بالتخصصات الأساسية، الأمر الذي يعتبر من المساهمات المهمة لبرامج التعليم الجامعي والبحث العلمي في الجامعة. ومن خلال 260 معهدا تابعا وتسع كليات، فإن الجامعة الراينية الفستفالية العليا بآخن تعد من بين المؤسسات العلمية والبحثية الكبيرة في أوروبا.
حظيت الجامعة على الدوام بروابط قوية مع الصناعة، مما أوجد نسخة مماثلة لوادي السليكون الأميركي حولها، وجذب مستويات غير مسبوقة من التمويل الأجنبي لجهود البحث العلمي فيها. ومن واقع حجمها ومساحتها، تعتبر مدينة آخن المدينة الألمانية المهيمنة على الشركات والمكاتب الهندسية المتفرعة عن الجامعة.
ولقد تم تطوير أول نفق للرياح، وأول مسرع للجسيمات في العالم في الجامعة الراينية الفستفالية العليا بآخن. ومن بين الابتكارات الكبيرة التي تم تطويرها داخل حرم الجامعة هناك طائرة رائدة مصنوعة بالكامل من المعدن، إلى جانب جهاز لترشيح سخام الديزل.
وبالنسبة لاستراتيجيتها لعام 2020 تعرب جامعة آخن عن التزامها بالأبحاث العلمية متعددة التخصصات، والتي، إلى جانب تنوعها، ودوليتها، والعلوم الطبيعية لديها، تشكل واحدة من التيمات الأربع الرئيسية للأعمال التي يجري تنفيذها في حديقة الأبحاث العلمية بالجامعة. كما تهدف الجامعة أيضا إلى أن تحتل المرتبة الأولى كأفضل جامعة تكنولوجية ألمانية وواحدة من أفضل خمس جامعات أوروبية في هذا المجال.
ومن بين أبرز خريجي الجامعة نجد: بيتر جوزيف ويليام ديبي، الزميل البارز بالجمعية الملكية، وهو عالم الفيزياء والكيمياء الأميركي من أصول هولندية. والمهندس الألماني والتر هوهمان الحائز على جائزة نوبل والذي قدم إسهامات مهمة في إدراك الديناميات المدارية. بالإضافة إلى فخر الدين يوسف حبيبي، زميل الجمعية الملكية للمهندسين، ورئيس إندونيسيا في الفترة بين عامي 1998 و1999.