من أصعب الجوانب التي تواجهها المدارس البريطانية، وفي أنحاء أخرى من العالم، وجود نسبة من الأطفال يحتاجون إلى رعاية خاصة ويطلق عليهم «ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة». وهؤلاء يحتاجون إلى موارد إضافية من مدرسين مؤهلين للتعامل معهم والأدوات والمواد التعليمية التي تناسب ظروف كل منهم، من أجل اكتساب درجة أعلى من الاعتماد على النفس واكتساب الثقة. ومن دون هذه الإمكانيات الإضافية لن يستطيع مثل هؤلاء التلاميذ تحقيق النجاح في المدارس باتباع المناهج العادية المعممة على كل التلاميذ الآخرين.
وتتبع المدارس كثيرًا من الأساليب المختلفة للتعامل مع ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة على نحو مشابه للتعامل مع التلاميذ المتفوقين فوق العادة الذين يحتاجون أيضًا إلى أساليب مغايرة للتعليم لكي تتناسب مع قدراتهم العالية. ولكن المتعارف عليه في هذا المجال هو أن الاحتياجات التعليمية الخاصة تقتصر على هؤلاء الذين يعانون من مصاعب تعليمية وليس المتفوقين.
وتبدأ العملية بالتعرف على هؤلاء التلاميذ الذين يحتاجون إلى خدمات تعليمية خاصة، ومن السهولة التعرف على بعض هؤلاء من سجلهم الطبي. وبعضهم يتم تحديد حالاتهم من حالات ضعف التحصيل الأكاديمي أو من الاحتياجات الخاصة الجسمانية، كضعف البصر أو السمع أو حالات العجز الأخرى.
أما التلاميذ الذين لا يتم التعرف على حالاتهم بسهولة مثل هؤلاء الذين لديهم صعوبات في التحصيل العقلي، فإن المدارس تستخدم معهم وسيلة من اثنتين؛ الأولى هي مراقبة المعلم أو المعلمة، وملاحظة أن تحصيل هؤلاء أقل من المعتاد ومن غيرهم من التلاميذ الآخرين. أما الأسلوب الآخر فهو التدخل السريع لمعالجة أي جوانب نقص في التحصيل قد تحدث، وهو أسلوب متبع أكثر في المدارس الأميركية، ويتعامل مباشرة مع أي نقص في التحصيل حتى ولو كان هامشيًا.
ويتلقى التلميذ، ضمن أسلوب المراقبة، تعليمًا خاصًا يتناسب مع الصعوبات التحصيلية التي يعاني منها، سواء كان مستوى الذكاء لديه طبيعيًا أو دون المتوسط. أما أسلوب التدخل السريع فهو يحدد هؤلاء التلاميذ الذين يجدون صعوبة تحصيل في عامهم الأول للحصول على دعم إضافي، مثل المشاركة في فصول قراءة خاصة. وعلى أساس هذه المشاركة يتم تحديد ما إذا كان التلميذ يعاني من إعاقة تحصيل أكاديمي أم لا.
ويتلقى هؤلاء الذين لديهم صعوبات دعمًا إضافيًا فوريًا مما قد يقصر فترة الحاجة إلى الدعم الإضافي قبل دمجهم مع برامج التعليم العام. وقد يكون الدعم الخاص لهؤلاء التلاميذ على حساب أنشطة أخرى، مثل حصص الرياضة أو الموسيقى.
وتلجأ بعض المدارس إلى تربويين متخصصين من أجل وضع برامج خاصة تناسب احتياجات كل تلميذ من ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة وتضع لهم أهدافًا تعليمية تلتزم بها المدرسة.
وفي الولايات المتحدة، يلزم القانون الفيدرالي كل المدارس بتوفير نظام تعليمي مجاني لكل الأطفال من سن 3 سنوات إلى سن 21 عامًا، بغض النظر عن قدراتهم التعليمية. ويجعل القانون هذا الالتزام من المدارس شرطًا من أجل الحصول على التمويل الفيدرالي. ويشارك الآباء والأمهات في جهد تأهيل ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة، وذلك بالتعرف على قدرات أبنائهم وحاجاتهم واصطحابهم إلى جلسات العلاج الطبيعي أو التدريب على النطق السليم.
وتطبق المدارس كثيرًا من أساليب التعامل مع توفير الاحتياجات التعليمية الخاصة لمن يحتاجها من التلاميذ. من أهم هذه الأساليب دمج التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة مع بقية التلاميذ، وخصوصًا في حالات الإعاقة البسيطة. ويمكن تقديم الخدمات الخاصة لهؤلاء أثناء ساعات الدراسة أو بعدها. وأحيانًا تكون حصص هذه الخدمات منفصلة عن الفصول العامة.
وفي أحيان أخرى يتم تطبيق أسلوب عزل التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة في فصول منعزلة لبعض الوقت أو لكل الوقت، وتكون فرصة الاختلاط بالتلاميذ الآخرين خارج فصول الدراسة، مثل أوقات تناول الطعام.
مما يذكر أن نحو 23 مليون تلميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم الثالث مستبعدون من الدراسة تمامًا، ولا توجد أي خدمات خاصة موجهة إليهم.
المدارس المتخصصة
> هذه المدارس لا تستقبل سوى التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة من مختلف أنواع الإعاقة، وهي مجهزة بالأدوات والطاقم المدرب اللازم لرعاية هؤلاء التلاميذ. وتوفر هذه المدارس برامج تعليمية موجهة لهؤلاء التلاميذ مع الاهتمام الشخصي في فصول صغيرة لا يزيد فيها عدد الطلبة على 6 تلاميذ لكل مدرس. وتشمل هذه المدارس بعض الأدوات غير المتاحة في المدارس العادية، مثل أماكن مبطنة للعب وفصول بها مؤثرات بصرية وسمعية وحمامات سباحة ضرورية لعلاج بعض الحالات.
من هذه المدارس ما تسمى «مونتيسوري»، وهو أسلوب يعتمد على جذب الطفل للتعليم الذي يروقه وفي الوقت الذي يختاره. وتنتشر هذه المدارس في أوروبا، وبلغ عددها في أستراليا نحو 300 مدرسة. وفي بعض الدول يكون من الصعب الحصول على مكان في المدارس المتخصصة، نظرًا لتعليم مزيد من التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة فيها، ولذلك تتوجه أعداد كبيرة من هؤلاء التلاميذ إلى المدارس العامة.
وتلجأ المدارس العامة أحيانًا إلى تحديد فصول خاصة منفصلة لتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة. وتستوعب هذه الفصول بعض التلاميذ طوال الوقت وبعضهم الآخر في عدد معين من الحصص التي يحتاجونها.
وكانت أول مدرسة متخصصة من هذا النوع قد نشأت في باريس في عام 1784، وكانت أول مدرسة في العالم تقوم بتعليم التلاميذ فاقدي البصر. وقبلها تم تأسيس مدرسة مماثلة في بريطانيا لتعليم التلاميذ الصم في عام 1760. وفي القرن التاسع عشر، تناول الروائي تشارلز ديكنز الأحوال التعيسة التي يعيشها ذوو الاحتياجات الخاصة والمصحات التي يتلقون تعليمهم فيها. وصور هذا الروائي للمرة الأولى أصحاب الإعاقات المختلفة على أنهم آدميون ولهم شعور مثل بقية الأسوياء من البشر.
ونتج عن هذا الوعي الجديد إعادة النظر في المدارس الخاصة بالمعوقين وبداية الإصلاح التعليمي في أوروبا. وفي بعض المدن الأوروبية والأميركية، لم يتغير الوضع حتى سبعينات القرن العشرين، حينما تم تشجيع قيام المدارس المتخصصة وفصل مصحات تأهيل الأمراض العقلية عن مدارس تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة. وصدر بعد ذلك كثير من القوانين التي تنظم أعمال المدارس المتخصصة وتحمي حقوق التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وتلجأ المدارس المتخصصة إلى اختيار مناهج أسهل أو أنسب للتلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة. مثل اختيار كتب دراسية أسهل في القراءة لمن يعاني صعوبة في القراءة، أو كتب ذات كلمات مطبوعة كبيرة الحجم لمن يعاني ضعفًا في البصر، وهكذا.
وفي بريطانيا تشرف المجالس المحلية على الحاجات الخاصة للمدارس التي تقع في نطاقها. وهي تقوم بمساعدة المدارس على توفير الخدمات اللازمة للتلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما تقوم أيضًا بمساعدة أولياء الأمور على التخطيط لبرنامج تعليم وتأهيل أبنائهم المعاقين. وبصفة عامة تشرف وزارة التعليم على برامج التعليم الخاص التي تقدمها المدارس بأنواعها. وتتسم برامج التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة ببعض الحساسية من أجل تحقيق التوازن اللازم، بين توفير الوسائل اللازمة لتعليم هذه الفئة المعاقة مع عدم عزلها عن فصول التلاميذ، وعدم عرقلة تعليم بقية التلاميذ الذين يتمتعون بقدرات عادية.