«داعش» عوَّض انتكاساته في ريفيّ حلب الشرقي و الرقة بالتوسع شرقًا ضد نظام دمشق

«درع الفرات» تتقدم على مشارف الباب * الميليشيات الكردية تلامس سد الفرات

طفلان سوريان لعائلة لاجئة في ضبية شمال بيروت (أ.ف.ب)
طفلان سوريان لعائلة لاجئة في ضبية شمال بيروت (أ.ف.ب)
TT

«داعش» عوَّض انتكاساته في ريفيّ حلب الشرقي و الرقة بالتوسع شرقًا ضد نظام دمشق

طفلان سوريان لعائلة لاجئة في ضبية شمال بيروت (أ.ف.ب)
طفلان سوريان لعائلة لاجئة في ضبية شمال بيروت (أ.ف.ب)

رد تنظيم داعش الإرهابي المتطرف على انتكاساته في معركتي الباب وريف محافظة الرقة، بالتوسّع في وسط سوريا، إذ واصل هجماته محاولا السيطرة على مطار الـ«تي فور» العسكري، قرب تدمر، في الريف الشرقي لمحافظة حمص.
التنظيم المتطرف، وفق آخر التقارير، تعرض لانتكاسة في معاركه على جبهة مدينة الباب بريف محافظة حلب، حيث أعلن الجيش التركي أن 68 مسلحًا من التنظيم قتلوا في معارك مع الجيش السوري الحر المدعوم من أنقرة على جبهة الباب، شمال شرقي مدينة حلب، وتحققت السيطرة إثرها على المنطقة المحيطة بمستشفى استخدمه التنظيم مركزًا للقيادة ومخزنًا للذخيرة، مما يمثل تقدما لمقاتلي المعارضة. وجاء هذا التطور بموازاة حصار يفرضه منذ أسابيع مقاتلون من المعارضة السورية تدعمهم قوات تركية على الباب.
ومن جهة ثانية، أفاد «مكتب أخبار سوريا في حلب» بأن فصائل المعارضة المدعومة من الجيش التركي باتت تسيطر مجددا على جبل عقيل، والمستشفى الوطني المطل على مدينة الباب من الجهة الغربية الشمالية، بعد غارات جوية تركية مكثفة، واشتباكات.
في الوقت نفسه، تواصلت المعارك بوتيرة عنيفة بين ميليشيات «قوات سوريا الديمقراطية» - ذات الغالبية الكردية - المدعومة بطائرات التحالف الدولي، من جهة، ومقاتلي «داعش» من جهة أخرى، عند الضفة الشمالية لنهر الفرات بالريف الغربي لمحافظة الرقة، حيث تمكنت الميليشيات الكردية من تحقيق تقدم في المنطقة والسيطرة على قريتين جديدتين، بحسب ما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وكانت الميليشيات قد سيطرت على قرية جعبر خلال تقدمها بالريف الغربي للرقة ضمن المرحلة الثانية من عملية «غضب الفرات» التي تسعى لعزل الرقة عن ريفها تمهيدًا للسيطرة عليها.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد نشر قبل أيام أن ميليشيات «قوات سوريا الديمقراطية» تسعى لتحقيق هدف الحملة وهو محاصرة التنظيم في مدينة الرقة وعزلها عن ريفها، تمهيدًا للسيطرة عليها. وبعد تمكنها من التقدم من الريف الشمالي للمدينة، عمدت هذه الميليشيات - التي تشكل ميليشيات «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري - إلى التقدم من الريف الغربي عبر السيطرة على عشرات القرى والمزارع فيها، وصولاً إلى منطقة جعبر ومحيط قلعتها على نهر الفرات، التي يصلها طريق بضفة نهر الفرات الشمالية، وهكذا باتت الميليشيات لا تبعد سوى نحو 8 كيلومترات عن سد الفرات على نهر الفرات، عند مشارف مدينة الطبقة ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي تعد مركز ثقل أمني للتنظيم. وللعلم، يقيم قياديون في «داعش» بمحيط السد، كما يوجد أكبر سجن للتنظيم في منطقة الطبقة، يضم سجناء مهمين وأسرى.
وفي المقابل، في ظل تلك الانتكاسات، واصل هجماته في محور جب الجراح ومحيط مطار الـ«تي فور» العسكري بريف محافظة حمص الشرقي، حيث اندلعت اشتباكات مع قوات النظام والمسلحين الموالين لها، وجرى قصف متبادل بين الجانبين. وقصفت الطائرات الحربية مناطق في قرى جروح والمكيمن وسوحا، ومناطق أخرى في ناحية عقيربات الواقعة بالريف الشرقي لمحافظة حماه، التي تعتبر معقلاً للتنظيم يشن منها هجمات ضد القرى التي تسكنها غالبية علوية.
كذلك سيطر «داعش» على قرية تل جديد في ريف حماه الشرقي، بعد اشتباكات مع قوات النظام، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين. وقال الناشط الإعلامي المعارض لؤي الحموي من ريف حماه، لـ«مكتب أخبار سوريا»، إن المواجهات التي استمرت أكثر من أربع ساعات واستخدم الطرفان خلالها الأسلحة المتوسطة والثقيلة، أسفرت عن مقتل أكثر من 20 عنصرا وجرح آخرين من الجانبين، مؤكدا أن أهالي القرى المجاورة لتل جديد الموالين للنظام، نزحوا باتجاه مناطق أخرى أكثر أمنا. وأضاف الحموي أن التنظيم المتطرف شن لليوم الثاني على التوالي هجوما من نقاط تمركزه في بلدة عقيربات والقرى التي حولها باتجاه مناطق بريف حمص الشرقي، وذلك من أجل الوصول إلى الجهة الغربية من مطار الـ«تي فور» العسكري وإكمال حصاره من الجهات الأربع.
إلى ذلك، شن سلاحا الطيران الروسي والنظامي، أمس، أكثر من 50 غارة بالصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية على عدة مناطق في ريف حماه، إذ تركز القصف على عقيربات وما حولها الخاضعة لسيطرة التنظيم في الريف الشرقي، ومدينتي كفرزيتا ومورك الخاضعتين لسيطرة المعارضة في الريف الشمالي.
وبموازاة ذلك استمرت الاشتباكات بين مقاتلي قوات النظام و«داعش» على عدة محاور داخل مدينة دير الزور، بشرق سوريا، بعد هجوم شنه الأخير بعد منتصف ليل الجمعة - السبت، في محاولة جديدة للتقدم داخل المدينة. وقال مصدر مدني من حي الحميدية بالمدينة لـ«مكتب أخبار سوريا»، إن التنظيم سيطر على كتلة أبنية داخل حي الموظفين، تحوي أربعة مواقع للقوات النظامية، وذلك بعد استهدافه بسيارة مفخخة يقودها عنصر بصفوفه مواقع النظام فيها، لتندلع على إثرها مواجهات عنيفة بين الطرفين لا تزال مستمرة حتى اللحظة.
وتزامنت الاشتباكات مع تحليق مكثف للطيران الحربي النظامي وشنه أكثر من عشر غارات حتى اللحظة على حيي الحميدية والجبيلة الخاضعين لسيطرة «داعش»، إضافة لاستهدافه محيط مواقع المواجهات، في حين رد التنظيم بقصف حي الجورة الخاضع لسيطرة النظام بقذائف الهواوين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.