الصقيع يلتهم أطراف السوريين وشح بمواد التدفئة

مع انخفاض درجات الحرارة واشتداد حالة البرد الشديد والصقيع في سوريا، تتفاقم الأوضاع المعيشية والصحية لدى السوريين في الداخل. فبينما تكاد تفتقد الغالبية وسائل التدفئة حتى البدائي منها، تتزايد معدلات الإصابة بأمراض الشتاء، وسرعان ما تتحول كثير من الحالات إلى أمراض خطيرة ومميتة.
وحذرت مصادر طبية في محافظة حماه وسط سوريا، من ازدياد معدلات الإصابة بمرض الشرث، وهو مرض ينجم عن اضطراب الدوران المحيطي. ومن أعراضه ازرقاق مع وذمة محمرة بالأصابع، وقد توجد عقيدات التهابية غير محددة ويظهر الألم والحكة بعد التدفئة. وقد تظهر فقاعات وتقرحات على المناطق المصابة في الحالات الشديدة». والوقاية من هذا المرض هي «التدفئة وارتداء ملابس قطنية عازلة وأحذية مبطنة بالقطن وقفازات دافئة عازلة». أما العلاج فيكون بمضادات حكة والمسكنات في الحالات البسيطة. أما في الحالات المستفحلة فقد تؤدي إلى بتر الأطراف. وبحسب المصادر الطبية التي لاحظت ازديادا ملحوظا بأعداد المصابين بمرض الشرث، أن عشرات الحالات يوميا تراجع عيادات الجلدية في مدينة حماه، مع الإشارة إلى أن هؤلاء المرضى في غالبيتهم ممن لديهم قدرة مادية لدفع تكاليف المعاينة والعلاج، بينما هناك مئات الحالات في الأرياف البعيدة والمخيمات في المناطق الباردة ليس بمقدورها الوصول إلى العيادات والنقاط الطبية. والأمر «الأسوأ أن وسائل الوقاية البسيطة المتمثلة بتوفير التدفئة غير متاحة للغالبية العظمى من السوريين».
ومع بدء فصل الشتاء وتعرض البلاد لمنخفض جوي وموجة برد قارس، شحت كافة مصادر الطاقة في سوريا، حيث تكاد تفتقد مادتا الغاز المنزلي والمازوت اللازمين للتدفئة، أما الكهرباء فقد نساها السوريون من قائمة وسائل التدفئة، بسبب التقنين الذي قد يمتد لأكثر من عشر ساعات خلال الأيام الباردة. والمشهد الأكثر انتشارا في شوارع العاصمة وريفها الباعة في الأسواق والعسكر عند الحواجز وهم يتحلقون حول تنكة يشعلون فيها ما يتيسر من نفايات خشب أو أوراق أو أحذية عتيقة أو أي مواد قابلة للاشتعال وبث بعض الحرارة في أطرافهم.
أبو فراس ويعيش بريف دمشق، يقول إنه وقف في طابور الانتظار ست ساعات للحصول على جرة غاز لاستخدامها في التدفئة، لكنه عاد خالي «اليدين»، ووفق ما علم أن مركز التوزيع وصله 500 جرة غاز والمنتظرون لم يتجاوز عددهم المائتي شخص، ومع ذلك عاد معظمهم دون الحصول على غاز. ويعلق أبو فراس بالقول: «وزعوا من الخمسمائة جرة غاز خمسين جرة بالسعر الرسمي حصل عليها المحظوظ الواقف في أول الطابور، أما باقي الجرار فتم تحويله للبيع في السوق السوداء بأسعار مضاعفة». وما يضايق هذا الموظف المتقاعد أنه يعيل عائلة ابنته الأرملة المؤلفة من خمسة أطفال وأن الخمسة مصابون بأمراض برد مختلفة.
وفي دمشق أفاد طبيب يعمل في مشفى حكومي، بازدياد أعداد المصابين بأمراض ناجمة عن البرد والأدخنة المنبعثة من المدافئ البدائية، عدة أضعاف خلال الأيام القليلة الماضية. وتكاد تصل أعداد الإصابات إلى معدلات غير مسبوقة، لا سيما الأمراض الجلدية كالشرث والأمراض التنفسية وحالات البذل، في حين تبدو معظم الأدوية المصنعة محليا بلا فعالية، لا سيما الحبوب والكبسولات، حتى إن الأدوية المحلية المنتهية الصلاحية تبدو فعاليتها أفضل من المصنعة حديثا. والسبب برأيه أن أغلب المصنعين للأدوية يعانون من ارتفاع أسعار المواد الأولية التي لا يقابلها ارتفاع في سعر الدواء بما يضمن بقاء هامش الربح، وذلك بسبب تقييد الحكومة لأسعار الأدوية الذي انعكس على فعالية الدواء.
وتقول رنا، وهي والدة لثلاثة أطفال مصابين بالتهاب اللوزات، إنهم تناولوا أدوية مضاد الالتهاب حسب الوصفة الطبية ولم يتحسنوا بشكل ملموس. وتقول إنها تحاول معالجتهم بالوسائل الطبيعية بالأعشاب والاهتمام بنوع الغذاء لكن حتى هذا غير متوفر. ثم تتساءل متحسرة: «نحن نعد بين السوريين المحظوظين الموجودين في مناطق آمنة ونعاني ما نعاني، فماذا عن الذين تشردوا بلا مأوى؟».
وتفيد إحصائيات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بأن 70 في المائة من اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر، منهم 50 في المائة تحت خط الفقر الأدنى.
وبينما سجلت هذا الشتاء عشر وفيات أطفال بسبب البرد في مخيم الركبان على الحدود الأردنية، تعاني 112 عائلة (أطفال ونساء وشيوخ) يعيشون في مخيم عرسال على الحدود اللبنانية السورية من نقص المياه والمساعدات الطبية. وفي حلب الشرقية، ما زال العشرات من المدنيين يبيتون في العراء بانتظار إجلائهم عن مناطقهم وبيوتهم التي يستعد النظام لاقتحامها.