الحكومة الصينية تسعى لهبوط اقتصادي سلس بعد عقود من النمو المتواصل

الناتج المحلي تراجع من 7.7 في المائة إلى 7.4 في المائة على أساس سنوي بسبب مؤشرات اقتصادية ضعيفة

الحكومة الصينية تراقب الانخفاض التدريجي في نسب النمو (رويترز)
الحكومة الصينية تراقب الانخفاض التدريجي في نسب النمو (رويترز)
TT

الحكومة الصينية تسعى لهبوط اقتصادي سلس بعد عقود من النمو المتواصل

الحكومة الصينية تراقب الانخفاض التدريجي في نسب النمو (رويترز)
الحكومة الصينية تراقب الانخفاض التدريجي في نسب النمو (رويترز)

أظهرت البيانات الصينية الأخيرة أن الاقتصاد الصيني، وهو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يواصل التراجع. في الربع الأول من عام 2014 تراجع الناتج المحلي الإجمالي الصيني الحقيقي من 7.7 في المائة على أساس سنوي في الربع السابق إلى 7.4 في المائة على أساس سنوي. وكان هذا التباطؤ متوقعا بشكل كبير بين المحللين بسبب المؤشرات الاقتصادية الشهرية الضعيفة في بداية العام، رغم أن التوقعات بوصول الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.3 في المائة على أساس سنوي كانت متشائمة للغاية. وكان الاستهلاك الشخصي مرنا في العام الماضي رغم حملة الحكومة على الفساد، وهو ما أضر بالإنفاق على سلع الرفاهية.
في عام 2013 نمت مبيعات التجزئة بانتظام من 12.3 في المائة على أساس سنوي في بداية العام إلى 13.6 في المائة في ديسمبر (كانون الأول).
ومع ذلك، فقد كانت بيانات مبيعات التجزئة في عام 2014 ضعيفة، ويمكن أن تشير إلى انعكاس محتمل في التوجه. وفي شهر مارس (آذار)، نمت مبيعات التجزئة بمعدل 12.1 في المائة، وهو أقل من متوسط العام الماضي ولكن الزيادة لا تزال أعلى من معدل 11.8 في المائة المسجل في أول شهرين من العام.
ويؤثر التباطؤ في الاستهلاك الشخصي بشكل مباشر على القطاع الصناعي. وظهرت بعض العلامات بالفعل، حيث تباطأ النمو في إنتاج السيارات إلى 7.3 في المائة على أساس سنوي في مارس من 12.5 في المائة في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى فبراير (شباط). وبدأ التباطؤ في القطاع الصناعي في منتصف عام 2013، عندما بلغ نمو الإنتاج الصناعي ذروته عند 10.4 في المائة على أساس سنوي. ثم واصل انخفاضه النسبي منذ أن بلغ نموه 8.6 في المائة في فبراير على أساس سنوي، ليرتفع قليلا في مارس إلى 8.8 في المائة. وقد يستمر هذا النمو البسيط، كما يبين الانتعاش في إنتاج الإسمنت، من 2.4 في المائة على أساس سنوي في الفترة من يناير إلى فبراير، ليصل إلى 5.9 في المائة في مارس، كما نما قطاع الطاقة من 5.5 في المائة إلى 6.2 في المائة.
إلا أن المؤشر الحقيقي لنمو الاقتصاد الصيني هو استثمارات الأصول الثابتة؛ فخلال العقد الماضي كانت الاستثمارات، وهي المكون الرئيس للناتج المحلي الإجمالي، مصدرا أساسيا للنمو.
وبينما دعمت هذه الاستثمارات المستوى العالي للنمو الاقتصادي، فإنه أيضا مكن القطاعات الرئيسة من استغلال الطاقة الفائضة فيها وزيادة المخاطر المالية. وشهد العام الماضي بعض التباطؤ، حيث بلغ النمو أكثر من 21 في المائة في بداية عام 2013 بينما بلغ هذا الشهر 17.6 في المائة على أساس سنوي، وهو أقل معدل نمو لاستثمارات الأصول الثابتة منذ أكثر من عقد. وفي مارس قاد تراجع قطاع البناء التباطؤ الاقتصادي، حيث تراجع قطاع البناء من 19.3 في المائة إلى 16.8 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. وبينت الاستثمارات الصناعية، التي تشكل نحو 35 في المائة من إجمالي الاستثمارات وترتبط في معظمها بالصادرات، مرونتها حيث نمت بما يقارب 15 في المائة، إلا أن الاستثمار في قطاع البنية التحتية الذي يشكل نحو 20 في المائة من إجمالي الاستثمارات، نمت من 17.7 في المائة إلى 19.2 في المائة. وهذه هي الأداة المفضلة من قبل الحكومة لتحفيز النمو، وكانت مستخدمة على نطاق واسع في عام 2012 في أعقاب تباطؤ الطلب العالمي، ولكن منذ منتصف عام 2013، ونمو الاستثمار في قطاع البنية التحتية يتراجع، ليفاقم الانخفاض في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.
الخلاصة أن الاقتصاد الصيني يتباطأ على مستوى عدة قطاعات هذا العام، وقد بينت الحكومة بشكل واضح أن أولوياتها هذا العام هي إصلاح هيكل الاقتصاد عبر معالجة الصناعات التي تشهد مشكلات في زيادة الطاقة الممكنة، وتحرير القطاع المالي، بالإضافة إلى أهداف أخرى.
وتجنبا لانخفاض حاد في النمو، تركز السياسة الآن على دعم الصادرات؛ فمع تزايد علامات التعافي الاقتصادي العالمي، بدأت الصين بتخفيض قيمة عملتها بعد أكثر من عقد من الارتفاع المتواصل. وهذه ليست المرة الأولى التي تستجيب فيها الصين بهذا الشكل، فقد اتخذت الصين خطوة مشابهة استجابة للأزمة المالية العالمية عندما أوقفت رفع قيمة عملتها لأكثر من عام. وقد يجري انتقاد هذه الخطوة على مستوى عالمي، خصوصا من الولايات المتحدة الأميركية. ولكن حتى وإن لم تعجب السلطات الأميركية بهذه الخطوة، فإن انخفاضا مفاجئا في الاقتصاد الصيني سيحمل معه عواقب وخيمة على العالم أجمع، وعلى الدول المصدرة للسلع بشكل خاص، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى العكس، الهبوط السلس بشكل ناجح ومنتظم لاقتصاد كان ينمو بمعدل عشرة في المائة على أساس سنوي لمدة ثلاثة عقود، هي مهمة صعبة جدا، لكن الصين لا تزال تعمل عليها وبنجاح.



مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
TT

مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)

نشرت الجريدة الرسمية في مصر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن الموافقة على زيادة حصة البلاد في صندوق النقد الدولي بنسبة 50 في المائة. كما نص القرار على أن الزيادة في الحصة لن تصبح سارية إلا بعد استيفاء شروط التصديق، رابطاً ذلك بموافقة جميع الدول الأعضاء في الصندوق على زيادة حصصهم.

وحسب مراقبين، تهدف زيادة الحصة إلى تعزيز الموارد المتاحة لصندوق النقد لدعم السياسات الاقتصادية والمالية للدول الأعضاء. كما أنها تزيد من القوة التصويتية لمصر في الصندوق.

ويرتبط القرار بالمراجعة العامة الـ16 للحصص، التي تشمل زيادات في حصص الدول الأعضاء، والتي تعتمد على الموافقة الكتابية للدول المشاركة والالتزام بالشروط المالية المحددة. علماً أن نحو 97 في المائة من الدول الأعضاء توافق على الزيادة.

كان مجلس النواب قد وافق في جلسة عامة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على زيادة حصة مصر في الصندوق بنسبة 50 في المائة. ومن المقرر أن تقوم مصر بإتمام الإجراءات المالية اللازمة لدفع الزيادة في حصتها، والتي ستتم في إطار الزمان المحدد في القرار، حسبما أوضح مسؤولون مصريون.

وأعلن صندوق النقد الشهر الماضي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد الذي يستمر 46 شهراً، وهو ما قد يتيح صرف شريحة جديدة تبلغ 1.2 مليار دولار. وقال وزير المالية المصري أحمد كوجك، قبل أيام إن مصر ستحصل على الشريحة هذا الشهر، نافياً طلب مصر توسيع القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار مرة أخرى.

وفي تصريحات إعلامية، أعرب كوجك عن قلقه من حجم الدين الخارجي الذي يتخطى 152 مليار دولار، وأكد تعهد الحكومة بخفضه بما يعادل نحو ملياري دولار سنوياً مع السداد بأكثر من قيمة الاقتراض.

في سياق منفصل، أفادت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بأن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 24.1 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من 25.5 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني). وهذا هو أدنى مستوى في عامين، ويتماشى ذلك مع ما خلص إليه استطلاع رأي أجرته «رويترز»، وذلك في ظل استمرار تراجع أسعار المواد الغذائية.

وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار في المدن المصرية 0.2 في المائة، مقارنةً مع 0.5 في المائة في نوفمبر. وانخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.5 في المائة في ديسمبر بعد انخفاضها بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر، مما جعلها أعلى بنسبة 20.3 في المائة مما كانت عليه قبل عام.

وارتفع التضخم في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، لكنه انخفض في نوفمبر وظل أقل بكثير من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المائة الذي سجله في سبتمبر 2023.

وساعد النمو السريع في المعروض النقدي لمصر على زيادة التضخم. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن2) نما 29.06 في المائة في العام المنتهي في آخر نوفمبر، وهو ما يقل قليلاً عن أعلى مستوى على الإطلاق البالغ 29.59 في المائة المسجل في العام المنتهي بنهاية سبتمبر.

وبدأ التضخم في الارتفاع بشكل كبير عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية. وسجل التضخم ذروته عند 38 في المائة في سبتمبر 2023، وكان أدنى مستوى له منذ ذلك الحين عندما سجل 21.27 في المائة في ديسمبر 2022.

ووقَّعت مصر في مارس (آذار) الماضي على حزمة دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بهدف مساعدتها على تقليص عجز الميزانية وتبني سياسة نقدية أقل تأجيجاً للتضخم، لكنَّ الحزمة تُلزم الحكومة بخفض الدعم على بعض السلع المحلية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

ومعدلات التضخم من أهم النقاط التي تراعيها لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري عندما تجتمع لاتخاذ قرارات أسعار الفائدة.

وتتوقع اللجنة استمرار هذا الاتجاه، إذ قالت في محضر آخر اجتماعاتها في 2024: «تشير التوقعات إلى أن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءاً من الربع الأول من عام 2025، مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026».

كانت اللجنة قد ثبَّتت أسعار الفائدة في اجتماعاتها الستة الأحدث، إذ لم تغيرها منذ أن رفعتها 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي خلال مارس في إطار اتفاق قرض تمت زيادة حجمه إلى 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي. وكان هذا الرفع قد جاء بعد زيادة بلغت 200 نقطة أساس أول فبراير (شباط).