عادة فرعونية قديمة.. المصريون يحتفلون بـ«شم النسيم» بالخروج للحدائق وتبادل الورود

يعود تاريخه لـ2700 سنة قبل الميلاد ويرمز لتجدد نشاط الكائنات والنباتات في موسم الربيع

مصريون يحتفلون في منطقة الأهرامات  بعيد الفصح
مصريون يحتفلون في منطقة الأهرامات بعيد الفصح
TT

عادة فرعونية قديمة.. المصريون يحتفلون بـ«شم النسيم» بالخروج للحدائق وتبادل الورود

مصريون يحتفلون في منطقة الأهرامات  بعيد الفصح
مصريون يحتفلون في منطقة الأهرامات بعيد الفصح

يحتفل ملايين المصريين اليوم (الاثنين) بعيد الربيع الذي يحمل اسما آخر متعارف عليه في عموم البلاد، وهو «شم النسيم». وبينما اتخذت الكثير من المحافظات استعدادات لاستقبال الزوار، يقول الباحثون، إن الاحتفال بعيد الربيع عادة مصرية قديمة ترجع لعهد الفراعنة منذ آلاف السنين، خصوصا في مناطق جنوب مصر التي كانت تقع فيها عاصمة الدولة القديمة.
ويقترن الاحتفال بعيد الربيع أو شم النسيم بعادات منها أكل «الفسيخ»، وهو سمك مملح يحفظ لفترات طويلة استعدادا لهذه المناسبة، حيث يقترن أكل الفسيخ بالبصل، والعادة الثانية تلوين البيض قبل تقشيره وأكله، وكذلك تبادل الزهور والورود، حيث ما زال المصريون يقبلون في هذا العيد على شراء الفسيخ وتلوين البيض وزيارة الحدائق وشراء باقات الورد للتهادي بين العائلات والأصدقاء والمحبين.
ويؤكد خبير الآثار المصري، الدكتور عبد الرحيم ريحان، أن قدماء المصريين كانوا يحتفلون بعيد شم النسيم في الليلة الأولى أو ليلة الرؤية بالاحتفالات الدينية ثم يتحول مع شروق الشمس إلى عيد شعبي تشترك فيه كل طوائف الشعب، مشيرا إلى أن الفرعون وكبار رجال الدولة كانوا يشاركون الشعب في أفراحه باعتبار أن شم النسيم هو العيد الذي تبعث فيه الحياة ويتجدد النبات وتنشط الكائنات وتحمل نسمة الربيع رسالة ميلاد الطبيعة.
ويضيف ريحان أن «المصريين القدماء حددوا عيد الربيع بميعاد الانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس في برج الحمل يوم 25 من شهر برمهات».
ويقول إن «المصريين كانوا يحتفلون بالإعلان عن ذلك اليوم بليلة الرؤية حيث يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم الأكبر في الساعة السادسة من ذلك اليوم حين يظهر قرص الشمس قبل الغروب وخلال دقائق محدودة وكأنه يجلس فوق قمة الهرم، وكان يشطر ضوء الشمس وظلالها واجهة الهرم إلى شطرين، وهى الرؤية الخاصة بعيد (شمو) أي بعث الحياة، والذي احتفل به المصري القديم منذ عام 2700 قبل الميلاد في أواخر عهد الأسرة الثالثة»، لافتا إلى أن بعض المؤرخين كانوا يرون أن الاحتفال به كان معروفا ضمن أعياد هليوبوليس ومدينة أون، وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الأسرات.
ويشير الدكتور ريحان إلى أن عيد شم النسيم ارتبط بأكلات معينة ارتبطت بفكر حضاري راق للمصريين القدماء يتوافق مع طبيعة هذا العيد، ومنها البيض الملون، والذي أطلق عليه الأوروبيون بيض الشرق، وهو يرمز لخلق الحياة كما ورد في متون كتاب الموتى وأناشيد، أما بالنسبة للفسيخ والسمك المملح، فإنه كان يرتبط بعادات ومعتقدات روحية معينة ويوصف أيضا للوقاية والعلاج من بعض أنواع حمى الربيع.
ونوه الدكتور ريحان بأن تناول البصل ارتبط بأسطورة شهيرة من أساطير منف القديمة، حيث كان لأحد ملوك مصر طفل وحيد أصيب بمرض خطير وقد عالجه الكاهن الأكبر لمعبد آمون بطيبة بثمرة بصل وضعت تحت رأس الأمير في فراشه عند غروب الشمس وقام بشقها إلى نصفين عند الشروق ووضعها فوق أنفه ليستنشقها فشفي الأمير، وطلب منه وضع حزم من أعواد البصل الأخضر الطازج على أبواب الغرفة وبوابات القصر لطرد الأرواح الشريرة، في ما زالت هذه العادات متبعة حتى اليوم خاصة في صعيد مصر.
وحرص المصريون القدماء على تناول هذه الأكلات في مناسبة تفتح الزهور وازدهار الزراعات لكون البيض يرمز لديهم إلى الخلق وهو ما يتماشى مع احتفالاتهم بعيد شم النسيم الذي كان مناسبة لتفتح الزهور، لكن الأقباط هم من أدخلوا تلوين البيض إلى مصر.
وطبقا للتقسيم المصري القديم فإن العام الفرعوني كان يقسم إلى ثلاثة فصول وليس أربعة فصول وهي فصل «الأخت» أي الفيضان وفصل «ألبرت» أي الزراعة وفصل «الشمو» أي التحاريق أو الحصاد والصيف، وما بين ألبرت والشمو يأتي الربيع، الذي تمتلئ مقابر الفراعنة وآثارهم بالرسوم والنقوش المعبرة عنه وخصوصا مقبرة «مرروكا» في منطقة سقارة، والتي تؤكد أن المصريين عرفوا أيضا حب الزهور وقدسوها وأعطوها اهتماما كبيرا للاحتفال بقدوم فصل الربيع.
وتعتبر الأقصر أول مدينة عرفت فن الاعتناء بالزهور، ومدينة إسنا كانت أول مدينة تعرف صناعة الفسيخ - السمك المملح - في التاريخ، وأنها كانت تشهد تقديم الأسماك المجففة كنذور للآلهة داخل المعابد، حتى صار السمك المجفف رمزا للمدينة في العصر البطلمي وصار اسمها «لاثيبولس» أي مدينة سمك قشر البياض.
كما عرف سكان مدينة الأقصر تقديس الزهور منذ آلاف السنين، وأنه كان للزهور مكانة كبيرة في نفوسهم ونفوس كل الفراعنة، إذ كانت زهرة اللوتس رمز البلاد، كما كان يقدمها المحبوب لمحبوبته.
وتقول الباحثتان منى فتحي ونجلاء عبد العال في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن «مقابر مدينة الأقصر الأثرية الفرعونية تزخر بالصور المرسومة على جدرانها لصاحب المقبرة وهو يشق طريقه في قارب وسط المياه المتلألئة بينما تمد ابنته يدها لتقطف زهرة لوتس».
وكانت أعواد اللوتس تقدم ملفوفة حول باقات مشكلة من نبات البردي ونباتات أخرى، كما تشكل باقات الورود اليوم، كما ترى أعمدة المعابد الفرعونية مزخرفة في طراز لوتسي يحاكي باقات براعم الزهور.
وصور المصريون أنفسهم على جدران مقابرهم ومعابدهم وهم يشمون الأزهار في خشوع، يرجع بعضه إلى الفرحة ويوحي بسحر الزهور لديهم، وحظيت زهرة اللوتس بمكانة كبيرة لدى قدماء المصريين فكانوا يطلقون عليها اسم الجميل.
وكان المصريون يقضون أكثر الأوقات بهجة في فصل الربيع ويحرصون في ذلك الفصل على ارتداء الملابس الشفافة ويهتمون بتصفيف شعورهم ويزيدون من استخدام العطور والأدهنة لإظهار مفاتنهم.
ومن جانب آخر أعلنت الكثير من المحافظات، ومنها القاهرة، فتح الحدائق العامة للزوار. ويأتي الاحتفال بشم النسيم هذا العام مقترنا بالاحتفال بذكرى تحرير سيناء ويقول رئيس إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي، محمود طرية، والذي يشرف على عدة محافظات تقع غرب البلاد، إن «الاحتفالات بشم النسيم وتحرير سيناء تستمر حتى نهاية الشهر الحالي، وتتضمن إقامة معارض للفنون التشكيلية يشارك فيها الفنانون ويقدمون إبداعاتهم التي تعبر عن أهمية تلك الأحداث والمناسبات». ويشير إلى أن الاحتفال يتضمن أيضا إقامة لقاءات وندوات يشارك فيها القادة والمتخصصون بمختلف المواقع، بالإضافة إلى وجود منظمات المجتمع المدني، مؤكدا على أهمية شم النسيم حيث يعد من الاحتفالات المرتبطة بالعادات والتقاليد التي يحرص الجميع على قضائها في المتنزهات، أما ذكرى تحرير سيناء فهي تحتل مكانة غالية في قلوب كل مواطن مصري.
وفي القاهرة استعدت حديقة الحيوان الرئيسة بالجيزة لاستقبال الزوار، بالإضافة إلى تنظيم محافظة الجيزة ووزارات الآثار والسياحة والثقافة مهرجانات في منطقة الأهرامات وعلى ضفاف النيل. وفي محافظة أسوان، يقول المحافظ، مصطفى يسري، إنه «تقرر فتح الحدائق والمتنزهات لتكون جاهزة لاستقبال المواطنين في أعياد الربيع وشم النسيم والتي يصل عددها إلى 140 حديقة عامة على مستوى مدن المحافظة».
ويأتي هذا وسط مخاوف من تناول الفسيخ غير الصالح للاستهلاك، حيث يقترن الاحتفال بأعياد الربيع بوقوع حالات تسمم وتقوم وزارتا الصحة والتموين في هذه المناسبة برفع حالة الاستعداد القصوى في المحافظات. ويقول الدكتور سعيد عبد العزيز، محافظ الشرقية (شمال العاصمة): «تقرر تكثيف الحملات المشتركة بين مديريتي الصحة والتموين ومباحث التموين، للتفتيش على المطاحن والمخابز والمحلات والأسواق، خصوصا أماكن بيع الأسماك الطازجة والمملحة بمختلف أنواعها، والتأكد من صلاحية المعروض منها للاستهلاك الآدمي».
ويضيف أنه «تقرر أيضا رفع درجة الاستعداد القصوى بالمستشفيات العامة والمركزية، وتوفير أمصال ولقاحات حالات التسمم، خصوصا الناتجة عن تناول المملحات، مع إلغاء أجازات جميع الأطباء ومضاعفة أعدادهم في أقسام الطوارئ، وتخصيص سيارات إسعاف للوجود بالقرب من أماكن تجمعات المواطنين تحسبا لأي ظروف طارئة».
ويقول محمد عبد الظاهر محافظ القليوبية بشمال القاهرة، والتي تقع فيها حدائق القناطر الشهيرة، إنه «تقرر تنظيم عروض موسيقية غنائية وشعبية لفرقة الفنون الشعبية بالمحافظة بداية من اليوم (الاثنين) وتقديم عروض موسيقية شعبية لفرق الآلات والمزمار الشعبي خلال احتفالات أعياد الربيع وشم النسيم، وذلك في الكثير من الحدائق العامة والأماكن والمتنزهات بالقناطر الخيرية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».