حملة تجنيد لمن تبقى من شباب سوريا تدفع بهم إلى الهجرة

بدأت موجة فرار جديدة في صفوف الشباب المطلوبين للتجنيد في سوريا، تزامنت مع شن النظام السوري حملة جديدة لسوق ما تبقى من شباب مدنيين للتجنيد الإلزامي والاحتياط، حيث تشهد البلاد يوميا عمليات لفرار المئات من الشبان إلى دول الجوار بطرق غير شرعية، لا سيما الشباب بسن الاحتياط من مواليد بين عامي 1973 - 1991. وانتشرت معلومات الأسبوع الماضي عن وضع النظام لقائمة بأسماء نحو 85 ألف مطلوب للخدمة العسكرية في دمشق وريفها، وذلك بعد مضي عام على آخر حملة سوق للخدمة العسكرية الإلزامية. كما انتشرت إشاعات على مواقع التواصل بأن «قيادة شعب التجنيد، رفعت سن الاحتياط إلى 50 سنة»، لكن الصفحات المقربة من النظام نفت عبر «فيسبوك» ذلك، وأكدت أن أعلى سن للطلب 42 عامًا.
فادي (مواليد 1983) ويعمل مديرا لصالون تجميل في ريف دمشق فرّ قبل يوم من الموعد المقرر لتبليغه السحب للاحتياط، وتقول والدته إن صديقا لفادي سرب له صدور برقية تبليغ بحقه، وإن عليه التواري عن الأنظار، ففر هاربا إلى إحدى دول الجوار تاركا خلفه عروسه حاملا ولم يمض على زواجه منها سوى ستة أشهر. كما ترك عمله في الصالون الذي وضع فيه كل تعبه وآماله. وتتابع والدته بأنها فقدت شقيق فادي بالحرب وابنا آخر هاجر إلى ألمانيا العام الماضي.
قد يكون عزاء والدة فادي أنه تمكن من الهرب، في حين لم يتمكن من ذلك شاب آخر رتب أوراق سفره لمغادرة البلاد بشكل قانوني فور علمه بصدور قوائم جديدة بأسماء المطلوبين. والشاب يعمل موظفا في إحدى المؤسسات الحكومية وحصل على إذن سفر من مكان عمله، إلا أنه تجنب الذهاب إلى مكتب التجنيد وبالتالي لم يحصل على ورقة (لا مانع من السفر)، فتمت إعادته من نقطة الحدود ليلتحق مرغما بالخدمة العسكرية حيث تم فرزه إلى إحدى الجبهات.
تقول سيدة تعيش في إحدى الضواحي غرب دمشق إن معظم الحلاقين وتتراوح أعمارهم بين 33 - 40 عاما فرّوا خلال الأسبوع الماضي من المدينة بعد علمهم بصدور قائمة بأسماء تسعين شابا مطلوبين للاحتياط.
وأكدت مصادر في مدينة التل بريف دمشق، والتي أتمت اتفاق مصالحة مع النظام مطلع الشهر الحالي، أن مداهمات المنازل عادت للمدينة كما كانت بداية الثورة، بعد الكشف عن وجود قائمة بأسماء 3 آلاف شاب داخل المدينة، مطلوبين للتجنيد العسكري، وذلك عقب تهجير المقاتلين وعائلاتهم نحو الشمال السوري.
ويخشى من تبقى من شباب ورجال في مناطق سيطرة النظام، من الحواجز التي يتم سوقهم بمجرد مرورهم عليها، لذا يلتزمون منازلهم ريثما يتدبرون طريقة ما لتأجيل سحبهم أو إعفائهم من الخدمة، الأمر الذي يكلف بين مئات الآلاف من الليرات السورية أو عدة ملايين قد تصل إلى ستة ملايين ليرة تدفع كرشاوى لتأجيل التبليغ أو للإعفاء. وغالبا ما يقع الشباب وذووهم ضحية شبكات فساد واحتيال باتت تعيش على بيع الوهم لهؤلاء بأنه تم شطب أسمائهم ليكتشفوا لاحقا أنهم ما زالوا مطلوبين.
وتداولت مواقع إعلامية سورية موالية ومعارضة معلومات عن صدور قوائم جديدة للتجنيد الاحتياطي طالت رجالا من مواليد عام 1974 وما بعد. وقد تم تعميم القوائم على المنافذ الحدودية والوحدات الشرطية، دون وجود أثر لحواجز ودوريات خاصة لهذه الغاية تشبه المرات السابقة. ولفتت المعلومات إلى أن هذه الحملة لم تستثن الأساتذة الجامعيين أو بعض الموظفين الرئيسيين في بعض الوزارات كما جرت العادة.
وتتزامن حملة السوق إلى الاحتياط مع إعلان النظام عن تشكيل الفيلق الخامس بإشراف وتمويل روسي، ومع إطلاق الدعوات للالتحاق «التطوعي» وعرض رواتب مغرية وتعويضات واستبعاد من عقوبة تخلف الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية.
ويربط الناشط المدني المعارض أحمد الدمشقي بين حملة السوق إلى العسكرية وتشكيل الفيلق الخامس، بأن التطوع قد يشكل دافعا للالتحاق في الفيلق الخامس للتهرب من خدمة الاحتياط، لعدة أسباب، أولا أنه سيكون تحت إشراف القيادة الروسية، وثانيا توجد رواتب مقبولة، في حين أن راتب العسكري النظامي أو الاحتياطي لدى النظام لا يتجاوز أربعين دولار. ولفت الدمشقي إلى أن كثيرا من الشباب ممن لم يتمكنوا من مغادرة البلاد تطوعوا للانضمام للشرطة المدنية، هربا من الخدمة العسكرية، وكي لا يزجوا في القتال على الجبهات.
من جانبها دعت وزارة الأوقاف التابعة للنظام عبر منابر المساجد وفي صلاة الجماعة، الشباب السوري للالتحاق بالفيلق الخامس. وقال خطيب إمام الجامع الأموي في دمشق مأمون رحمة، في خطبة الجمعة الماضي: «الفيلق الخامس ينادي أبناء الوطن من أجل أن يبقى علم الجمهورية العربية السورية مرفرفًا فوق الجولان، ولواء الإسكندرون، وفوق الغوطة الشرقية وحمص».