محاكمة مرسي على سطح صفيح ساخن في مصر

تتجه الأنظار في مصر والعالم مجددا نحو المحاكم المصرية التي اكتسبت شهرة شعبية ودولية بمحاكمة رئيسها الأسبق حسني مبارك بعد أكثر من ثلاثين عاما في سدة الرئاسة لتكرر الحدث مع رئيس آخر تم عزله وحبسه ليأتي أوان محاكمته بعد أيام ثلاثة تفصلنا عن الظهور الأول لمحمد مرسي منذ عزله خلف قفص الاتهام بعد اتهامه وعدد من قيادات الإخوان في قضية أحداث اشتباكات الاتحادية، التي دارت في الأربعاء الدامي 5 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بين أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والمتظاهرين، ما أسفر عن مصرع أكثر من عشرة أشخاص بالإضافة إلى إصابة العشرات، وذلك بعد أن أغضب مرسي معارضيه بإصدار إعلان دستوري يوسع سلطاته.
ويحتجز مرسي في مكان سري منذ عزله، لكنه سيقف وعدد من معاونيه يوم الاثنين المقبل للمرة الأولى من داخل قفص الاتهام بمعهد أمناء الشرطة بمنطقة طرة، لمواجهة أمر إحالتهم إلى المحاكمة الجنائية، حيث تتهم النيابة العامة مرسي وعدد من قيادات الإخوان بالتحريض على العنف، كما أثبتت تحقيقات النيابة أن القيادي الإخواني محمد البلتاجي هو المسؤول عن حشد أنصار الجماعة للتوجه إلى محيط الاتحادية حاملين الأسلحة لإرهاب المتظاهرين السلميين والتحريض على قتل وإصابة العشرات، ودعمه في ذلك الأمر كل من عصام العريان ووجدي غنيم اللذين حرضا من خلال وسائل الإعلام على تلك الأحداث.
وتكتسب محاكمة الرئيس الذي عزله الجيش في الثالث من يوليو (تموز) الماضي، أهمية خاصة لدى أنصار جماعة الإخوان المسلمين الذين يرغبون في استثمارها لإحداث حالة من الاستقطاب والحشد في مختلف أنحاء مصر حيث دعا أنصار الجماعة لاحتجاجات يومية بدءا من اليوم الجمعة وحتى بدء محاكمة الرئيس المعزول يوم الاثنين المقبل، وقد تعمق المحاكمة العداء بين الإخوان والحكومة المدعومة من الجيش والتي سعت لفرض سيطرتها على ما يراه بعض المصريين انتهاجا للعنف في كثير من مظاهراتها التي كان آخرها اعتداء طلاب في جامعة الأزهر على مقرات إدارية للجامعة وتخريبها، ورغم حالة الحشد القائمة فإن أجهزة الأمن تمكنت من حصرها في عدد من الجامعات المصرية في القاهرة ومحافظات أخرى بأعداد محدودة، ويرى الدكتور عمرو الشبكي مقرر لجنة «نظام الحكم» في لجنة الخمسين المعنية بتعديل دستور عام 2012 المعطل أن المظاهرات خلال الأيام الحالية أقل بكثير من مظاهرات يوليو، وقال في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «رغم الأداء الهزيل لحكومة الببلاوي فإن الملاحظ قلة أعداد المتظاهرين باستثناء مظاهرات جامعة الأزهر التي اتسمت بالعنف في مجملها».
وأشار الدكتور الشبكي إلى أهمية الحدث المتمثل بمحاكمة مرسي رغم الفارق الكبير بينه وبين محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك حيث ذكر أن «المشكلة ليست في شخص محمد مرسي إنما في الجماعة التي حركته ووقفت خلف كل سياساته بخلاف مبارك الذي مثل رأس الدولة القوي الذي كان يملك كل الخطوط السياسية» وبالتالي «فإن محاكمة جماعة الإخوان المسلمين سياسيا وشعبيا هي الأهم في هذه الحالة لأن أخطاء مرسي كانت نتيجة أنه مثل تلك الجماعة في قصر الرئاسة وهو برأيي الحلقة الأضعف فيها» وحول سيناريوهات المحاكمة والمستقبل السياسي في مصر بعدها استبعد الدكتور عمرو أن يتم إصدار حكم في الجلسات الأولى منها متوقعا تكرار المشهد السابق لمحاكمة مبارك والتأجيل الذي واكبها على مدار أكثر من عام، ونوه إلى ضرورة استكمال خارطة الطريق والإعلان عن الانتخابات البرلمانية حتى يكون هناك مسار قادر على تحريك المشروع السياسي بمختلف أطيافه، مستثنيا جماعة الإخوان المسلمين التي قال: إنه «يصعب تصنيفها بين المعارضة والتأييد وذلك لانتهاجها العنف ضد مؤسسات الدولة والدعوة للتدخل الأجنبي، وإذا ما التزمت بالقواعد المشروعة فالقضاء والقانون هو من سيحكم حينها».
ويرى المراقبون أهمية النظر إلى هذه المحاكمة في إطارها القضائي والقانوني لمراعاة الحكم في قضية جنائية بغض النظر عن حجم التأييد أو المعارضة للمتهمين بها، ورغم إعلان ما يسمى بالتحالف الوطني «لدعم الشرعية» المؤيد لمرسي عدم اعتراف الرئيس المعزول بسلطة المحكمة وعدم توكيله لأي محام للدفاع عنه فإن ذلك لن يغير في سير المحاكمة وتوقيتها، وجاء في بيان التحالف الذي يضم بشكل أساسي جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب تنظيمات أخرى أن مرسي «لا يعترف بسلطة المحكمة»، وأضاف البيان أن مجموعة من «محامي ضحايا الانقلاب» هي الوحيدة التي يحق لها التكلم بالنيابة عن مرسي، إلا أنه أوضح أن المحامين سيكونون حاضرين خلال المحاكمة «ليس للدفاع بل لمتابعة الإجراءات القضائية».
ومنذ عزل مرسي قامت أجهزة الأمن بحملة ضبط واستدعاء لقيادات جماعة الإخوان المسلمين بتهم تتعلق بـ«التحريض على العنف وترويع المواطنين وحيازة الأسلحة» أثناء احتجاجاتها منذ عزل الرئيس مرسي، كان آخرهم القيادي عصام العريان، وأحيل أغلبهم إلى المحاكمة لكن أيا منهم لم يظهر بعد في المحكمة لـ«أسباب أمنية» وفي آخر الفصول القضائية لتلك المحاكمات أعلنت هيئة المحكمة التي تحاكم المرشد العام للجماعة محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر تنحيها عن النظر في القضية «لاستشعارها الحرج» ولكنها قررت حبس المتهمين الـ35 الذين تشملهم القضية.