مصادر فرنسية: إجهاض اتفاق الخروج من حلب هدفه منع خروج المقاتلين

مرة أخرى، توجه باريس سهام انتقاداتها للنظام السوري وحلفائه، وتحملهم مسؤولية انهيار الاتفاق الذي أبرم الثلاثاء بين تركيا وروسيا بمباركة أميركية، لخروج المقاتلين والمدنيين من الأحياء المتبقية تحت سيطرة المعارضة في حلب الشرقية.
وقالت مصادر فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن إجهاض الاتفاق عن طريق فرض شروط ومطالب لم يكن ينص عليها «واضح الأغراض»، وهو «تمكين قوات النظام والميليشيات الحليفة لها من السيطرة على أحياء حلب كافة بالقوة العسكرية، والحيلولة دون خروج المقاتلين إلى أي تنظيم انتموا» من هذه المدينة، و«تخييرهم بين الموت أو الاستسلام».
وكان الرئيس فرنسوا هولاند قد أشار، أول من أمس من برلين، إلى توجيه «إنذار إنساني» للنظام ولروسيا من أجل إتاحة المجال لخروج المدنيين الذين وصفهم بأنهم «رهائن النظام»، منبها بأن تجاهله سيستدعي «تبيان المسؤوليات». وأمس، عاد للمطالبة بتوفير خروج آمن «تحت إشراف مراقبين دوليين وبحضور المنظمات الإنسانية» ما يبين المخاوف الفرنسية «المبررة» من حصول مقتلة واسعة في صفوف المدنيين، وفق ما حذرت منه المصادر الفرنسية. وأوضح وزير الخارجية جان مارك إيرولت مطلب بلاده بالقول إن الغرض هو التأكد من أن إجلاء المدنيين أولوية و«كذلك ألا يتعرض المقاتلون للقتل» عند خروجهم. وتجاهل إيرولت الإشارة إلى «الإنذار الإنساني» الذي لم يأت عليه هولاند خلال انعقاد مجلس الدفاع، صباح أمس، كما أن قصر الإليزيه لم يوفر معلومات إضافية بشأنه وتبعاته.
ومن جهته، اكتفى الناطق باسم الحكومة، الوزير ستيفان لو فول، بعد اجتماع مجلس الوزراء أمس، بالقول إن فكرة الإنذار فرنسية - ألمانية، وإنه «لا حدود زمنية له» ممتنعا عن توضيح النتائج التي قد تترتب عليه، ما يعني عمليا أن التهديد المذكور يفتقر لـ«مضمون حقيقي».
وتكمن مشكلة باريس ومعها الأطراف الغربية، في أنها تحمل روسيا المسؤولية «الأساسية» عما وصل إليه الوضع في سوريا. لكنها في الوقت عينه تجد نفسها «عاجزة» اليوم عن إيجاد الوسائل والآليات التي تمكنها من الضغط على موسكو. وأشارت المصادر الفرنسية إلى واقعتين تبينان، بنظرها، هذا العجز: الأولى، هي «الاسترحام» الذي قدمه الوزير جون كيري لروسيا وللنظام السوري ودعوتهما للتعامل «بعطف» مع أحياء حلب الشرقية. والثانية، أن أطراف «النواة الصلبة» لم يبحثوا لا من قريب ولا من بعيد مسألة فرض عقوبات تجارية اقتصادية أو مالية، ولو رمزية، على موسكو. كذلك امتنع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي عن طرحها على النقاش بحجة أنها ستثير «انقسامات» داخل الاتحاد.
لا تزال باريس تعتبر نفسها اليوم كما الأمس، أول داعم للمعارضة السورية، وهي الرسالة التي نقلها هولاند لرياض حجاب، رئيس الهيئة العليا للتفاوض، الاثنين الماضي. ولذا، فإن فرنسا تعكف على تبيان انعكاسات ما يجري في حلب على واقع المعارضة عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا من زاوية السعي للتخفيف من آثارها وإيجاد وسائل تمكن من إيقاف المعارضة على قدميها. ورغم أن باريس تعتبر أن خسارة حلب «لا تعني نهاية الحرب»، فإن مصادرها تعتبر أن المعارضة «خسرت أهم ورقة كانت تراهن عليها داخليا وخارجيا» والتي كانت تمكنها من طرح نفسها «بديلا جديا للنظام»، ذلك أن ميزان القوى الذي مال لصالحه بسبب الدعم العسكري المكثف الذي يحظى به «ستكون له ترجمته على المستوى السياسي» بحيث إن النظام «لن يقدم غدا ما رفض تقديمه بالأمس من تنازلات، بمعنى القبول بعملية انتقال سياسية ذات صدقية» أي إقامة هيئة حكم انتقالية تتسلم السلطات التنفيذية. ولذا، فإن النظام ومن معه لن يقبلوا مستقبلا إلا بالصيغة التي طرحوها سابقا، والتي لا تتطابق بتاتا مع بيان جنيف أو القرار الدولي رقم 2254.
إضافة إلى ذلك، فإن باريس ترى أن العملية السياسية بكليتها يمكن أن «تختفي» نهائيا بعد العجز الذي تبدى في أداء مجلس الأمن ووصول وساطة المبعوث الدولي دي ميستورا إلى طريق مسدود. وترى باريس أن النظام وداعميه سيستخدمون «انتصارهم» في حلب رافعة لمحاولة السيطرة على منطقة إدلب و«تنظيف» الجيوب المتبقية للمقاومة في المناطق القريبة من دمشق، تاركين للتحالف الغربي مهمة التعامل مع «داعش»، «باستثناء تدمر»، وفق تقسيم للمهمات بين روسيا والولايات المتحدة. وتتخوف باريس من أن تفضي التحولات الميدانية إلى «تغير نظرة» الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة للمعارضة المسلحة «غير المتشددة»، ما يرتب على المعارضة مسؤوليات كبرى من أجل إعادة تنظيم صفوفها ورسم خطط سياسية وعسكرية جديدة لمواجهة الوضع المستجد. ولا تستبعد باريس أن تحدث انقسامات إضافية داخل صفوف المعارضة وتياراتها وتنظيماتها، فيما سيسعى النظام لإعادة تأهيل نفسه إقليميا ودوليا.
أما التخوف الفرنسي الآخر فمصدره واشنطن، والسياسة التي ستسير عليها الإدارة الجديدة. ورغم أن باريس تعتبر أن ما قيل أثناء الحملة الانتخابية لن يكون بالضرورة السياسة الأميركية الرسمية، فإن الدبلوماسية الفرنسية تنظر بكثير من القلق للخط الذي سيسير عليه دونالد ترامب في الملف السوري وتأثير تقاربه مع موسكو على المعارضة وعلى أشكال الحلول الممكنة. وإذا كانت باريس تعتبر أن حلب «انتصار لروسيا وبوتين»، فإنها بالمقابل تعتبرها رمزا لعجز الغربيين وقصورهم عن توفير دعم شبيه بالذي قدمته روسيا للأسد، وذلك قبل أن يدخل الطيران الروسي الأجواء السورية ويقلب الوضع العسكري رأسا على عقب.