حلب تستغيث في رسائل أبنائها الأخيرة و«موت» الأحباء بات أمنية

مدير الدفاع المدني في المدينة: «تحولنا إلى جمعية لدفن الموتى»

دفعة من المدنيين الفارين من المناطق الشرقية في حلب  (أ.ف.ب)
دفعة من المدنيين الفارين من المناطق الشرقية في حلب (أ.ف.ب)
TT

حلب تستغيث في رسائل أبنائها الأخيرة و«موت» الأحباء بات أمنية

دفعة من المدنيين الفارين من المناطق الشرقية في حلب  (أ.ف.ب)
دفعة من المدنيين الفارين من المناطق الشرقية في حلب (أ.ف.ب)

قد تكون عبارة «إكرام الجرحى في حلب دفنهم» التي يصف فيها مدير الدفاع المدني في المدينة عمار سلمو، الوضع في المدينة، كافية لنقل حجم المأساة التي تعيشها العائلات المحاصرة.
هنا حيث الجثث منتشرة في كل مكان أصبح الموت أمنية يطمح إليها كل من يعيش تحت ما تبقى من أسقف في الأحياء الشرقية. فهذا صوت استغاثة إحدى الأمهات في رسالة صوتية إلى عائلتها تطلب منها الدعاء لها ولأبنائها «كي لا يحترق قلبي على أطفالي وأن يكون موتنا سهلاً»، فيما لم تجد تلك الممرضة الحلبية أمامها إلا خيار الانتحار «خوفًا من أن يغتصبها الشبيحة المجرمون لا سيما بعدما رأتهم يغتصبون زميلتين لها أمامها» بحسب ما جاء في رسالة تداولها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي. وكما رسالة الأم والممرضة أكدت رسائل الناشطين وكل من استطاع أن يطلق صرخة من حلب أن الوقت بالمدينة في الساعات الأخيرة أصبح من دم، وكأنهم جميعًا يعدّون لحظات حياتهم الأخيرة، وهو ما أكد عليه الطبيب سالم أبو نصر في رسالة له من منطقة الأنصاري التي نزح إليها، قائلاً: «لا طلب لعشرات آلاف المدنيين المتكدّسين هنا، إلا الحق بالحياة. لم يعد همنا إلا وقف القصف وكل شيء آخر يبحث لاحقا». أما رسالة الطفلة بانا العبد (7 أعوام) من حلب عبر «تويتر»، كانت بعد ظهر أمس، «هذه هي اللحظات الأخيرة، إما أن أنجو أو أموت».
«ضاعت الآلة الحاسبة في حلب ولم يعد لدينا القدرة على احتساب عدد القتلى بعدما تحوّل عملنا إلى جمعية لدفن الموتى نجمع القتلى والأشلاء»، بهذه الكلمات يختصر عمار سلمو مدير الدفاع المدني في حلب، الوضع في المدينة، مضيفا: «أصبحنا عاجزين عن مساعدة الجرحى أو حتى انتشال القتلى من تحت الأنقاض، فيما بات مصير عدد كبير من الأشخاص مجهولا».
من جهته، يؤكّد الناشط معاذ الشامي، المعلومات التي تناقلها الناشطون أمس على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلاً: «عائلات بأكملها تحت الأنقاض. الجثث تملأ الشوارع. تصفيات ميدانية للأبرياء. جرحى تصارع الموت. مشاهد مؤلمة لا توصف بكلمات وصور»، فيما أعلنت الأمم المتحدة أمس، أن لديها تقارير تفيد بأن قوات النظام وجماعات عراقية مسلحة متحالفة معها قتلت عمدا بالرصاص عشرات الرجال والنساء والأطفال في شرق حلب، وحذرت من احتمال وقوع المذبحة نفسها في مكان آخر.
ونقل مكتب حقوق الإنسان التابع للمنظمة عن تقارير أن 82 شخصًا على الأقل قتلوا في الشوارع خلال فرارهم أو في منازلهم في أربعة أحياء خلال الأيام القليلة الماضية.
وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» يقول سلمو: «تتم عمليات خطف وقتل عشوائية في الطرقات، والخوف يبقى بشكل أكبر من الميليشيات التي دخلت المدينة وليس من قوات النظام التي بات وجودهم محدودا جدًا ومن دون أي سلطة. من يقوم بكل هذه الأعمال معظمهم من العراقيين والإيرانيين والأفغان»، موضحًا: «قبل يومين اختطفت فتاتان في حي الصالحين وحاول عناصر من قوات النظام تحريرهما لكنهما حتى في هذا الأمر، لم يتمكنا من فعل أي شيء».
«حتى الطعام لم يعد مطلبا للعائلات المحاصرة. همهم الوحيد هو الخروج الآمن من الجحيم الذي يعيشون فيه»، بحسب سلمو الذي يضيف: «ولتحقيق هذا الهدف بات الجميع يخاطر بحياته، تحت مبدأ أن كل شخص بات مشروع شهيد، فإما أن يموت تحت القصف أو قنصا أو يعتقل في مناطق النظام، وبالتالي تبقى المحاولة أفضل من لا شيء»، ويذكّر بما قاله أحدهم له قائلاً: «لم يعد أمامي إلا اللجوء إلى قاتلي وطلب الرحمة منه علّني أحافظ على حياة أطفالي».
أمام هذا الواقع الأليم، يقول سلمو: «حتى الأب بات يترك ممن يموت من أطفاله في الطريق محاولا انقاد من نجا منهم، والأم تطلب الموت لأبنائها الجرحى ممن يعانون من الإصابات البالغة، بدل أن تراهم يئنّون من ألمهم أمامها، كما يحصل مع والدة فتاة مصابة بعينيها ومع والد كان هاربا مع عائلته فإذا بقذيفة تسقط عليهم وتصيبهم جميعا، فلم يجد عندها ما يفعله إلا تركهم في مكانهم واللجوء إلينا».
ورغم عدم وجود المستشفيات أو المراكز الطبية في الأحياء المتبقية تحت سيطرة المعارضة والتي يوجد فيها الدفاع المدني، يؤكّد سلمو أنه و129 متطوعًا من زملائه، لن يغادروا المدينة قبل تأمين ممرات آمنة للمدنيين ومغادرة آخر مدني منها، في وقت أعلنت فيه اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمس، أنها تحاول التفاوض على الإخلاء الآمن للعاملين في المجال الطبي والمدنيين من شرق حلب، لكنها غير قادرة حاليا على الحصول على الضمانات الأمنية المطلوبة.
وفي هذا الإطار، نقلت «وكالة الأنباء الألمانية» عن مصادر، قولها إنه «تم تسليم أسماء الأطباء ورجال الإنقاذ إلى المفاوضين الدوليين كجزء من الجهود لضمان سلامتهم».
من جهتها، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» من أن عشرات الأطفال محاصرون في مدينة حلب بشرق سوريا بعدما انفصلوا عن أسرهم وحوصروا في مبنى، كما جاء على لسان المدير الإقليمي للمنظمة جريت كابيليري، والذي أكد المعلومات بدوره عن طبيب في المدينة، مطالبا «جميع أطراف النزاع بالسماح بإجلاء آمن وفوري لجميع الأطفال». وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين في بيان: «سحق حلب والأثر المروع البالغ على شعبها وسفك الدماء والمذابح الوحشية للرجال والنساء والأطفال والدمار، ونحن لم نقترب بأي حال من نهاية لهذا الصراع الوحشي».
وشدد زيد على أنه يجب على سوريا أن تسمح بمراقبة معاملتها للفارين من شرق حلب بمن فيهم المعتقلون، وقال في إشارة إلى بلدات تسيطر عليها المعارضة «ما يحدث في حلب يمكن أن يتكرر في دوما وفي الرقة وفي إدلب. يجب ألا نسمح لهذا بأن يستمر». وعبر روبرت كولفيل المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن قلق بالغ من وقوع عمليات انتقام بحق آلاف المدنيين الذين يعتقد أنهم ما زالوا يتحصنون في «زاوية من الجحيم» تقل مساحتها عن كيلومتر مربع وتسيطر عليها المعارضة. وأضاف أن سقوطها بات وشيكًا.
وأضاف كولفيل في تصريح صحافي محددا بالاسم حركة النجباء العراقية باعتبارها ضمن الجماعات التي تردد مشاركتها في القتل: «تلقينا حتى مساء أول من أمس الاثنين تقارير عن قيام قوات موالية للحكومة بقتل 82 مدنيا على الأقل بينهم 11 امرأة و13 طفلا في أربعة أحياء مختلفة - بستان القصر والفردوس والكلاسة والصالحين».
وأضاف: «التقارير التي لدينا عن أشخاص جرى إطلاق الرصاص عليهم في الشارع وهم يحاولون الفرار، وأشخاص أطلق عليهم الرصاص في منازلهم»، لافتًا إلى أنه قد يكون هناك كثيرون غيرهم.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».