جامايكا تتحول إلى شبه ولاية أميركية

بعدما غزاها السياح من بلاد العم سام

جامايكا تتحول إلى شبه ولاية أميركية
TT

جامايكا تتحول إلى شبه ولاية أميركية

جامايكا تتحول إلى شبه ولاية أميركية

مع موسم الهروب من الشتاء إلى المناطق الدافئة، نشرت مؤخرًا صحيفة «واشنطن بوست» دليل الهروب إلى جزر البحر الكاريبي. وتحدثت عن «المناظر الخلابة. الرمال البيضاء الناعمة. ماء المحيط الأزرق إلى ما لا نهاية. السماء الصافية. كوكتيلات الفواكه الملونة. غروب الشمس البديع. البوفيهات من دون حدود».
أشارت الصحيفة إلى وجود أكثر من 7,000 جزيرة، كبيرة وصغيرة، في البحر الكاريبي (منها 12 دولة مستقلة). تتكلم 6 لغات رسمية: «إنجليزية، إسبانية، فرنسية، هولندية، برتغالية، إيطالية».
تمتد هذه الجزر من بهاما (الأقرب إلى الولايات المتحدة)، جنوبا إلى ترينداد (الأبعد، بالقرب من ساحل أميركا الجنوبية). أكبر هذه الجزر كوبا، وأصغرها سابا (5 أميال مربعة).
تقع جامايكا جنوب كوبا، وتساوي ربعها في المساحة. ويعني اسمها «أرض الغابات والماء» بلغة قبيلة أرواك، واحدة من قبائل الهنود الحمر التي كانت تسكن في جزر البحر الكاريبي.
وصل إلى جامايكا المكتشف كريستوفر كولومبس عام 1594 (بعد أن اكتشف، أولاً، جزيرة هايتي المجاورة). وهزم قبيلة أرواك، وضم جامايكا إلى الإمبراطورية الإسبانية. لكن، في القرن السابع عشر، انتصرت بريطانيا على إسبانيا، وآلت إلى بريطانيا بعض الجزر الإسبانية في البحر الكاريبي، منها جامايكا. وصار البريطانيون يستوردون الأفارقة لمزارع قصب السكر، والتبغ، والموز حتى عام 1962 عندما نالت جامايكا استقلالها.
لهذا، وبسبب 300 عام من الحكم البريطاني، تأثر الجامايكيون بالثقافة البريطانية، ويتكلمون اللغة الإنجليزية. لكن، خلال الأربعين عامًا الأخيرة (بسبب مقاطعة كوبا، الأقرب إلى الولايات المتحدة) غزا السياح الأميركيون جامايكا، وحولوها إلى ما يشبه ولاية أميركية.
يشاهد الذي يزور جامايكا اليوم قنوات تلفزيونية أميركية، تذيع الأخبار، وتنقل المباريات الرياضية، والمسلسلات التلفزيونية. وتندر جورج، مسؤول في منتجع «سيكرتز»: «لا توجد هنا تقسيمات عرقية أو إثنية، كلنا أفارقة. لكننا منقسمون إلى قسمين يكادان يعلنان حربًا أهلية: الذين يتكلمون باللكنة البريطانية (أكثرهم كبار في السن)، والذين يتكلمون باللكنة الأميركية (أكثرهم شبابًا)».
* عطلات مدفوعة الثمن مسبقًا All Inclusive Holidays:
حسب صحيفة «واشنطن بوست»، تتميز جامايكا عن بقية جزر البحر الكاريبي الأخرى بكثرة منتجعات «أوول انكلوسيف» (الدفع الشامل). هذه منطقة محددة، تواجه المحيط، ومسورة تسويرًا مشددًا. ويدفع السائح، مقدمًا، تكاليف غرفته وكل شيء آخر في المنتجع. ثم لا يدفع أي شيء عندما يأكل أو يشرب في أي مكان داخل المنتجع. ويشمل ذلك مختلف أنواع الرياضة: البرية، والبحرية، والجوية (طائرات التزحلق على الماء).
أشهر هذا النوع من المنتجعات في جامايكا هو «ساندلز» (يركز على الشباب)، و«هيودونيزم» (تعنى الكلمة: متعة من دون حدود، شبه إباحية). لكن، منتجع «سيكرتز» هذا يركز على العائلات، وكبار السن، والرحلات الجماعية، وحفلات الزواج.
قد يسأل كل سائل السؤال المتوقع: ما هو ضمان عدم دخول أي شخص آخر إلى المنتجع (خاصة لأن المنتجع على طرف مونتيغو، ثاني أكبر مدينة في جامايكا، بعد العاصمة كينغزتاون)؟
هذا جزء من حوار مع مسؤول عن الأمن:
س: ماذا إذا قفز شخص بالليل فوق السور؟
ج: سنقبض عليه.
س: ماذا لو جاء عن طريق البحر؟
ج: سنقبض عليه.
س: ماذا إذا جاء عن طريق البحر في منتصف الليل؟
ج: سنقبض عليه.
يعني هذا وجود حراسة مشددة حول المنتجع. ليس فقط لضمان عدم دخول شخص يأكل ويشرب مجانًا، ولكن، أيضا، لضمان أمن السياح داخل المنتجع.
* 10 مطاعم راقية
يتكون المنتجع من أكثر من 300 جناح، و10 مطاعم عالمية راقية، منها: «بوردو» (فرنسي)، «همستو» (ياباني)، «بورتوفينو» (إيطالي)، «لاهبانا» (كوبي)، «الباتيو» (إسباني)، «باراكودا» (جمايكي)، «راندفو» (أميركي)، «ويرلد كافي» (عالمي).
تشترط أكثر هذه المطاعم السابقة حجزًا مسبقًا، ملابس أنيقة، وهدوءًا شاملاً.
يبدو غريبًا أن كل هذه المطاعم ملتصقة مع بعضها البعض، في شكل قوس يمثل نصف دائرة. في الحقيقة، تلتقي كلها في نصف الدائرة الثاني، حيث تتشارك في مخازن الطعام والشراب، وفي جمع الفضلات.
عن هذا قال فرنسوا، مسؤول وكبير طباخي مطعم «بوردو» الفرنسي: «توجد معادلة اقتصادية مهمة. نشتري كل أنواع الأكل والشراب لكل المطاعم. ونخزنها في مخزن عملاق. وكل صباح، يذهب المسؤول عن كل مطعم إلى المخزن ليحصل على ما يريد».
وقال إنه لا يتنافس مع المطاعم الأخرى، لأنها، كلها، تخدم السياح «مجانًا».
وأنه، كل مساء، «وبالتأكيد»، تمتلئ هذه المطاعم بالسياح. وذلك حسب تقديرات مسبقة ربطت بين عدد نزلاء المنتجع وطاقات المطاعم العشرة. وتندر: «لا نقلق كل مساء إذا كان المطعم سيمتلئ أو لا. عكس المطعم الذي عملت فيه في باريس. كنا، أحيانًا، نقلق كثيرًا، ونكاد نخرج إلى الشارع ونتوسل للناس ليدخلوا المطعم». وقال إن المنتجع تعاقد معه لإدارة المطعم الفرنسي، وتعاقد مع طباخ إيطالي لإدارة المطعم الإيطالي، وياباني لإدارة المطعم الياباني، وهكذا...
* هل تربح؟
يتجادل طباخون عمالقة، وخبراء في الفندقة والطعام، حول ما قال فرنسوا عن الجدوى الاقتصادية لمنتجعات «أوول انكلوسيف» (الدفع الشامل).
مؤخرًا، كتبت عن الموضوع مجلة «يو إس نيوز»، وأشادت بالفكرة.
قالت: «أجرى خبراء نفسيون وسياحيون أبحاثًا أوضحت أن السائح يحس براحة بال وهدوء أعصاب أكثر عندما يدفع مقدمًا للغرفة والأكل والشراب والرياضة والنزهة. صحيح، يدفع أكثر من السائح الذي يدفع قيمة كل وجبة، وكل تدليك، وكل نزهة خارجية. لكنه لا يقلق مثله».
وقال جورج لوينشتاين، أستاذ علم النفس الاقتصادي في جامعة كارنغي ميلون، في بتسبيرغ (ولاية بنسلفانيا): «لا يحب الشخص أن يفتح محفظته كل نصف ساعة، ويدفع هنا وهناك. يهجم عليه إحساس بأنه على أبواب الإفلاس، حتى إذا كان غنيًا. لكنه يقدر على أن يغمض عينيه، ويدفع مبلغا كبيرا مقدما، ثم لا يفكر في ما دفع».
وأضاف: «يحيط بالشخص خوف دائم، فما بالك إذا كان خوف من إفلاس؟ تبدو هذه، مثل كل شيء في الحياة، مغامرة. ويأمل الشخص أن فوائدها ستكون أكثر من مساوئها. ويفضل، في هذه الحالة، صاعقة دفع مبلغ كبير، ثم راحة نفسية لأسبوع، أو أسبوعين».
وقارن بين هذا وبين شراء سيارة. هل تدفع مبلغًا كبيرًا لسيارة مجهزة بكل الكماليات والراحات مقابل 500 دولار إضافي؟ أو هل تدفع أقل، ثم تفكر (وتقلق) في المستقبل إذا تريد إضافة هذا أو ذاك؟
* نظرية سياحية
تحدث بروفيسور لوينشتاين عن نظرية اقتصادية اسمها «بروسبيكتيف اكاونتنغ» (محاسبة محتملة). وطبقها على السياح، وهي كالآتي:
أولا: تكسب الفنادق، أو وكالات السفر، من الدفع مقدما. لأن كل دولار مقدما في حسابهم في البنك يدر لهم ربحًا. ويمكن أن يكون هذا «راحة نفسية»، ليس فقط بسبب الربح المسبق، ولكن، أيضًا، بسبب الإحساس بالقدرة على الصرف، وعدم الخوف من إلغاء الرحلة.
ثانيًا: يخسر السائح الذي يدفع مقدمًا الربح الذي كان سيعود إلى حسابه في البنك إن لم يفعل ذلك. لكنه يكسب «راحة نفسية» بسبب إحساس بأن إجازته «مجانًا».
ثالثا: أثبتت أبحاث نفسية اقتصادية بأن أي شخص (هنا السائح) يقلق على ما سيصرف في المستقبل أكثر من قلقه على ما صرف في الماضي.
رابعا: يختلف الحال عند شراء سيارة، مثلا، بأقساط شهرية. يحس الشخص بأنه يظل يستمتع بالسيارة، ولا بأس من الدفع الشهري.
وأخيرًا، توجد في ملفات الدعاية لهذا المنتجع، وهى مرتبة ترتيبًا أنيقًا، قصاصات من تعليقات. واحد منها كتبته كريس ماكجينيز، كاتبة في مجلة «كونسيومر ريبورت» (تقرير المستهلك). بعد أن زارت منتجعات الدفع الشامل في البحر الكاريبي، وخصوصًا في جزيرة جامايكا، ونزلت في هذا المنتجع.
سألت: «أيهما أفضل؟ تعود إلى منزلك من إجازة «مجانًا»؟ أو تعود لتبدأ القلق عن كيف ستدفع تكاليف الإجازة؟».



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.