الاقتصاد التركي يسجل أول انكماش منذ 2009

تراجع تدفقات رأس المال الأجنبي.. والتوترات السياسية أهم الأسباب

الاقتصاد التركي يسجل أول انكماش منذ 2009
TT

الاقتصاد التركي يسجل أول انكماش منذ 2009

الاقتصاد التركي يسجل أول انكماش منذ 2009

حقق الاقتصاد التركي انكماشا يفوق التوقعات بنسبة بلغت 1.8 في المائة في الربع الثالث من العام الجاري، في أول انخفاض لمعدل النمو الاقتصادي منذ عام 2009، حيث تأثر إنفاق الأسر بتنامي المخاوف الأمنية.
وقال معهد الإحصاء التركي أمس الاثنين إنه انتهى من تعديل بيانات الناتج المحلي الإجمالي لتتفق مع معايير الاتحاد الأوروبي، وأضاف أن معدل النمو في النصف الأول من العام بلغ 4.5 في المائة، بينما سجل الناتج المحلي الإجمالي معدل نمو 2.2 في المائة في أول تسعة أشهر.
وأرجع نائب رئيس الوزراء التركي للشؤون الاقتصادية محمد شيمشيك انكماش الناتج المحلي إلى ضعف التجارة العالمية وتراجع التدفقات الرأسمالية إلى الأسواق الناشئة والتوترات السياسية في البلاد.
كما قال بولنت جيديكلي، أحد مستشاري الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للشؤون الاقتصادية، إن انكماش إجمالي الناتج المحلي في الربع الثالث لا يؤثر على التوقعات المستقبلية للاقتصاد التركي، مؤكدا أن الاقتصاد سيواصل النمو في الفترة المقبلة، ومضيفا أن تركيا ستتغلب على ذلك عن طريق الإصلاحات على ما وصفه بتبعات المضاربة والتلاعب في السوق.
وتراجعت الليرة التركية بشكل حاد خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، استمرارا لتراجع بشكل أقل بدأ بعد نحو شهر من محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) الماضي، لتسجل الليرة تراجعا وصل إلى 20 في المائة بفعل التوتر السياسي في البلاد وعوامل خارجية في مقدمتها قوة الدولار.
وانعكست تداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة والظروف العالمية على الاقتصاد التركي خلال الربع الثالث من العام الجاري في شكل انكماش للاقتصاد، الذي ظل يسجل نموا متواصلا دون انقطاع في السنوات الأخيرة.
وكان الاقتصاد التركي عانى انكماشا خلال الربع الثالث من عام الأزمة الاقتصادية العالمية في 2009.
وخلال الربع الأول من العام الجاري، حقق الاقتصاد التركي نموًا بلغ 2.3 في المائة، بينما ارتفعت هذه النسبة في الربع الثاني إلى 3.1 في المائة. وخلال العام السابق حقق الاقتصاد التركي نموًا بلغ 4 في المائة، لكن التوقعات تشير إلى أن هذه النسبة لن تزيد على 2.9 في المائة في نهاية العام الجاري.
وبالنسبة للربع الثالث من العام الجاري، توقعت البنوك التركية أن يشهد الاقتصاد التركي انكماشا بنسبة 1.4 في المائة، بينما توقع خبراء الاقتصاد المشاركون في استطلاع لشبكة بلومبيرغ توسّعا بنسبة 0.3 في المائة.
وكان لتراجع عائدات قطاع السياحة في تركيا تأثيرًا شديدًا على انكماش الاقتصاد التركي للمرة الأولى منذ 7 سنوات.
وأظهرت بيانات معهد الإحصاء التركي تراجعا سنويا في ناتج الصناعات التحويلية بنسبة 3.2 في المائة، وعن أهم المؤشرات الفرعية، فقد حققت تركيا 1.4 في المائة زيادة سنوية في قطاع الإنشاءات خلال الربع الثالث من العام و8.4 في المائة تراجعا سنويا في قطاع الخدمات و1.4 في المائة تراجعا سنويا في قطاع الصناعة و7.7 في المائة تراجعا في قطاع الزراعة و7 في المائة تراجعا في صادرات السلع والخدمات و3.2 في المائة تراجعا في النفقات الإجمالية للأسرة و4.3 في المائة زيادة سنوية في واردات السلع والخدمات.
في الوقت نفسه، أعلن البنك المركزي التركي أمس الاثنين أن العجز في ميزان المعاملات الجارية تراجع في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ليبلغ 1.675 مليار دولار.
وكان حجم العجز سجل في سبتمبر (أيلول) الماضي 1.684 مليار دولار. في حين بلغ 32.192 مليار دولار عام 2015.
كما سجل عجز الحساب الجاري 33.7 مليار دولار خلال شهر أكتوبر الماضي.
وفي الوقت نفسه، ارتفع حجم الناتج الصناعي التركي خلال شهر أكتوبر الماضي بنسبة 2 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب بيان معهد الإحصاء التركي.
وجاء قطاع الكهرباء والغاز والمكيفات في مقدمة القطاعات التي حققت ارتفاعا بزيادة وصلت إلى 7.5 في المائة، وفقا لتحليل المؤشرات الفرعية على أساس سنوي، وتلاه قطاع الصناعات التحويلية بزيادة وصلت إلى 1.7 في المائة، في حين ارتفع مؤشر قطاع التعدين واستغلال المحاجر بنسبة 0.4 في المائة.
ويعد الناتج الصناعي التركي مؤشرا حيويا للاقتصاد التركي، وينظر إليه على أنه مؤشر أولي لنمو إجمالي الناتج المحلي في البلاد الذي يسعى المسؤولون الأتراك إلى أن يتجاوز 5 في المائة سنويا.
في سياق مواز، زاد حجم التبادل التجاري بين إيران وتركيا خلال الفترة من 21 مارس (آذار) إلى 21 أكتوبر الماضيين بواقع أكثر من 80 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأوضحت أرقام رسمية أن إيران صدرت إلى تركيا خلال هذه الفترة 9.2 مليون طن من السلع غير النفطية بقيمة إجمالية تبلغ 3.2 مليار دولار، مسجلة بذلك ارتفاعا نسبته 316 في المائة عن 2015، وفي المقابل استوردت إيران من تركيا 987 ألف طن من السلع بقيمة 1.5 مليار دولار، ما يمثل انخفاضا بنسبة 16 في المائة.
وتضمنت الصادرات الإيرانية إلى تركيا النحاس والألمنيوم والفولاذ والزنك والمشتقات النفطية والغاز والبطيخ والفستق الحلبي، فيما شملت وارداتها منها الموز والحبوب والتبغ والآلات الصناعية والقطن والخشب والأدوية والورق.
وتتركز غالبية الصادرات الإيرانية لتركيا في قطاع الغاز الطبيعي حيث تستورد تركيا ما قيمته 20 مليار دولار من الغاز الإيراني سنويا. ويخطط البلدان لرفع قيمة التبادل التجاري بينهما إلى 30 مليار دولار.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.