يوسف مليطان.. حالة «داعشية» غامضة تجاوزت تأثيراتها ليبيا

أمام خلفية النزاعين السياسي والعسكري

عناصر من « انصار الشريعة» بايعوا داعش وانتقلوا الى سرت وسرعان ماخرجوا منها ايضا  («الشرق الاوسط»)
عناصر من « انصار الشريعة» بايعوا داعش وانتقلوا الى سرت وسرعان ماخرجوا منها ايضا («الشرق الاوسط»)
TT

يوسف مليطان.. حالة «داعشية» غامضة تجاوزت تأثيراتها ليبيا

عناصر من « انصار الشريعة» بايعوا داعش وانتقلوا الى سرت وسرعان ماخرجوا منها ايضا  («الشرق الاوسط»)
عناصر من « انصار الشريعة» بايعوا داعش وانتقلوا الى سرت وسرعان ماخرجوا منها ايضا («الشرق الاوسط»)

حكاية يوسف مليطان، الشخصية الليبية الداعشية المثيرة للجدل، برزت بين الدواعش ليس في ليبيا فقط، ولكن أيضًا في المركز الرئيسي للتنظيم في العراق والشام. وتوعد أربعة قادة جدد ممن جاؤوا من الخارج إلى ليبيا، أخيرًا، بالثأر له من مدينة مصراتة التي ينتمي إليها غالبية مقاتلي عملية «البنيان المرصوص» ضد داعش في سرت.
غير أن التنظيم الدموي في هذه المدينة الليبية تلقى ضربة أخرى بعد واقعة مقتل مليطان بيومين، حين وردت أنباء عن مقتل القيادي في داعش سرت، المدعو محمد غليو. ومن الملابسات ذات المغزى أن المحققين المتهورين ممن كانوا يستجوبون مليطان وهو يرتعش من البرد والخوف، سألوه عمن يعرف من القيادات الداعشية التي تنتمي لمصراتة وتقيم في سرت، فقال إن من بينهم غليو، وذكر أنه مصاب بطلقة رصاص في صدره، وأنه قد يكون قد فارق الحياة.
تعد واقعة مقتل غليو، وهو أيضًا في الثلاثينات من العمر، نقطة مهمة في مسيرة الليبيين للقضاء على داعش في هذه البلاد التي تعاني من الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011. فقد أسس غليو البؤرة الرئيسية لدواعش مصراتة، وانتقل بهم فيما بعد إلى سرت مصطحبا معه مليطان. وهناك أخذ على عاتقه مهمة استقبال الداعشي البحريني الأصل، تركي البنعلي، الذي تدور شكوك حول مقتله هو الآخر في هذه الأيام الأخيرة من معارك سرت.
أما مليطان فكان من بين شباب مصراتة المعجبين بلحية غليو ونظاراته الطبية وطريقته في تحدي كبار قادة مصراتة ممن يجنحون إلى التفاوض السياسي بدلا من الاحتراب وذلك منذ عام 2013. أي قبل سنة من ظهور داعش في ليبيا. كان مليطان وهو يدور في شوارع مصراتة يتوقف ليستمع إلى غليو وخطبه التي كان يلقيها هنا وهناك بألفاظ حادة ولهجة حماسية، فهو قيادي في «كتيبة الفاروق» التي كانت قد أعلنت ولاءها في ذلك الوقت لتنظيم «أنصار الشريعة» وقادتها الذين كانوا وقتها يتحكمون في مدينتي درنة وبنغازي بشرق ليبيا.
كانت ميليشيات مصراتة مشغولة في عامي 2013 و2014 بالنزاع السياسي حول حكم البلاد. وتخوض ضمن تحالف «فجر ليبيا» معارك طاحنة مع منافسين لها من ميليشيات مدينة الزنتان حول مطار طرابلس الدولي. وحين هدأت الأمور بعض الشيء أدرك بعض زعماء مصراتة أنه يمكن الاستفادة من كتيبة الفاروق في مواصلة الحرب في الشرق ضد الجيش الوطني الذي يقوده خليفة حفتر، وضد البرلمان الذي خسر فيه «تيار الإسلام السياسي» معظم مقاعده التي كان يستحوذ عليها في البرلمان السابق (المؤتمر الوطني).
يقول «أبو مسعود» وهو أحد قيادات فجر ليبيا التي حاربت في واقعة مطار طرابلس إن كتيبة الفاروق كانت تميل إلى التطرف منذ البداية. وحين بدأت محاولات استثمار الانتصار في حرب طرابلس سياسيا، رفضت ذلك. كان لدى قادتها، ومنهم مليطان وغليو، رغبة في مواصلة الحرب من أجل ما يؤمنون به، وهو تطبيق الشريعة الإسلامية من وجهة نظرهم. لهذا رأى البعض أن يتم استثمار هذا في الضغط على الجيش وعلى البرلمان. ولم يكن تنظيم داعش قد ظهر في سرت بعد.
ويضيف أنه باختصار جرى دمج كتيبة الفاروق في القوات التي كانت تحاول في أواخر 2014 وحتى بداية 2015، السيطرة على الحقول النفطية الموجودة في الشمال الأوسط من البلاد، أي إلى الشرق قليلاً من مدينة سرت. وكان البعض يرى أنه يمكن لكتيبة الفاروق أن تكون مصدر عون في الحرب التي يشنها تنظيم أنصار الشريعة في بنغازي ضد الجيش الوطني والبرلمان. كما كان بعض قادة مصراتة يسعون لترويض قادة الكتيبة. وعقدوا معهم، داخل معسكراتهم، اجتماعات، وألقوا عليهم محاضرات ودروسا دينية وغيرها.
وبعد محاولات فاشلة في السيطرة على الحقول النفطية شرقي سرت، تحولت الكتيبة إلى مصدر تهديد لمصراتة نفسها. وجرى طرد عناصرها الموجودة في مصراتة إلى مدينة سرت. وكانت أولى العمليات التي شاركت فيها قتل 12 من جنود الصاعقة التابعين للجيش في تلك المنطقة.
ويقول شهود كانوا على صلة بعدد من متطرفي ليبيا، إن مليطان وغليو انتقلا إلى سرت. وهناك جرى الإعلان عن أن المدينة أصبحت مركز داعش في ليبيا. ثم انقسمت كتيبة الفاروق إلى قسمين: قسم استمر على موالاة «أنصار الشريعة» دون أن يبايع داعش وهذا القسم انتقل إلى بنغازي. وقسم أصبح على صلة مباشرة بمركز قيادة داعش في العراق والشام، وهذا رسَّخ قدميه في المدينة وضم إليه كل عناصر «أنصار الشريعة» الذين بايعوا داعش، وبناء عليه جاؤوا من درنة وبنغازي وتونس ومصر وغيرها للإقامة في المركز الداعشي الجديد.
ومع منتصف العام الماضي أصبح داعش يسيطر على سرت بشكل كامل. وظهر مليطان في وسط المدينة بلحية طويلة ولقب جديد هو «أبو همام»، وفقًا لروايات مستقاة من شهود عيان فروا وقتها من سرت وأقاموا في بلدة أجدابيا الصحراوية ناحية الشرق. لكن الخلاف يتعلق بالدور الذي كان يقوم به الرجل. فالبعض شاهده في حلقات الدروس الدينية التي كان يلقيها البنعلي أثناء زياراته إلى سرت. والبعض يقول إنه أصبح في سرت من المقربين من غليو ومساعديه. ويقول بشير، أحد أبناء سرت ممن نزح مع أسرته وأصبح يقيم في أجدابيا: «أبو همام» لم يكن متفقها في الدين لكنه كان محبوبا وسط دواعش المدينة. أحيانا يؤم المصلين في المسجد. وأحيانا يقضي في النزاعات بين الناس، وأحيانا يصدر أحكاما بالإعدام. وأحيانا نسمعه في إذاعة سرت الداعشية يلقي الخطب الحماسية.
وحين دخل «المجلس الرئاسي» المنبثق من حوار الصخيرات لتولي زمام الحكم من طرابلس في نهاية مارس (آذار) الماضي، كان يبحث، على ما يبدو، عن عملية كبيرة يثبت بها وجوده. وكانت العملية التي جرى تجهيزها على عجل، هي محاربة داعش في سرت بداية من شهر مايو (أيار) الماضي. وأثناء التحضير للحرب تبين أن نفوذ كتيبة الفاروق لا يقتصر على سرت بل إن لها متعاطفين موجودين على رؤوس كتائب كانت متمركزة في معسكر الأبرار في بلدة تاورغاء المهجورة من السكان. وهي بلدة تقع على مشارف مصراتة.
وبداية من يوم 20 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بدأ نشاط كتيبة الفاروق (الفرع الداعشي) ينشط في داخل مصراتة نفسها، وأصبح هذا مصدر قلق كبير، ومصدرا للخلافات بين عدد من قادة المدينة التي تعد من المدن الثرية الواقعة على البحر المتوسط. وشوهد غليو ومعه مليطان وهما يتجولان فيها مع أحد قادتها الكبار. وكان هذا الأمر مثار غضب من جانب مسؤولين عسكريين في مصراتة، خصوصًا أن الكتيبة كانت قد حاصرت القاعدة الجوية في المدينة لمنع الطيارين من الإقلاع بالطائرات الحربية لقصف داعش في سرت.
ووفقًا لشهادة من مصدر عسكري، فإن دخول الرجلين إلى مصراتة التي يتساقط أبناؤها قتلى في الحرب ضد داعش سرت، كان أمرًا مستفزًا. وقال الرجل: «أبلغنا أحد القيادات القبلية التي كانت ترافق غليو ومليطان في ميناء مصراتة البحري في شهر أكتوبر، وقلنا له هل أنت لا تعلم أن الرجلين اللذين معك من قيادات داعش في سرت.. هل أنت لم تر خيام العزاء التي نصباها وسط مصراتة على قتلى قيادات داعش في العراق وسوريا؟». وكانت إجابة القيادي القبلي قوله: «إذا كانت لديكم كل هذه المعلومات عنهما فلماذا لم تلقوا القبض عليهما؟». ويضيف المصدر العسكري أن «غليو ومليطان اختفيا فجأة مرة أخرى من مصراتة وعادا للظهور لمواصلة الحرب ضدنا في سرت». ويشير إلى أن مليطان كان يبدو عليه المرض والهزال في تلك الأيام.
وينتمي مليطان إلى قرية صغيرة في منطقة قصر أحمد المطلة على ميناء مصراتة البحري. وكان قبل الانتفاضة المسلحة المدعومة من حلف شمال الأطلسي «الناتو»، التي أطاحت بحكم القذافي، يعمل موظفا بسيطا في شركة في المدينة. والتحق بالانتفاضة وشارك في محاربة القوات التي كانت تدعم القذافي. وبعد ذلك ظهر مع كتيبة الفاروق وانتقل معها إلى سرت. ويضيف أحد القيادات الأمنية في طرابلس حوله أنه يعد من قيادات الصف الثاني في داعش، وأنه ليس لديه الكثير من المعلومات كما يعتقد البعض ممن يقولون إن عملية قتله كانت لإخفاء علاقات متداخلة بين قادة من مصراتة وقادة من داعش. ويضيف أن أكبر دور لعبه مليطان خلال الشهور الثلاثة الماضية يتلخص في توريد المؤن.
ويشير مصدر آخر على صلة بقوات «البنيان المرصوص» إلى أن مليطان كان يورد للدواعش أسلحة وذخائر وسيارات من مصراتة، وكان صندوقا متحركا ممتلئا بالمعلومات الثمينة؛ ولذا فقتله دون استجواب خطأ كبير. وكان الرجل اختفى عن الأنظار بداية من منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ولم يظهر لا في سرت ولا في مصراتة، إلى أن بث مقاتلون مقطع فيديو على الإنترنت مطلع الشهر الحالي يظهر فيه مرتديًا بنطلونا وعاري الصدر وهزيلا وخائفا. كان مقيد اليدين والقدمين بين أيدي عناصر غاضبة مما فعله الدواعش من ذبح وتقتيل وسحل وصلب لأهالي سرت منذ التمركز فيها العام الماضي، بالإضافة إلى سقوط مئات القتلى من قوات «البينان المرصوص» خلال الشهور الأخيرة.
وسأله أحد المقاتلين «مَن على حق.. نحن أم أنتم؟» فأجاب: «يا شيخ عالجني فكريًا.. أنا أسير لديك يا شيخ.. راجعني فكريًا». ونهره مقاتل آخر وسأله: «من على حق؟ أجب». فقال مليطان: «أنا أرى أن بعضًا مما تقوم به تنظيم داعش على حق، مثل معاقبة شارب الخمر بالجلد وقطع يد السارق. وهناك أمور أخرى نختلف عليها. هات لي شيخ يقنعني ويراجعني فكريًا».
فقال له ثالث: «كلنا شيوخ». ثم سأله آخر: «قل لنا ما رأيك في قتل الناس وتصليبهم الذي تقوم به (داعش)؟ هل أنتم تقتلون الأسرى؟». فأجاب قائلا: «ما أعرفه من علوم شرعية أن الأسير يمكن أن يُقتل، ويمكن أن يُفدى، ويمكن أن يتم تبادله مع أسرى آخرين».
لا أحد يريد أن يكشف على وجه الدقة كيف جرى القبض على مليطان. ولكن تقول إحدى الروايات إنه خرج من بين أنقاض ضاحية الجيزة البحرية في مدينة سرت هو وزوجته وأطفاله، حيث سلموا أنفسهم إلى قوات «البنيان المرصوص». وتوضح رواية أخرى أن الرجل أصيب في قدميه أثناء الاشتباكات في ضاحية الجيزة، ومن ثم ألقت القوات القبض عليه. وتزيد رواية ثالثة أنه كان قد ترك سرت منذ منتصف الشهر الماضي واختبأ في بيته بقصر أحمد، إلى أن جرى القبض عليه واقتياده إلى سرت لكي يُقتل فيها في المكان نفسه الذي كان يقتل فيه الناس. ولقد جرى ضرب مليطان وتعذيبه قبل قتله بالسكين في ميدان الزعفران وسط سرت.
ويقول مصدر في قوات «البنيان المرصوص» إنه فتح تحقيقًا في الواقعة لمعرفة ما إذا كان القبض على الرجل وتعذيبه وقتله جرى بأيدي القوات التابعة للمجلس الرئاسي، أم أنها عملية انتقامية من ذوي ضحايا داعش. ويضيف أنه «يلقى القبض عليهم أو تسليم أنفسهم يقتادون إلى جهات التحقيق للاستفادة مما لديهم من معلومات تساعد في تخليص ليبيا من خطر التنظيم الدموي».
هذا، ويخشى قادة عسكريون من التكتيكات الجديدة لتنظيم داعش في ليبيا. ووفقًا لمصدر عسكري فقد انتقل عدة مئات من الدواعش من سرت إلى مناطق تقع على تخوم طرابلس من بينها منطقة الخُمس ومنطقة مسلاتة، مع ظهور قيادات جديدة يبدو أنها حلت محل القيادي السابق المعروف باسم «المدهوني» وهو ليبي يحمل جواز سفر عراقي منذ عام 2012، وكان على صلة مباشرة بمركز قيادة التنظيم في العراق والشام.
ويضيف مصدر عسكري أن «المدهوني» سافر إلى العراق قبل ثلاثة شهور ولم يرجع، بينما جرى رصد تحركات لأربع قيادات داعشية جديدة هم: لبناني يدعى «أبو طلحة»، وتونسي يلقب بـ«أبو حيدرة»، وصومالي اسمه «أبو إسحاق»، وليبي يلقب بـ«أبو مصعب».. وكان هذا الأخير يحارب في العراق تحت اسم «أبو حذيفة الليبي». ويشير المصدر إلى أن هؤلاء عقدوا اجتماعًا في منطقة النقازة القريبة من طرابلس، وبحثوا مستقبل التنظيم وإعادة انتشاره في ليبيا، وبدوا غاضبين من خسائر سرت ومن الطريقة التي جرى بها تصفية مليطان.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.