«داعش» في تدمر مجددًا وقوات النظام تفشل في وقف تقدّمه

خبراء يضعون المعركة بخانة «الدعاية السياسية» لمحاربة الإرهاب

«داعش» في تدمر مجددًا وقوات النظام تفشل في وقف تقدّمه
TT

«داعش» في تدمر مجددًا وقوات النظام تفشل في وقف تقدّمه

«داعش» في تدمر مجددًا وقوات النظام تفشل في وقف تقدّمه

لم تفلح كلّ التعزيزات العسكرية التي استقدمها النظام السوري والميليشيات الموالية له، بوقف تقدّم تنظيم داعش تدمر، حيث تمكّن مساء أمس من الوصول إلى أطراف المدينة وقصف منطقة القلعة بالقذائف والرشاشات الثقيلة، بعدما سيطر نهارًا على مواقع عسكرية استراتيجية في ريف المدينة، في وقت تحدثت معلومات عن تمكّن «داعش» من إسقاط طائرة حربية تابعة لقوات الأسد من نوع ميغ 23 في حقل شاعر للغاز بريف حمص، وفق ما أعلنت وكالة «أعماق» الناطقة باسم التنظيم.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن التنظيم «تمكن من التقدم والوصول إلى محيط مشفى تدمر بأطراف مدينة تدمر الشمالية الغربية بريف حمص الشرقي، عقب تقدمه وسيطرته على ضاحية العامرية شمال مدينة تدمر، وذلك بالتزامن مع سيطرته على جبل الطار القريب من قلعة تدمر غرب المدينة». ونقل المرصد عن ناشطين، أن التنظيم «استهدف قلعة تدمر بالقذائف ونيران الرشاشات الثقيلة، وسط معارك عنيفة دارت بينه وبين النظام والمسلحين الموالين له في حين سمع دوي انفجار شرق المدينة، تبين أنه ناجم عن عربة مفخخة فجّرها «داعش» في محور صوامع الحبوب - مطار تدمر.
وترافقت الاشتباكات مع غارات مكثفة على نقاط الاشتباكات ومواقع سيطرة التنظيم، كما استقدمت قوات الأسد المزيد من التعزيزات العسكرية إلى المنطقة، بغية وقف تقدمه ومحاولة استعادة ما خسرته. وأفاد مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية، بأن «كثيرا من المدنيين عالقون حاليا بين نيران المعارك في المدينة».
وشن تنظيم داعش، الخميس، سلسلة هجمات متزامنة ومباغتة على حقول للنفط والغاز في ريف حمص (وسط) الشرقي، وتمكن مقاتلوه إثر ذلك من التقدم والسيطرة على حواجز لقوات النظام السوري وتلال ومواقع عدة، وتمكنوا السبت من دخول المدينة من الجهة الشمالية الغربية.
واستقدمت قوات النظام الجمعة، وفق المرصد، تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، في محاولة لاستعادة المواقع التي خسرتها.
ويحتفظ «داعش» بسيطرته على مناطق في ريف حمص الشرقي. وغالبا ما يشن مقاتلوه هجمات على مواقع تابعة لقوات النظام، لكنها المرة الأولى التي يتمكنون فيها من السيطرة على مواقع قريبة من مدينة تدمر والتقدم داخلها.
وكان عبد الرحمن قال في وقت سابق إن مقاتلي «داعش» استغلوا انشغال الجيش السوري في حلب (شمال) حيث يحاول طرد فصائل المعارضة المسلحة من الأحياء التي لا يزالون يسيطرون عليها شرق المدينة.
وإذا كانت معركة تدمر الجديدة، مثيرة للاهتمام بظروفها وتوقيتها، لكونها تتزامن مع تقدم النظام في حلب، وتضييق الخناق على «داعش» في الباب والرقة، فإنها تطرح علامات استفهام حول خلفيات اتساع رقعة الحرب وتمددها إلى المناطق التي تعدّ عمقًا استراتيجيًا للنظام، فقد اعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي العميد أحمد رحال، أن «ما يحصل في تدمر، هو تبادل مصالح». وأوضح، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «عندما شعر النظام وروسيا بضغط دولي، واتهام مباشر من المجتمع الدولي بأن الحرب التي زعم الروس شنّها على الإرهاب غير صحيحة، بدأوا يحركون (داعش) ليقولوا نحن نحارب الإرهاب». ولفت إلى أن «التنظيم الذي يخسر في الموصل وفي شمال سوريا، وتم تدمير أسطوله النفطي، بات بحاجة إلى مقدرات عسكرية ومادية لينطلق مرة أخرى». وقال: «اللعبة باتت مكشوفة، النظام يحصل على شعارات، و(داعش) يحصل على مقدرات».
وكان النظام السوري وحلفاؤه تمكنوا خلال شهر مارس (آذار) من العام الماضي من طرد تنظيم داعش من مدينة تدمر الأثرية، بغطاء جوي من الطائرات الروسية، وقد سارعت موسكو إلى إرسال خبراء روس لنزع الألغام التي زرعها التنظيم، والمباشرة في إصلاح وترميم الآثار التي تضررت.
من جهته، رأى الخبير في شؤون الحركات الإسلامية عبد الجليل سعيد، أن «تنظيم داعش يجيد لعبة خلط الأوراق، ويعرف كيف يستثمر في الخاصرة الرخوة، لذلك هو استغلّ نشوة النظام وتقدمه في حلب، ليعيد تمدده إلى مناطق كان يحكمها سابقًا». وكشف سعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن أن التنظيم «يتصارع مع النظام في بعض المناطق، لكن مصالحهما تتقاطع في أماكن كثيرة، وليس خافيًا على أحد أن رئيس الاستخبارات العسكرية في السويداء العميد وفيق ناصر، هو من يتولى بيع نفط (داعش) ويتشارك معه في بيع الآثار السورية».
وبات واضحًا أن محاربة هذا التنظيم المتشدد ليست في أولويات بشار الأسد وحلفائه، لأنهم يستعجلون التخلص من المعارضة المعتدلة، برأي العميد أحمد رحال الذي تساءل: «ما دام الروس لديهم منظومة رصد متطورة في أجواء سوريا، وهي عبارة عن أربعة أقمار اصطناعية، وطائرات مراقبة ورادارات، كيف تستطيع هذه المنظومة أن تضبط علبة الحليب التي تدخل إلى ريف دمشق، وسلّة الغذاء التي تدخل إلى حلب، ولم تشاهد الأرتال العسكرية لـ(داعش) في صحراء قاحلة ومكشوفة؟ وكيف وصلت هذه الأرتال العسكرية إلى مداخل مدينة تدمر ولم تقصفها الطائرات الروسية؟». وقال: «نحن أمام لعبة مكشوفة، ودعاية كاذبة»، معتبرًا أن «نظام الأسد الذي تقصفه إسرائيل بشكل شبه دوري، ما زال يحتفظ بحق الرد عليها منذ 40 عامًا، وعندما يهاجمه (داعش) يقوم بدور دفاعي، بينما حربه على المدنيين والمعارضة المعتدلة لا تتوقف ولو لساعة واحدة».
ولم تكن تطورات تدمر إلا تبادل أدوار، بين قوات الأسد والتنظيم المتطرف، وفق الخبير في الحركات الإسلامية عبد الجليل سعيد، الذي أكد «عدم وجود جدية في محاربة (داعش) سواء من النظام أو الروس أو حتى التحالف الدولي، وخصوصا أن مقاتلي هذا التنظيم يتحركون بحرية في الأراضي الشاسعة التي تقع تحت مراقبة طيران كل هذه الدول التي ترفع لواء محاربة الإرهاب».
بدوره، أعلن النظام السوري أن قواته كبدت التنظيم خسائر بشرية، وعرضت مواقع قريبة منه جثثًا لـ8 عناصر من تنظيم داعش، قالت إنهم قتلوا خلال المعارك الجارية قرب مدينة تدمر بريف حمص الشرقي.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.