دخول «تاريخي» لأربع نائبات محجبات إلى البرلمان ينهي حظر أتاتورك

شهدت تركيا أمس حدثا تاريخيا، تمثل في دخول أربع نائبات من حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى البرلمان وهن محجبات، في خرق لحظر فرضته الحكومة التركية العلمانية منذ تأسيس الجمهورية في عام 1923 على يد مصطفى كمال باشا، المعروف بـ«أتاتورك» أو أبو الأتراك، الذي ألغى الخلافة العثمانية وغير الأبجدية التركية إلى الحرف اللاتيني، وفرض علمانية متشددة بدأت في التصدع بعد عام 2000 عند وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم.
وخلافا لحادثة كانت ضحيتها نائبة من حزب الفضيلة الإسلامي دخلت البرلمان محجبة وتعرضت لحملة تنديد واستهجان من زملائها، فإن النائبات التركيات الأربع، اللواتي أدين فريضة الحج هذا العام وعدن محجبات استعدادا لخرق الحظر، قوبلن بالتصفيق من نواب حزبهن الذي يسيطر على أكثر من نصف مقاعد البرلمان خلافا لعام 1999 عندما كان الإسلاميون أقلية مضطهدة في البرلمان والدولة. وقد دفعت النائبة مروة قاوقجي آنذاك نيابتها ثمنا لكونها تجرأت على دخول البرلمان، إذ رفض القيمون على البرلمان السماح لها بأداء اليمين، قبل أن تنزع جنسيتها استنادا إلى قانون غير مطبق يمنع ازدواجية الجنسية، لأنها تحمل الجنسية الأميركية.
ويعتبر دخول المحجبات البرلمان أول تطبيق عملي لحزمة الإصلاحات الديمقراطية التي أعلن عنها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي، كما يعد انتصارا جديدا للحزب ذي الميول الاسمية المحافظة في صراعه مع «الدولة العميقة» التي لا تزال بعض آثارها قائمة في تركيا على الرغم من نجاح «العدالة والتنمية» في تقليم أظافر الجيش والمؤسسة القضائية، وهما السلاحان الأمضى لمعارضي الإسلاميين، حيث تم إسقاط العديد من الحكومات الديمقراطية المنتخبة بواسطة الانقلابات العسكرية، وحظر العديد من الأحزاب الإسلامية، ومنها الفضيلة، الذي كانت تنتمي إليه قاوقجي بقرارات قضائية.
ومر دخول المحجبات البرلمان بهدوء عكرته اعتراضات حزب الشعب الجمهوري، فيما كان حزب الحركة القومية المعارض أقل تحفظا، وذهب حزب السلام والديمقراطية الكردي المعارض إلى الترحيب بدخول النائبات المحجبات. وقالت النائبة كولاي صامنجي، لـ«الشرق الأوسط»، إن قرار الحجاب كان يراودها دائما، وإنها عندما وجدت الأجواء ملائمة قررت مع زميلاتها خرق الحظر، ولم تجد أفضل من أن يكون حجابها بعد الحج. وقالت صامنجي إن حجابها الذي ارتدته في الحج لم تنزعه منذ ذلك الحين، وهي مستعدة للدفاع عنه باعتباره «حرية شخصية وشعيرة دينية». وأضافت «نحن بلد مسلم، وعبثا يحاولون إبعادنا عن أصالتنا وتقاليدنا». وقالت إنها كانت تتمنى لو أن مروة قاوقجي كانت معهن في هذه الجلسة «لترى ما أصبحت عليه تركيا من تقدم وانفتاح وتقبل للآخر»، نافية بشدة أن يكون حزبها يعمل على تدمير أسس العلمانية التي لا تزال أساسية في الدستور، مضيفة «نحن نقول للأجيال القادمة هذه تركيا التي نريد أن نحيا فيها جميعا، من دون أن نخشى التعبير عن رأينا وممارسة ما نعتقده صوابا.. إنه خيار شخصي وعلى الجميع احترامه».
ورحب نائب رئيس الوزراء بولنت ارينتش بالوضع. وقال أمام النواب «انتظرنا بصبر أن تتعزز الديمقراطية» في تركيا، معربا عن ارتياحه لحدوث «تغيير في العقليات» في تركيا.
وقد أدت النائبات المحجبات اللواتي ينتمين إلى حزب العدالة والتنمية وحضرن الخميس إلى قاعة البرلمان، أخيرا، مناسك الحج في مكة المكرمة وقررن بعد ذلك ارتداء الحجاب للمرة الأولى في حياتهن. وقالت إحداهن، وهي غونول بيكين شاه كولوبي، في تصريح نقلته الصحف «أتوقع من الجميع أن يحترموا قراري. إن الحجاب مسألة بين المؤمن وربه».
وانتقد نائب رئيس مجموعة حزب الشعب الجمهوري البرلمانية، محرم انجي، بشراسة النواب المحجبات، وتعهد بالعمل على منع حزب العدالة والتنمية الحاكم من استخدام هذه القضية باعتبارها مسألة سياسة. وانتقد أنجي النائبات المحجبات اللواتي لم يدافعن عن قضايا المرأة في البرلمان. وقال «إنهن لم يقفن ولا مرة واحدة مع السيدة ذات الثوب الأحمر (التي انتشرت صورتها وهي تقف في وجه رجال الشرطة الذين يطلقون الغاز على المتظاهرين المناوئين للحكومة في حديقة جيزي في يونيو/ حزيران، الماضي)، قبل أن يردف «ولم يقفن مع المذيعة التي طردت من عملها بسبب ملابسها (في التلفزيون الرسمي لارتدائها ثوبا مفتوح الصدر بشكل كبير بعد أن انتقدها المتحدث باسم الحكومة حسين تشيليك)». واعتبر انجي أثناء جلسة تلت وصول النائبات المحجبات أن «السلطة لا تتذكر الدين إلا عندما تلوح انتخابات في الأفق».
أما انجين التان، العضو أيضا في الحزب الجمهوري للشعب، فقد تساءل من جهته «عما سنفعله إن حضرت نائبات إلى القاعة بالبرقع».
وفي المقابل، أعربت النائبة عن حزب السلام والديمقراطية بيرفين بولدان عن دعمها للنائبات المحجبات، ودافعت عن حقهن في دخول البرلمان محجبات. أما نائبة رئيس حزب الحركة القومية روهشار ديميريل فقد رأت أن «اليوم (أمس) كان يوما عاديا في البرلمان»، مشددة على أن حزبها يرفض «الحكم على الناس من خلال ما يرتدونه». وأعربت النائبة من حزب العدالة والتنمية عن اسطنبول بيلما ساتير عن سعادتها بما حصل، قائلة إن الجميع كان ينتظر هذه البيئة الإيجابية. وأضافت «لقد أنهينا واحدا من المحظورات في تركيا، وكان يجب أن نفعل ما هو ضروري وفقا للدستور بخصوص تركيا الديمقراطية والعلمانية».
ويرى الصحافي جيم كوجود من صحيفة «يني شفق» أن الحزمة الديمقراطية التي أعدها «العدالة والتنمية» سمحت وأطلقت العنان لمن تريد أن تطبق عقائد وشرائع دينها، وبقي الحظر على المدعي العام والحكام في المحاكم. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الحزمة «رفعت عن تركيا عيبا كان يمارس منذ عشرات السنين، ولهذا يجب أن يشكر من قام بإعداد هذه الحزمة لأنها بالفعل جزء مهم من الديمقراطية التي نريد أن نراها في تركيا، أي ديمقراطية حقيقية».
أما أفق الككايا، الكاتب والمحلل السياسي المعارض، فقد رأى أن حزب العدالة والتنمية يحاول «استغفال الشارع التركي تحت ذريعة أن الحجاب هو واجب ديني وعلى هذا الأساس يقوم باستصدار القوانين». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لو أخذنا الأديان مصدرا للقوانين فإنه سيخرج علينا أحد غدا ويقول إنه ينتمي إلى دين فلان وسيلبس ما تأمره بك معتقداته، وبهذا سيكون البرلمان والدوائر الحكومية موزاييك من الملابس الدينية، أو يخرج أحد ويلبس الملابس الفلكلورية». واعتبر أن الهدف الحقيقي من وراء هذه الخطوات ليس إلا هدم أهم أساس من أسس الجمهورية العلمانية التي وضعها كمال أتاتورك، وإرجاع تركيا إلى فترة العصور الوسطى التي كان فيها الرهبان ورجال الدين هم الحكام في البلاد. وأشار إلى أن حزب العدالة والتنمية أبقى على ورقة الحجاب مدة 11 عاما من دون أن يقوم بشيء حيالها، ولكن اليوم عندما لم تبق لديه أي أوراق رابحة أراد أن يستغل ورقة الحجاب في الانتخابات المحلية المقبلة».