«التكُل».. مذاق وروح السودان بالقاهرة

مأكولات تراثية وشرقية على أنغام مطربين سودانيين

تجربة سودانية في قلب القاهرة
تجربة سودانية في قلب القاهرة
TT

«التكُل».. مذاق وروح السودان بالقاهرة

تجربة سودانية في قلب القاهرة
تجربة سودانية في قلب القاهرة

في حي عابدين العريق بوسط القاهرة، حيث يقطن عدد كبير من أبناء الجالية السودانية وأبناء النوبة، وتحديدا في شارع محمد فريد، تستوقفك لافتة مطعم «التكُل» الذي أصبح ملتقى أبناء الجالية القدامى والجدد وزوار مصر من السودان.
للوهلة الأولى ستظنه مركزا ثقافيا فنيا، حيث يجتمع أمامه الشباب السوداني من الجنسين، إلى جانب وجود ملصقات تعلن عن حفلات فنية غنائية، وعلى باب المطعم الزجاجي ملصق كتب عليه عبارة «حبابكم عشرة» تعكس حالة الحميمية التي يمتاز بها المكان. عند دخولك المطعم سوف تشعر بأريحية شديدة فالديكورات بسيطة وتحمل عبق السودان وتراثه الثقافي، وتحمل أركان المطعم صورا لأشهر الشخصيات والفنانين السودانيين. تستقبلك روائح التوابل السودانية الشهية المنبعثة من المطبخ التي ستجعلك في حاجة إلى تجربة ما تحويه قائمة الطعام المتنوعة.
يقول طه عبد الرحمن، مدير المطعم، لـ«الشرق الأوسط»: «(التكل) تعني بالسودانية المطبخ التراثي السوداني الذي كانت تستخدم فيه أدوات معينة بدلا من الموقد الحالي والثلاجة. وجاء اختيارنا للاسم انطلاقا من هدفنا في تقديم الأكل السوداني التقليدي للمصريين كما للسودانيين، بدأنا منذ نحو عام ونصف العام، وسرعان ما عرف المطعم بين أفراد الجالية السودانية وأصدقائهم».
ويضيف: «يعتمد المطبخ السوداني على اللحوم بمختلف أنواعها، وقد بدأنا بالأكلات التقليدية المحببة مثل العصيدة والتقلية والبامية المفروكة والمسقعة والفتة سواء الضاني أو فتة العدس، لذا يجد المصريون مذاق الأكل السوداني محببا إليهم لقربه من المطبخ المصري».
بالنسبة إلى من لم يستمتع بتجربة الأكلات السودانية من قبل فقد يصاب بالحيرة عند الاختيار من قائمة الطعام، فرغم كونها صغيرة فإنها تحمل أطباقا شهية، وننصح بتجربة أصناف فتة حساء العدس بشرائح الكبدة، والسمك المقلي المتبل، ولحم النيفة بالتتبيلة السودانية، والكوارع، والقراصة والتقلية، إلى جانب أصناف المحاشي والسلاطات، وجميعها مذاقها لذيذ وجذاب، ويتشابه مع كثير من الأطباق العربية مثل المصري واللبناني والخليجي.
يقدم المطعم وجبات الإفطار والغداء والعشاء، إلى جانب الحلويات السودانية الشرقية مثل المديدة واللقيمات والمشروبات السودانية الشهيرة مثل قهوة الجبنة، والعرديب، والتبلدي، والكركديه.
إلى جانب قائمة الطعام الشهية، يقدم المطعم لزبائنه أكلات سودانية خاصة وفقا للطلب، منها: «كبد الإبل»، ويأكلونها نيئة دون طهو، مضافة إليها شرائح البصل والليمون وكثير من الشطة مع مسحوق الفول السوداني والمعروف في المطبخ السوداني باسم «الدكوة».
«التكل» أكثر من مجرد مطعم، فهو بمثابة بيت العائلة للجالية السودانية بالقاهرة، بل أصبح أيضا قبلة وبؤرة تجمع الطلاب الأفارقة، فضلا عن عشاق الأكل السوداني من المصريين. كما أن موقعه القريب من ميدان عابدين المواجه للقصر الملكي التاريخي، حيث تصل الحافلة التي تقل أفراد الجالية السودانية من وإلى القاهرة جعله المطعم المفضل لهم. ومع لفته للأنظار في وسط القاهرة بدأ «التكل» يتلقى طلبات توصيل للمنازل، حيث ترغب بعض الأسر السودانية الكبيرة التي تقطن بعيدا عن وسط القاهرة. والرائع في «التكُل» أنه يقوم بدور مركز ثقافي سوداني، حيث يقيم المطعم من حين لآخر سهرات سودانية يحييها مطربون ومطربات سودانيون، مما يجعل تناول العشاء فيه تجربة مميزة لها سحرها الخاص.



المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».