عباس.. ومعركة الخلافة

انتخابات فتحاوية وأخرى في المنظمة من أجل تجهيز الرئيس الفلسطيني الجديد

عباس.. ومعركة الخلافة
TT

عباس.. ومعركة الخلافة

عباس.. ومعركة الخلافة

لم يصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مؤتمر فتح السابع الذي أنهى أعماله هذا الأسبوع بـ«الجهاد الأصغر»، عن عبث أو انفعال لحظي، إذ كان مجرد انعقاده في هذا الوقت بمثابة خوض معركة متعددة الجبهات، أما نجاحه فيمثل بالنسبة لعباس اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد. والأهم أن ذلك كله يؤسس لمرحلة جديدة من شأنها قريبًا أن ترسم ملامح شخصية الرئيس القادم، وتسمح بانتقال سلس للسلطة، إذا ما عرفنا أن الانتخابات الفتحاوية التي جاءت بلجنة مركزية جديدة، سبقت انتخابات أخرى مرتقبة في منظمة التحرير الفلسطينية، من أجل ترسيم لجنة تنفيذية جديدة. ووفق منطق فتحاوي خالص، فإن أي رئيس قادم، بالضرورة يجب أن يكون عضوًا في لجنة مركزية فتح وعضوًا في تنفيذية منظمة التحرير.
بدأت القصة قبل سنوات، عندما أدرك معاونو الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ومساعدوه ورفاقه في حركة فتح كذلك ضرورة اختيار نائب للرئيس، وذلك خشية من فوضى محتملة إذا ما تدخلت على الأقل يد أعلى من الجميع، فغيبت عباس عن المشهد دون سابق إنذار، ودون أن تمنح أحدًا أي وقت، ودون أن يكون له نائب. وهذا وضع قد يفتح الباب على صراعات داخلية في فتح عنوانها، «مَن سنختار؟» وصراعات سياسية مع دول عربية وإسرائيل والولايات المتحدة (من يجب أن يكون؟) وقانونية مع حماس، إذ يقول الدستور الفلسطيني إن رئيس المجلس التشريعي هو الذي يشغل منصب رئيس السلطة في حال شغوره لحين إجراء انتخابات، وهذا الرئيس (رئيس التشريعي) اليوم هو الدكتور عزيز الدويك، الذي ينتمي للحركة الإسلامية، وترفض فتح أصلاً الاعتراف بمنصبه هذا.
ومع أن مسؤولين في فتح نفسها تنبهوا جيدًا لكل هذه المخاطر، ودفعوا نحو تعيين نائب للرئيس، لكن عباس نفسه لم ينشغل بالأمر ولم يكن على عجلة من أمره قطّ إلا الآن، فسعى فورًا إلى عقد انتخابات فتح على أن تتلوها انتخابات أخرى للمنظمة.

تعقيدات المسألة
لسنوات طويلة لم يجرؤ أحد على طرح الموضوع بكل الجدية المطلوبة لاستحداث منصب نائب الرئيس، على أهميته، بسبب أبعاد «أخلاقية»، لها علاقة بوراثة عباس الذي يتمتع بصحة جيدة، وأبعاد «قانونية»، باعتبار الدستور الأساسي للسلطة لا يتضمن منصبًا لنائب الرئيس، وأبعاد «سياسية»، معقدة، بأن الأمر ليس حكرًا على حركة فتح وحسب، وإنما بقية الفلسطينيين كلهم، وكما يعتقد كثيرون، أيادٍ أخرى في المنطقة وخارجها.
وقبل انعقاد مؤتمر فتح الحالي، نشرت «الشرق الأوسط» عن مسؤول في الحركة أن الرئيس يسعى الآن لترتيب البيت الداخلي، عبر عقد المؤتمر السابع للحركة، لاختيار رئيس للحركة ونائبه، وأعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري. يعقبه عقد المجلس الوطني الفلسطيني لاختيار لجنة تنفيذية جديدة على أن بحث الوطني استحداث منصب نائب لرئيس السلطة». ويحتاج استحداث المنصب إلى تعديلات في القانون الأساسي. وهذا رهن بانعقاد المجلس التشريعي، لكن كونه معطلاً، فالمجلس المركزي سيكون صاحب القرار. وفي مرات سابقة، في قضايا مفصلية، قرر المجلس المركزي لمنظمة التحرير تمديد ولاية أبو مازن نفسه إضافة إلى ولاية التشريعي، باعتبار المنظمة مرجعية السلطة برمتها.
لكن هذا السيناريو، متوقع أن يلاقي منذ الآن معارضة كبيرة من حركة حماس. وقال نايف الرجوب النائب في حركة حماس، إن الرئيس الفلسطيني القادم بعد رحيل محمود عباس هو عزيز الدويك بصفته رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، كما نص عليه القانون في السلطة الفلسطينية. وينص القانون الأساسي على أن يتولى رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة الفلسطينية لمدة 60 يوما لحين إجراء انتخابات رئاسية في حال شغور كرسي الرئاسية لأي سبب طارئ.
لكن فتح لا تعترف بدويك الآن رئيسًا للمجلس التشريعي وتعد ولايته منتهية، وتقول إنه يجب عقد المجلس التشريعي بقرار رئاسي ومن ثم يتم انتخاب رئاسة المجلس خلال الجلسة الأولى. وهذا الخلاف القانوني جزء من خلافات أخرى أوسع بين حماس وفتح تمنع حتى إجراء انتخابات عامة.
وقبل أعوام قليلة فشلت لجنة قانونية شكَّلها الرئيس عباس بالوصول إلى خلاصة حول إمكانية استحداث منصب نائب للرئيس بسبب التعقيدات القانونية والسياسية. وكل هذه التعقيدات ساعدت على تجنب لحظة المواجهة، إلى جانب تعقيدات محتملة أكبر، تتجلى في صعوبة الاختيار نفسه، وتدخلات مفترضة من الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية.
لكن لماذا استعجل عباس الآن على الرغم من أن صحته على ما يرام؟

نقطة التحول
نقطة التحول كانت في تدخلات إقليمية ضغطت على عباس بشكل غير مسبوق من أجل مصالحة مع العدو اللدود محمد دحلان.
لقد كان المنطق العربي مستندًا إلى تحقيق مصالحة فتحاوية داخلية من شأنها أن تقوي فتح، ومن ثم مصالحة مع حماس يتلوها انتخابات عامة لطي صفحة الانقسام. وفيما يبدو هذا المنطق معقولاً إلى حد كبير لكنه أثار غضب عباس بشكل كبير أيضًا، إذ لم يرد الرجل بأي شكل من الأشكال ولم ينوِ ولا يفكر بإعطاء دحلان أي موطئ قدم، فقرر الرد بطريقته الخاصة، وهي إخراج دحلان والمحسوبين عليه، خارج فتح إلى الأبد، وانتخاب قيادة جديدة تأتي بالنائب المرتقب.
ولم يخفِ محمود العالول، الذي انتخب مجددًا في مركزية حركة فتح، الاستياء الفتحاوي من التدخل العربي. قائلا لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه: «لم نتوقع هذه الضغوط العربية. الموضوع هامشي بالنسبة لنا، وتم تسليط الضوء عليه بشكل مكثف. كان يوجد قضايا أكثر أهمية بكثير». ويرى العالول أن الدول العربية التي ضغطت من أجل إعادة دحلان لم تقرأ الواقع بشكل جيد، مشيرًا إلى الحساسية المفرطة لدى فتح من تدخلات خارجية تصل إلى حد الإملاءات.
أما لماذا دحلان مرفوض إلى هذا الحد، فقال إن ذلك عائد لقرار أصدرته الحركة ولن تتراجع عنه، مثيرًا كثيرًا من الأسئلة حول لماذا الإصرار على دحلان الذي وصفه بـ«متبنى من أطراف مختلفة». ولا يعتقد العالول أنه يمكن في أي وقت إعادة دحلان، مؤكدًا: «سيبقى هذا الموضوع خلفنا».
لكن ليس التدخل العربي وحده السبب، لقد كان دافعًا من أجل تلبية ما طلبوه لكن بطريقة عباسية، أي ترتيب البيت وفق منطق فتحاوي. وأكد العالول أن الانتخابات استهدفت ترتيب البيت الداخلي عبر إيجاد قيادة مؤهلة من أجل التحديات المختلفة.
ويمكن القول إن عباس أخذ الخطوة الأولى فقط في طريق ترتيب البيت، وهو ما أطلق عليه بنفسه «الجهاد الأصغر» بعد انتخاب قيادة جديدة في فتح، ويبدو أن الجهاد الأكبر سيكون في انتخاب نائب لعباس في فتح ومن ثم إجراء انتخابات في منظمة التحرير واختيار نائب له في السلطة.
ويرى مراقبون أن اختيار نائب الرئيس داخل حركة فتح، وأمين سر منظمة التحرير، سيحدد إلى حد بعيد الاسم المقترح الذي يؤمن به عباس لخلافته. وتبدو هذه معركة ثانية صعبة داخل الحركة التي تحكم الشأن الفلسطيني من عقود طويلة.

الخليفة المنتظر.. أسير أم طليق؟
قبل اختيار قيادة جديدة لفتح، كان يمكن التنبؤ بأسماء كثيرة، بعضها جاء من جهات عربية، مثل محمد دحلان، وناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية للحركة. لكن هذه الاقتراحات لم تلقَ قبولاً عند «أبو مازن». كما كانت تطرح أسماء أخرى من بينها عضو مركزية فتح المعتقل في السجون الإسرائيلية مروان البرغوثي، ومسؤول المخابرات الفلسطيني ماجد فرج، وعضو اللجنة المركزية لفتح جبريل الرجوب، وأمين سر منظمة التحرير صائب عريقات، وآخرون. لكن مع إظهار نتائج مؤتمر فتح السابع، تعززت فرص البرغوثي والرجوب أكثر.
وصوت الفتحاويين في هذا المؤتمر للأسير المعتقل في السجون الإسرائيلية مروان البرغوثي على رأس منتخبي اللجنة المركزية الجديدة، بعدما حصل على 930 صوتًا من أصل نحو 1100 صوت، في استفتاء على الحضور الذي يحظى به البرغوثي داخل حركة فتح.
وفي مؤشر مهم أبدى عباس سعادته بتقدم البرغوثي في اتصال هاتفي أجراه مع زوجته فدوى مبلغًا إياها بالنتيجة التي وصفها بدليل على وفاء الحركة. وقالت البرغوثي التي حصدت كذلك أعلى الأصوات في انتخابات المجلس الثوري لفتح، إن عباس كان أول من أبلغها بتقدم زوجها على الجميع.
واعتقل الجيش الإسرائيلي، البرغوثي (57 سنة) في العام 2002، بتهمة قيادة الانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2000، وحُكم عليه بالسجن المؤبد أربع مرات، إضافة إلى 40 سنة. ويطلق الإسرائيليون على البرغوثي «عرفات الصغير»، في إشارة إلى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكانوا يعدونه ذراع عرفات اليمنى في توجيه الانتفاضة.
ويرى مناصرو البرغوثي الذين يصفونه بأنه «مانديلا فلسطين»، أنه الأحق بخلافة عباس وكانوا يرون أصلاً أنه الأحق بخلافة عرفات نفسه. وكان البرغوثي رشح نفسه في مواجهة عباس في الانتخابات التي جرت في 2005 لكنه انسحب تحت ضغوط كبيرة وتحذيرات من شَق الحركة.
ويراهن تيار البرغوثي على أن انتخابه نائبًا لعباس في هذه المرحلة، سيسهم في الضغط على إسرائيل للإفراج عنه. لكنّ هناك أيضًا مسؤولين في فتح كبارًا لا يجاهرون برأيهم، يعتقدون أن تهيئة الأجواء لتسلم البرغوثي الرئاسة وهو في سجنه مسألة غير عملية، وليست ممكنة.
وتلا البرغوثي في تقدم قائمة المنتخبين جبريل الرجوب، مؤسس جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية، ورئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. وحصل الرجوب على 878 صوتًا. والرجوب يعد أحد «صقور» الحركة، والأسماء المرشحة بقوة في فتح ليصبح نائبا لعباس، وهو بخلاف آخرين في اللجنة المركزية العدو اللدود للقيادي المفصول من فتح، محمد دحلان، الذي طوى المؤتمر بشكل مؤقت صفحته، على الرغم من تدخلات عربية من أجل إعادته.
وعاد إلى «المركزية» كذلك، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الدكتور صائب عريقات، والمفاوض السابق والاقتصادي محمد اشتية، ومسؤول الشؤون المدنية حسين الشيخ، ومسؤول العضوية جمال محيسن، ومفوض التعبئة والتنظيم محمود العالول، ورئيس جهاز المخابرات السابق توفيق الطيراوي، ومسؤول ملف المصالحة، عزام الأحمد، وابن شقيقة عرفات المندوب السابق لدى الأمم المتحدة، ناصر القدوة، والمسؤول عن التواصل مع المجتمع الإسرائيلي محمد المدني، ومسؤول العلاقات الدولية عباس زكي.
ويمكن القول إن جميعهم ينتمون لتيار عباس باستثناء الطيراوي والقدوة، فثمة من يروّج أنهما على خلاف معه.
في المقابل، دخل إلى «المركزية» لأول مرة الوجوه الجديدة: وزير التربية والتعليم صبري صيدم، وهو ابن «أبو صبري» صيدم عضو المركزية الذي قضى في الستينات، ومستشار عباس العسكري الحاج إسماعيل جبر، والقيادي الفتحاوي المعروف في غزة، أحمد حلس، ورئيس المجلس التشريعي السابق روحي فتوح الذي شغل منصب الرئيس المؤقت بعد وفاة عرفات، وسمير الرفاعي المسؤول الكبير في إقليم سوريا، وامرأة واحدة هي دلال سلامة النائب السابق في المجلس التشريعي من مخيم بلاطة في نابلس، وجميعهم تلقوا الدعم من عباس.
أما أبرز الذين فشلوا في الوصول إلى «المركزية» مرة ثانية، فكانوا الدكتور نبيل شعث القيادي القديم في فتح، والطيب عبد الرحيم أمين سر الرئاسة الفلسطينية، وأحمد قريع عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وأحد كبار مساعدي عرفات، وصخر بسيسو القيادي من غزة، وسلطان أبو العينين مسؤول ساحة لبنان سابقًا، وهؤلاء لم يحظوا بدعم عباس. وتفيد النتائج بهذه الطريقة بأن إرادة عباس انتصرت حتى داخل فتح، وانتصرت كذلك على التدخلات.
المحلل السياسي هاني المصري قال معلقًا: «إذا لخّصنا نتائج المؤتمر بكلمة واحدة فهي (الاستمرارية). فقد بايع المؤتمر الرئيس محمود عباس بالتصفيق وليس بالتصويت، وفي الجلسة الأولى، وذلك خلافًا للأصول التي تقضي بإجراء الانتخابات بعد تقديم كشف الحساب وتقييم الفترة السابقة، وبعد تقديم خطة المرحلة المقبلة. وهو ما كرّسه قائدًا أوحد قبل مساءلته والقيادة السابقة عما أنجزوه وما أخفقوا في إنجازه».
وهذا التفويض الكبير لعباس يجعله أقوى بطبيعة الحال من مفوضين آخرين داخل فتح، وإن حصلوا على أعلى الأصوات، وهو ما يعطيه القوة اللازمة لتعيين النائب الذي يريد سواء في فتح أو في السلطة.

القرار ليس فلسطينيا فحسب
صحيح أن عباس قطع خطوات مهمة في ترتيب بيته الداخلي، من أجل ضمان انتقال سلس للسلطة بعيدا عن أعدائه وداعميهم كذلك، لكن الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، يرى أن المسألة ليست بيد عباس فحسب. وقال عوكل: «ليس الفلسطينيون وحدهم هم الذين يقررون. العرب شركاء ولديهم مخاوف معينة، أيضًا يوجد إسرائيل، الدولة المحتلة التي تحكم كل شيء، ويوجد أيضًا المانحون الذين يضخون الدم في عروق السلطة». وأضاف عوكل: «الرئاسة الفلسطينية ليست محصلة وضع فلسطيني فقط لأن الوضع الفلسطيني منقسم وضعيف، ولا ينتج مؤسسة أو مواقع في هذا المستوى بشكل طبيعي».
ويتفق عوكل مع كثيرين: «الأكيد أن أي رئيس قادم سيكون عضو لجنة مركزية وعضو في تنفيذية المنظمة، وإلا فكيف سيكون الرئيس القادم، هو رئيس فتح ورئيس منظمة التحرير؟».
الأكيد أنه حتى مع اختتام مؤتمر فتح برسالة عباس بأنه من جيل «الرؤوس اليابسة»، في رسالة قوية إلى معارضيه، في الخارج والداخل، ملخصها أنه فعل ما يريد وسيقود بنفسه السفينة حتى محطته الأخيرة، وسيختار قائدها الجديد كذلك، فإن كثيرين يعتقدون أن السفينة المتهالكة في بحر هائج، ليس لها أن تواصل إذا ما ارتفعت أكثر أمواج الغضب واتسعت وتخلت عنها طواقم الدعم والإنقاذ.



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».