قوات النظام تكثّف القصف المدفعي على الأحياء السكنية في حلب

تتعرض الأحياء الأخيرة التي لا تزال تحت سيطرة الفصائل المعارضة في مدينة حلب، في شمال سوريا، لقصف مدفعي عنيف من قوات النظام، اليوم (الجمعة)، على الرغم من إعلان موسكو «وقف العمليات القتالية» في حلب، للسماح بإجلاء آلاف المدنيين المحاصرين.
ويُتوقَّع أن تصوت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم، على مشروع قرار غير ملزم يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في سوريا، وإدخال قوافل المساعدات الإنسانية، في إجراء اعتبره مندوب بريطانيا في الأمم المتحدة «قليلاً جدًا ومتأخرًا جدًا».
ميدانيًا، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان اليوم، «بقصف مدفعي عنيف على أحياء عديدة مُحاصَرَة في شرق حلب الجمعة، بعد ليلة تخلّلها قصف عنيف أيضًا»، لافتًا في الوقت ذاته إلى توقف الغارات الجوية.
وقال مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية، في شرق حلب إنّ دوي القصف لم يتوقف خلال ساعات الليل.
وحسب المرصد، تدور اشتباكات عنيفة يتخللها قصف مدفعي في حي بستان القصر، أحد أبرز الأحياء التي لا تزال تحت سيطرة الفصائل المقاتلة، الواقع على تماس مع الأحياء الغربية التي يسيطر عليها النظام.
وتأتي المعارك والقصف بعد توقف نسبي، أمس، إثر إعلان روسيا، أبرز حلفاء النظام السوري، وقف قوات النظام «العمليات القتالية» في المدينة.
من جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على هامش اجتماع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا عقد في ألمانيا، حسبما نقلت عنه وكالات الأنباء الروسية أمس: «أستطيع أن أقول لكم اليوم إنّ العمليات القتالية للقوات السورية أوقفت في شرق حلب لأن هناك عملية كبيرة قائمة لأجلاء المدنيين». وأضاف: «سيكون هناك ممر لإجلاء ثمانية آلاف شخص على مسافة خمسة كيلومترات».
واعتبر البيت الأبيض ردًا على الإعلان الروسي، أنّ «هذا يعد مؤشرًا إلى أن شيئا إيجابيا يمكن أن يحدث».
وكان لافروف تحدث عن مفاوضات عسكرية ودبلوماسية ستعقد السبت في جنيف «لإنهاء العمل (...) الذي يحدد وسائل حل المشكلات في شرق حلب». لكن الفصائل المعارضة في حلب شكّكت في جدية الإعلان الروسي.
وتعليقًا على المحادثات، قال ياسر اليوسف، عضو المكتب السياسي في حركة نور الدين الزنكي، أبرز الفصائل المقاتلة في حلب، أمس: «لا يمكن التعامل مع تصريح كهذا إلّا من خلال خطوات تنفيذية بضمانات الأمم المتحدة».
ومنذ منتصف الشهر الماضي، تمكنت قوات النظام مدعومة بمجموعات مسلحة موالية، من إحراز تقدم سريع داخل الأحياء الشرقية، وباتت تسيطر على أكثر من 85 في المائة من مساحة الأحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة الفصائل منذ العام 2012، تاريخ انقسام المدينة بين الطرفين.
وبات مقاتلو المعارضة محصورين داخل عدد من الأحياء في جنوب شرق المدينة.
وتسببت المعارك بمقتل 409 مدنيين بينهم 45 طفلاً جراء القصف والغارات على شرق حلب، فيما قتل 105 مدنيين بينهم 35 طفلاً.
وفيما باتت الجهود الدبلوماسية تركز على الوضع الإنساني لحلب، جدّد المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا دعوة أطراف النزاع إلى استئناف محادثات السلام.
وقال لصحافيين بعد اجتماع مغلق لمجلس الأمن ليلاً: «حان الوقت للنظر بجدية في إمكانية إحياء محادثات سياسية». واعتبر أن «الانتصارات العسكرية ليست انتصارا للسلام، لأن السلام يجب أن يفوز بشكل منفصل».
وأعرب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين عن أمله بإمكانية استئناف المحادثات قبل مغادرة الأمين العام الحالي للأمم المتحدة بان كي مون في 31 ديسمبر (كانون الأول)، منصبه.
ومن المقرر أن تصوت 193 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم، على مشروع قرار غير ملزم صاغته كندا، يطلب «وقفًا كاملاً لجميع الهجمات ضد المدنيين»، ورفع الحصار عن كل المدن المحاصرة.
وكانت روسيا استخدمت في وقت سابق من الأسبوع الحالي حق النقض (فيتو) على قرار لمجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار لسبعة أيام في حلب، وذلك للمرة السادسة منذ بدء النزاع في مارس (آذار) 2011.
في السياق، قال السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة ماثيو رايكروفت: «أخشى للأسف أن يكون ذلك قليلا جدًا، ومتأخرًا جدًا». وأضاف أن التصويت «سيظهر أنّ هناك غالبية أخلاقية» من الدول «اليائسة من أنّه بعد سلسلة من (الفيتوات)، لم ينجح مجلس الأمن في إظهار الوحدة اللازمة لإحراز تقدم في الوضع السوري».
على جبهة أخرى في سوريا، تنفِّذ الطائرات الحربية التابعة لقوات النظام اليوم، غارات مكثفة على مواقع ونقاط تمكن «تنظيم داعش من السيطرة عليها أخيرًا في منطقة تدمر في محافظة حمص (وسط)»، وفق المرصد السوري.
وشن التنظيم، أمس، هجمات مباغتة ومتزامنة على حقول للنفط والغاز في ريف حمص الشمالي، مما تسبب بمقتل 34 عنصرًا على الأقل من قوات النظام والمسلحين الموالين لها. وتمكن من التقدم في المنطقة وباتت أقرب نقاط وجوده تبعد أربعة كيلومترات من مدينة تدمر الأثرية.
من جهة أخرى، أعلن مسؤول أميركي في وزارة الدفاع، أمس، أن التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» قضى على 50 ألفًا، على الأقل، من عناصر التنظيم المتطرف في سوريا والعراق في عامين.
ويزور الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اليوم، حاملة الطائرات «شارل ديغول» التي تشارك في البحر الأبيض المتوسط في المعارك ضد تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، في خطوة يجدّد خلالها التصميم على مواصلة مكافحة التنظيم بالإضافة إلى هدنة في حلب.
على صعيد متصل، ذكرت تقارير اليوم، أنّ تركيا أرسلت مئات من عناصر القوات الخاصة لتعزيز حملتها العسكرية داخل سوريا حيث يتكبد الجيش مزيدًا من القتلى في صفوفه للسيطرة على بلدة خاضعة لسيطرة تنظيم «داعش».
وأفادت وكالة الأناضول للأنباء بأنّ 300 من عناصر الوحدات الخاصة نقلوا من قاعدة في محافظة دنيزلي الغربية في حافلات إلى مطار عسكري، وبعد ذلك في طائرات عسكرية إلى منطقة حدودية للمشاركة في العمليات العسكرية.
وتشن أنقرة، منذ أغسطس (آب)، عملية «درع الفرات» لدعم فصائل المعارضة السورية لإبعاد التنظيم المتطرف عن المنطقة الحدودية. وتمكنت تلك القوات من استعادة مناطق الراعي وجرابلس ودابق من سيطرة المتطرفين في الأسابيع الأولى من العملية، إلا أن المقاتلين السوريين والقوات التركية واجهوا مقاومة شرسة في معركة استعادة بلدة الباب التي تبعد 25 كلم عن الحدود التركية، حيث ذكرت تقارير أنّ المتطرفين يعيدون تجميع صفوفهم بعد فرارهم من الهجوم السابق.
وقُتِل 19 جنديًا تركيًا في هذه العمليات حتى الآن، وسط مخاوف الحكومة من أن تثير هذه العملية غضبًا شعبيًا.