إدلب متخوفة من «محرقة كبرى» بغطاء دولي ضد الإرهاب

تقديرات بوجود مائة ألف مقاتل * المجالس المحلية ترفض استقبال «مزيد من المهجرين قسرًا»

مدنيون من سكان حلب فروا من قصف النظام السوري والميليشيات الحليفة والطيران الروسي إلى نقطة امنية في حي ميسلون الذي يسيطر عليه النظام (ا.ف.ب)
مدنيون من سكان حلب فروا من قصف النظام السوري والميليشيات الحليفة والطيران الروسي إلى نقطة امنية في حي ميسلون الذي يسيطر عليه النظام (ا.ف.ب)
TT

إدلب متخوفة من «محرقة كبرى» بغطاء دولي ضد الإرهاب

مدنيون من سكان حلب فروا من قصف النظام السوري والميليشيات الحليفة والطيران الروسي إلى نقطة امنية في حي ميسلون الذي يسيطر عليه النظام (ا.ف.ب)
مدنيون من سكان حلب فروا من قصف النظام السوري والميليشيات الحليفة والطيران الروسي إلى نقطة امنية في حي ميسلون الذي يسيطر عليه النظام (ا.ف.ب)

رفضت الفصائل المعتدلة في الأحياء الشرقية بمدينة حلب السورية ترحيلها إلى محافظة إدلب بموجب أي تسوية محتملة مع النظام السوري. ويأتي الرفض وسط تخوف الفصائل من أن إدلب، التي بات يسكنها كثير من المتشددين «يمكن أن تغدو المحرقة الكبيرة في وقت لاحق»، في إشارة إلى أن المحافظة الواقعة في شمال غربي سوريا، قد تكون عرضة للاستهداف الدولي.
عبارة «المحرقة الكبيرة»، تتكرر على لسان معارضين يتخوفون من أن تحظى إدلب، مثل محافظة الرقّة، معقل تنظيم داعش، بتوافق دولي على وصمها بـ«حاضنة الإرهاب». وبالتالي: «يُشرع قصفها، بصرف النظر عن المدنيين والمعارضين المعتدلين الذين يقيمون فيها».
ومختلف التقديرات في أوساط المعارضين تشير إلى أن المحافظة «تتحول صورتها شيئا فشيئًا إلى قندهار سوريا». وفي ذلك، يرى معارضون أن «شيطنة المحافظة في الإعلام، باتت واقعًا، ويمعن النظام في تحويلها إلى قندهار في الإعلام الدولي، بعد إصراره على ترحيل المقاتلين المعارضين الرافضين لتسليم أنفسهم له، باتجاه محافظة إدلب، لتكون تجمعًا لمعارضيه، فيصمهم بالإرهاب، تحضيرًا لتشريع قتلهم جميعًا من غير أن يثير اعتراض العالم».
مدينة إدلب خرجت عن سيطرة النظام السوري في مارس (آذار) 2015، لتليها مدينة جسر الشغور (التابعة أيضًا لمحافظة إدلب) في الشهر التالي، ثم مطار أبو الظهور العسكري. ومنذ ذلك الوقت، باتت المحافظة، باستثناء بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين المحاصرتين، خارج سيطرة النظام. وواصلت قوات المعارضة وحلفاؤها عملياتها العسكرية على أطراف المحافظة، وتحديدًا باتجاه ريف محافظة اللاذقية الشمالي وريف محافظة حماه الشمالي وريف محافظة حلب الغربي، حيث دفعت قوات النظام للخروج منها.
إذ ذاك «وجد النظام نفسه عاجزًا عن استعادة السيطرة في المحافظة»، كما يقول مصدر معارض: «فلجأ إلى استراتيجية تخويف العالم منها، عبر الدفع بالمقاتلين الخارجين من مدنهم بريف دمشق وحمص بموجب التسويات والهدن، وأحجم عن استهداف التنظيمات المتشددة في المحافظة، بينما لجأ إلى قصف المدنيين واستهداف الفصائل المعتدلة المتصارعة مع المتطرفين، ما مكّن هؤلاء من التقدّم وقضم نفوذ المعتدلين، وتحول المحافظة شيئا فشيئًا إلى نفوذ التنظيمات المتشددة».
ويسيطر تنظيم «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقًا) على القسم الأكبر من النفوذ في إدلب ومحيطها في ريفي اللاذقية وحماه الخارجين عن سيطرة النظام. تضاف إليه مجموعة من الفصائل المتشددة قوامها من المقاتلين الأجانب، فضلاً عن المقاتلين المعارضين المعتدلين وقليل من الفصائل التابعة للجيش السوري الحر، وذلك بعد أن قضمت «النصرة» في وقت سابق نفوذ تلك التنظيمات، وأقصت الفصائل المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية.
وأمام التدفق الواسع للمهجرين قسريًا من مدنهم إلى إدلب، اعتذرت المجالس والقوى وفعاليات المجتمع المدني في محافظة إدلب، أمس الخميس، عن عدم استقبال مزيد من المهجرين قسريًا، في بيان نشره مجلس المحافظة، قائلا إن المحافظة بالأصل «ترزح تحت وطأة تدهور البنية التحتية والخدمية، بسبب القصف الوحشي والممنهج على المشافي والمدارس والمنشآت الحيوية، ما يجعل قدرات إدلب لاستيعاب المهجرين بالغة الصعوبة، مع عجزها عن توفير أبسط مقومات الحياة الإنسانية لهؤلاء النازحين والمهجرين».
وأشار البيان إلى «نية واضحة بتجميع الثوار والمقاومين السوريين في بؤرة جغرافية ضيقة، ليتم التركيز عليها بالقصف والتدمير، ما يسمح لنظام الأسد بتمرير مخططاته بتغيير ديموغرافي في المناطق التي يتم إخلاؤها، ومن ثم تركيز جهوده وعملياته في محافظة إدلب».
لا تقديرات دقيقة لأعداد المقاتلين في إدلب، رغم أن هناك شبه إجماع على أن المقاتلين المتشددين الذين يتبعون «فتح الشام» وحلفاءها من الفصائل الموالية لتنظيم القاعدة، مثل «جند الأقصى» وسواه، تتجاوز أعدادهم الـ20 ألف مقاتل. ويتصدر المقاتلون الأجانب، أولئك المنضوون تحت لواء «الحزب الإسلامي التركستاني» و«كتيبة القوقازيين» و«الشيشانيين»، بحسب ما يقول رامي عبد الرحمن، مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، مشيرًا إلى أن نفوذ التركستانيين «بدأ إثر السيطرة على مدينة إدلب، ثم جسر الشغور ومطار أبو الظهور العسكري». بينما تذهب أقصى التقديرات إلى أن أعداد المقاتلين من جميع الفئات والفصائل، تصل إلى مائة ألف مقاتل في محافظات إدلب وحماه واللاذقية.
وفي حين تتحدث المعلومات عن أن الطائرات الروسية تقصف مقرات وتحصينات للفصائل المعارضة والمتشددة في مدينة سراقب (في المحافظة)، نفى مصدر معارض في تنظيم واسع الانتشار في إدلب تلك المعلومات، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن التنظيمات في محافظة إدلب «تدرك أنها ستأتي إلى يوم لن تتمكن فيه من الحصول على طلقة واحدة، وتستعد لمعركة كبيرة ستكون معركة وجود بالنسبة لها، رغم أن المعركة مؤجلة الآن». وتابع أن تلك التنظيمات «تحصن مستودعات السلاح والذخيرة، وتخضعها لتدابير أمنية متشددة، حيث لا يعرف فيها أكثر من شخص من خارج قيادة (فتح الشام) منعًا لاستهدافها». وأردف المصدر أن الغارات الروسية «تستهدف تحركات وآليات ومواقع مهجورة ومناطق سكن المدنيين، وكثفت في الآونة الأخيرة ضرباتها على مناطق شرق كفريا والفوعة، إثر استهداف الفصائل للبلدتين ردًا على مجازر حلب».
ولا ينفي المصدر وجود مقاتلين أجانب في إدلب، شارحًا: «إذا مررت في مدينة إدلب هذه الأيام، سيصادفك رجال الشرطة الموكلين بتنظيم المرور من المقاتلين المهاجرين، وستجد بسهولة مقاتلين من جنسيات أجنبية موكلة بالتدقيق في العابرين إلى داخل المدينة».
ومع ذلك، قتل أكثر من 135 شخصًا خلال ثلاثة أيام في مدينة إدلب وريفها، جراء قصف الطيران الحربي الروسي والنظامي، لأسواق شعبية ومبان سكنية، في تصعيد خطير يأتي بالتزامن مع جرائم حرب أخرى في أحياء حلب وريفها، بحسب ما ذكر «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية». واستنكر عضو الهيئة السياسية للائتلاف، عدنان رحمون، جرائم الحرب التي يرتكبها الروس والنظام في إدلب وحلب «باستخدام صواريخ فراغية وقنابل عنقودية وفسفورية، تحت نظر المجتمع الدولي وسمعه الذي يتغاضى عن هذه الجرائم». وطالب رحمون، مجلس الأمن والمجتمع الدولي «بكفِّ يد روسيا ونظام الأسد عن هذه الجرائم، وأن تتخذ مسؤولياتهم بحماية المدنيين، معتبرًا أن من يصمت عن هذه الجرائم هو شريك وداعم لها».
هذا، ويتحدث المجلس المحلي في إدلب عن أنه «بعد تهجير سكان داريا والمعضمية، ثم قدسيا والهامة، ومن ثم خان الشيح والتل، فإن وضع المحافظة سيئ بالأصل، والوضع الاقتصادي متدهور وسيئ، مع نقص شديد في تأمين الخدمات الصحية للمدنيين، وأيضا ارتفاع وتيرة القصف التي تستنزف ما تبقى من بنية تحتية، ما يزيد معاناة السكان، ومؤخرا إغلاق الحدود التركية أمام النازحين وحصرهم في بقعة جغرافية ضيقة دون وجود إمكانية لاستيعاب مزيد من الأعداد».



15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
TT

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)

في حين يواصل المعلمون في محافظة تعز اليمنية (جنوب غرب) الإضراب الشامل للمطالبة بزيادة رواتبهم، كشفت إحصائية حديثة أن أكثر من 15 ألف طالب تسربوا من مراحل التعليم المختلفة في هذه المحافظة خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بصرف الرواتب المتأخرة للمعلمين عن شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، فإن العملية التعليمية لا تزال متوقفة في عاصمة المحافظة والمناطق الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بسبب الإضراب.

ويطالب المعلمون بإعادة النظر في رواتبهم، التي تساوي حالياً أقل من 50 دولاراً، حيث يُراعى في ذلك الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار. كما يطالبون بصرف بدل الغلاء الذي صُرف في بعض المحافظات.

الأحزاب السياسية في تعز أعلنت دعمها لمطالب المعلمين (إعلام محلي)

ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط»، فإن محافظتي عدن ومأرب أقرتا صرف حافز شهري لجميع المعلمين يقارب الراتب الشهري الذي يُصرف لهم، إلا أن هذه المبادرة لم تُعمم على محافظة تعز ولا بقية المحافظات التي لا تمتلك موارد محلية كافية، وهو أمر من شأنه - وفق مصادر نقابية - أن يعمق الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم في تلك المحافظات، وفي طليعتها محافظة تعز.

ظروف صعبة

وفق بيانات وزعتها مؤسسة «ألف» لدعم وحماية التعليم، فإنه وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع التعليم في مدينة تعز وعموم مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ازدادت تداعيات انقطاع الرواتب والإضراب المفتوح الذي دعت إليه نقابة المعلمين، مع إحصاء تسرب أكثر من 15 ألفاً و300 حالة من المدارس خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وقال نجيب الكمالي، رئيس المؤسسة، إن هذا الرقم سُجل قبل بدء الإضراب المفتوح في جميع المدارس، وتعذر استئناف الفصل الدراسي الثاني حتى اليوم، معلناً عن تنظيم فعالية خاصة لمناقشة هذه الأزمة بهدف إيجاد حلول عملية تسهم في استمرار العملية التعليمية، ودعم الكادر التربوي، حيث ستركز النقاشات في الفعالية على الأسباب الجذرية لانقطاع الرواتب، وتأثيرها على المعلمين والمؤسسات التعليمية، وتداعيات الإضراب على الطلاب، ومستقبل العملية التعليمية، ودور المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية في دعم قطاع التعليم.

المعلمون في عدن يقودون وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين الأجور (إعلام محلي)

وإلى جانب ذلك، يتطلع القائمون على الفعالية إلى الخروج بحلول مستدامة لضمان استمرارية التعليم في ظل الأزمات، ومعالجة الأسباب التي تقف وراء تسرب الأطفال من المدارس.

ووجهت الدعوة إلى الأطراف المعنية كافة للمشاركة في هذه الفعالية، بما في ذلك نقابة المعلمين اليمنيين، والجهات الحكومية المعنية بقطاع التعليم، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.

آثار مدمرة

كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد ذكرت منتصف عام 2024، أن أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب تداعيات سنوات من الصراع المسلح. وأفادت بأن شركاء التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، وعدّت أن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

وتقول المنظمة إنه منذ بداية الحرب عقب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، خلفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

1.3 مليون طفل يمني يتلقون تعليمهم في فصول دراسية مكتظة (الأمم المتحدة)

وأكدت المنظمة الأممية أن للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً، تأثيراً بالغاً على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سن الدراسة البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

ووفق إحصاءات «اليونيسيف»، فإن 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) قد دمرت أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سنوات من النزاع الذي شهده اليمن.

كما يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين (ما يقرب من 172 ألف معلم ومعلمة) على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، أو انقطاعهم عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.