فرص الهدنة في حلب تتلاشى والفصائل الكبرى ترفض الخروج

يرفض النظام السوري أي مقترح لفرض هدنة إنسانية في مدينة حلب، عاصمة الشمال السوري، لا تتضمن إخراج المقاتلين فيها. ويشترط ترحيل المقاتلين إلى مدينة إدلب، وهو ما يرفضه مقاتلون معتدلون، فيما تصر الفصائل الأربعة الأكثر نفوذًا في أحياء حلب على البقاء في المدينة، ورفض خروجها، بحسب ما قالت مصادر معارضة في حلب لـ«الشرق الأوسط».
وفي حين يواصل النظام عملياته العسكرية، محاولا دفع المدنيين والمقاتلين إلى ثلاثة أحياء تقع في غرب الأحياء المحاصرة، قبل التوصل إلى تسوية تقضي بإفراغ المدينة من سكانها المدنيين والمقاتلين، يتفاقم الوضع الإنساني في المدينة. إذ نقلت وكالة «رويترز» عن هيئة إغاثة طبية سورية قولها إن 1500 شخص بحاجة الآن إلى الإجلاء الطبي من أحياء شرق حلب المحاصرة، بينما أكد رئيس المجلس المحلي في حلب أن أكثر من 800 شخص قتلوا، وأصيب ما بين 3000 و3500 خلال الأيام الـ26 الماضية، وخرجت كامل مستشفيات المدينة عن الخدمة، وتعرضت المواد الغذائية «لشحّ كبير»، حتى بلغت حصة الفرد اليومي من الخبز «أقل من رغيف واحد يوميًا».
من جهة ثانية، صرّح يان ايغلاند، مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أمس، بأن الولايات المتحدة وروسيا أبعد ما يكون عن الاتفاق على شروط عمليات الإجلاء من المناطق المحاصرة في شرق حلب. وأردف أن المفاوضات التي استمرت خمسة أشهر بشأن خطط الإغاثة فشلت، ولم تتمخض عن شيء. ثم شدد على ضرورة أن تتحد جهود الولايات المتحدة وروسيا للاتفاق على إجلاء القطاع المحاصر الذي تقول الأمم المتحدة أنه ربما يضم ثمانية آلاف مقاتل بين أكثر من 200 ألف مدني. وتابع قائلا للصحافيين إن روسيا «لم تعد تقدم وعودا بوقف القتال حتى يتمكن الناس من الخروج» وإن «اقتراحها فتح ممرات آمنة لا يستحق أن يسمى بهذا الاسم من دون وقف إطلاق النار».
رفض الهدنة
محمد الشامي، القيادي السوري المعارض في حلب، ذكر لـ«الشرق الأوسط» أن عدة مقترحات طرحتها الأطراف المعنية بالأزمة السورية منذ أسبوعين، لكن النظام رفضها كليًا. وأضاف أن آخرها كانت «هدنة النقاط الخمس» التي أعلنها المجلس المحلي في حلب، وتتضمن إخراج الجرحى والمصابين من قبل الهلال الأحمر، والسماح للمدنيين بالخروج، ووقف القصف لمدة خمسة أيام، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل.
ولفت الشامي إلى أن النظام «يطرح عبر وسطاء مبادرة تقضي بفتح معبر بستان القصر لإخراج المدنيين عبر منطقة المشارقة، ونقل النازحين إلى منطقة جبرين، في شمال حلب، حيث أقيم مخيم للنظام، ويجري فيه تسليم المطلوبين للنظام إلى الأمن العسكري». وأردف أن قوائم النظام «تضم آلاف المطلوبين، وهو ما يمنع الموافقة على أي من تلك الطروحات التي تعني تسليم المطلوبين والسماح للنظام بالتنكيل بهم واعتقالهم».
في هذا الوقت، يتبع النظام سياسة الدفع بالمدنيين والمقاتلين باتجاه ثلاثة أحياء قريبة من مناطق وجوده، ومتداخلة مع مناطق سيطرته، أهمها بستان القصر والكلاسة بشكل خاص، بحسب ما قال مصدر معارض في داخل مدينة حلب لـ«الشرق الأوسط»، مشيرًا إلى أن النظام «لا يكثف القصف على تلك المناطق التي أخذت تتحول إلى تجمع ضخم لمدنيين النازحين من أحياء أخرى في المدينة». وأوضح المصدر أن هذه المؤشرات «تعني أن النظام أراد تلك الأحياء كنقطة تجمع للسكان لإجبارهم على مغادرة المدينة عبر مناطق سيطرته في الراموسة وغيرها».
مواقف الفصائل
في هذه الأثناء، ينقسم المقاتلون في المدينة بين من يطالب بالخروج إلى ريف محافظة حلب الشمالي عبر «تسوية» مع النظام، وبين من يرفض كليا الخروج منها. وأفاد المصدر المعارض أن الفصائل الصغيرة التابعة لـ«الجيش السوري الحر» مثل «فجر الشام» و«الجبهة الشامية» و«فيلق الشام»، بالإضافة إلى بعض مقاتلي «جيش الإسلام»، «يطالبون بالخروج إلى ريف حلب الشمالي»، في حين ترفض الفصائل الكبيرة الموجودة داخل أحياء حلب الشرقية الخروج كليًا من المنطقة.
وذكر المصدر أن «حركة نور الدين زنكي» التي توافق قيادتها خارج مدينة حلب على التفاوض على إخراج المقاتلين، ويرفض المقاتلون في داخل المدينة تلك التسوية، «فتحت مستودعات الأسلحة الاحتياطية وأعلنت التعبئة العامة، معلنة أن السلاح المتوافر سيمكّن المقاتلين من صد الهجمات واسترداد مناطق تساهم في فك الحصار عن حلب». ولفت إلى أن هذه الحركة «تلتقي مع فصائل أخرى على فكرة رفض الخروج من حلب، والشروع في القتال حتى آخر مقاتل»، وهي «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقًا) التي تضم نحو 400 مقاتل، و«أحرار الشام» التي تضم نحو 500 مقاتل، و«نور الدين زنكي» التي تضم نحو 1200 مقاتل، و«كتائب أبو عمارة» التي تضم نحو ألف مقاتل، و«تجمع فاستقم كما أمرت» الذي يضم نحو 800 مقاتل.
وقال المصدر إن تعداد المقاتلين والمتطوعين والقادرين على حمل السلاح من كل الفصائل والمدنيين غير المنظمين في التشكيلات العسكرية، يقارب الـ8 آلاف مقاتل، بينما يتخطى عدد المطلوبين هذا الرقم.
الوضعان الميداني والإنساني
أما ميدانيًا، فلم يحقق النظام أي تقدم استراتيجي في أحياء حلب أمس، حيث تمكنت فصائل المعارضة من صد الهجمات التي شنها، ولقد تجددت الاشتباكات بشكل عنيف في محاور بوسط وجنوب القسم الشرقي المتبقي من المدينة، وتركزت في محاور أحياء السكري والشيخ سعيد والزبدية وسيف الدولة ومحاور أخرى بشرق حلب.
وأما على الجانب الإنساني، فقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمس إنه تم إجلاء نحو 150 مدنيا معظمهم من المعاقين أو من يحتاجون رعاية طبية عاجلة من مستشفى في منطقة «المدينة القديمة» ليلة الأربعاء - الخميس في أول عملية إجلاء طبي كبيرة من القطاع الشرقي من حلب. وذكرت كريستا أرمسترونغ، المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن هؤلاء حوصروا لعدة أيام بسبب اندلاع قتال قربهم ومع اقتراب خط المواجهة منهم ولم يكن معهم سوى خمسة من العاملين في الصليب الأحمر لرعايتهم. وأبلغت أرمسترونغ وكالة «رويترز» أيضًا أنه تم أيضا إجلاء ستة أطفال عثر عليهم بمفردهم في شوارع قريبة تتراوح أعمارهم بين سبعة أشهر وسبع سنوات. وتابعت: «قال الكبار منهم إنهم لم يتناولوا الطعام منذ يومين». هذا، وذكر بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن 11 مريضا توفوا بسبب نقص الدواء أو قتلوا بسبب الاشتباكات قبل أن تتمكن فرق الصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري من الوصول إليهم في وقت متأخر أول من أمس الأربعاء. وقالت ماريان جاسر، رئيسة بعثة اللجنة في سوريا الموجودة حاليا في حلب، أن «كثيرين ممن تم إجلاؤهم لا يمكنهم الحركة ويحتاجون لرعاية خاصة».
ومعلوم أنه منذ أسابيع تقول الأمم المتحدة أن نحو 400 من المرضى والجرحى يحتاجون لإجلاء طبي طارئ من شرق حلب لتلقي العلاج لكن لم يتضح إن كان المائة والخمسون من بينهم. ومن بين من جرى إجلاؤهم من مستشفى دار الصفاء في «المدينة القديمة»، ونقل 118 مريضا إلى ثلاثة مستشفيات في غرب حلب الخاضع لسيطرة النظام، وحمل بعضهم في مقاعد.
ووفق أرمسترونغ، فإن 16 حالة حرجة وطارئة نقلت إلى مستشفى الرازي الجراحي ومشفى حلب الجامعي. وإن مستشفى ابن خلدون استقبل المصابين بأمراض عصبية وعقلية والمرضى من كبار السن وتم نقلهم في حافلة. كذلك أفاد بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن 30 رجلا وامرأة وطفلا آخرين نقلوا إلى مراكز إيواء في القطاع الغربي من حلب.
وتجدر الإشارة إلى أن قوات النظام - المدعومة من روسيا وإيران - باتت تسيطر على ثمانين في المائة من الأحياء التي كانت تحت سيطرة الفصائل المقاتلة منذ 2012، تاريخ انقسام المدينة بين الطرفين. ونددت منظمة «أنقذوا الأطفال» (سايف ذي تشيلدرن) غير الحكومية المدافعة عن الأطفال بتحول «عشرات آلاف الأطفال» في حلب إلى «أهداف سهلة». كما توقفت مديرة المنظمة سونيا خوش في بيان عند وضع النازحين من حلب و«أشخاص يسيرون في الشوارع من دون أي شيء إلا ملابسهم لتقيهم من البرد» منتقدة غياب أي تحرك دولي.