قال بيدرو أوبيانغ، حاملاً على وجهه ابتسامة توحي بأنه يعرف الإجابة بالفعل: «لا أدري إن كان لديك أطفال أم لا». وأجبته بالنفي. وهنا، ابتسم أوبيانغ، ثم ضحك قائلاً: «أعلم». واستطرد موضحًا أن ولادة طفله الأول في الصيف زادت من تعقيدات استعداداته للموسم الجديد.
ومع هذا، أكد لاعب خط وسط وستهام يونايتد أن «إنجاب الأطفال يمنحك طاقة إضافية. في كل يوم، تتملكني الرغبة في إنجاز أشياء يمكنني اطلاع ولدي عليها بفخر لاحقًا لتبث في روحه بعض الحماس والدافع». يتميز أوبيانغ بشخصية تملك قدرًا كبيرًا من الفضول والسخاء من حيث الوقت الذي يخصصه للآخرين، وعندما تتحدث إليه تكتشف أن ثمة سببًا وجيهًا وراء نسيان المسؤولين في وستهام يونايتد أنه لا يزال في الـ24 من عمره فقط. في الواقع، يبدو أوبيانغ أكبر من سنه، وهو قادر على نقل شعور بالهدوء إلى الجالس أمامه بعد كل سؤال، ويبدي قدرًا كبيرًا من الذكاء والنضج عبر اعترافه بأنه لا يملك دومًا الإجابة الصائبة.
الواضح كذلك أنه يعايش في داخله صراعًا حول الهوية والانتماء، وقد اعترف بأنه لا يزال يحاول الإجابة على تساؤل إلى أين ينتمي حقًا. جدير بالذكر أن زوجة أوبيانغ إيطالية، بينما يحمل هو جواز سفر إسبانيًا. أما والداه، فقد رحلا عن غينيا الاستوائية بحثًا عن حياة أفضل منذ 40 عامًا. وعن ذلك، قال أوبيانغ: «تروق لي فكرة أن أكون مواطنًا عالميًا». في داخله، يحمل أوبيانغ رغبة قوية في معرفة مزيد عن نفسه وعالم كرة القدم، الأمر الذي دفعه إلى الدراسة للحصول على درجة علمية في العلوم السياسية. ومنذ انتقاله إلى وستهام يونايتد في صيف 2015 مقابل 4.5 مليون جنيه إسترليني، قادمًا من نادي سامبدوريا الإيطالي، حدد على رأس قائمة أولوياته مشاهدة أكبر جزء ممكن من إنجلترا. ورغم معرفته بثلاث لغات، فإنه يشعر بالإحباط لأنه لا يشعر بالثقة الكافية بعد كي يجري مقابلة كاملة بالإنجليزية.
في منتصف المقابلة، اضطررنا لنيل استراحة، حيث كان يتعين على أوبيانغ الانضمام إلى زميله المهاجم آشلي فليتشر داخل غرفة الملابس داخل «استاد لندن» معقل وستهام الجديد، حيث كانا على وشك مفاجأة مجموعة من المشجعين الصغار.
وبدت دهشة عارمة على وجه أحد الصبية قبل أن يتحول بوجهه نحو والده ليسأله: «هل هذا لاعب كرة حقيقي؟»، وخلال المقابلة، نجح أوبيانغ في بث شعور بالطمأنينة والارتياح في نفوس الجميع. كان الوقت خلال فترة بعد الظهيرة بأحد الأيام شديدة البرودة، وكان أوبيانغ قد نسى إحضار معطفه معه. ومع ذلك، سارع إلى سؤال رؤسائه ما إذا كان بإمكانه اصطحاب المشجعين الصغار إلى داخل أرض الملعب أم لا.
وعندما عاد لاستئناف المقابلة، تحولت دفة النقاش إلى الدرجة الجامعية التي بدأ الدراسة لنيلها داخل إيطاليا. ولا يزال أمامه عامان في فترة الدراسة البالغة خمسة أعوام. ورغم رغبته القوية في استئناف الدراسة، فإنه قرر أنه بحاجة لتحسين مهاراته في اللغة الإنجليزية أولاً.
وفي هذا الصدد، قال: «مثل أي شيء آخر بالحياة، يتطلب الأمر بعض التفاني. كلاعبي كرة قدم، نتمتع بفسحة جيدة من الوقت. إلا أن الأمر تطلب أيضًا معاونة من جانب المعلمين، خصوصًا مع انضمامي إلى فصول مسائية لصعوبة حضوري محاضرات في الصباح». يعي أوبيانغ جيدًا أن الصبر واحد من الفضائل العظيمة. وكثيرًا ما وجد اللاعب نفسه على مقعد لاعبي الاحتياط الموسم الماضي. واضطر أوبيانغ للانتظار حتى الأول من أكتوبر (تشرين الأول) للمشاركة في أول مباراة له بالدوري الإنجليزي الممتاز خلال هذا الموسم. وعن هذا، قال: «شعرت بالإحباط الموسم الماضي، لأنه كانت بداخلي رغبة قوية للمشاركة في عدد أكبر من المباريات. وفيما يخص العودة إلى إيطاليا، لم تكن فرصة حدوث ذلك تتجاوز 1 في المائة. ولست أرى أن العودة إلى إيطاليا ستكون بمثابة خطوة إلى الوراء في مشواري، لكنني هنا لأقدم كل ما لدي ولا أتطلع نحو الرحيل في الوقت الحاضر».
واستطرد قائلاً: «لا يمكن للمرء أن يحصل على ما يتمناه بالضبط طيلة الوقت. أما بالنسبة لما فعلته أثناء التمرين، فهو أنني بذلت أقصى مجهود لدي لمحاولة إقناع المدرب بإفساح مكان لي في المباريات». وبالفعل، كان من شأن البداية المريعة التي قدمها وستهام يونايتد في الموسم الجديد إجبار المدرب الكرواتي سلافين بيليتش على تغيير تشكيل فريقه والدفع بأوبيانغ، الأمر الذي نجح بالفعل في تحسين التوازن في خط الوسط، ووفر لخط الدفاع مزيدًا من الحماية. ومع ذلك، لا يزال مستوى أداء الفريق متقلبًا. جدير بالذكر أن وستهام يونايتد خسر أمام مانشستر يونايتد، الأربعاء، بنتيجة 4 - 1 في كأس رابطة الأندية المحترفة، ويحتل المركز الـ17 حاليًا بجدول ترتيب أندية الدوري الممتاز بعد خسارته امام آرسنال السبت الماضي 5 - 1. في هذا الصدد، علق أوبيانغ بقوله: «إننا بحاجة لإظهار شخصيتنا، التي اختفت عن بعض المباريات في هذا الموسم».
في الواقع، قد تسهم النزعات الإيطالية والإسبانية داخل أوبيانغ في رفع وستهام يونايتد من عثرته الراهنة. كان أوبيانغ قد نشأ في منطقة ألكالا دي إيناريس بمدريد، وكان جزءًا من منظومة الناشئين في أتليتكو مدريد قبل أن تتاح له فرصة الانضمام إلى سامبدوريا عندما كان في الـ16. وقد أصابته فكرة الرحيل إلى بلد آخر وترك أصدقاءه وأسرته خلفه بشعور بعدم الارتياح. وعن ذلك، قال: «كنت أبكي كثيرًا، لكن أمي أغلقت باب غرفة نومي علي ذات يوم ودخلت في محادثة رائعة معي لمدة تقترب من 15 أو 20 دقيقة. وقالت لي: إذا منحك الله فرصة، تشبث بها، ولا تغلق الباب أبدًا أمام أي عروض محتملة. وقد استغرقت بعض الوقت كي أستوعب ما كانت تعنيه على وجه التحديد».
وشرحت لي أمي جميع الإيجابيات التي قد تعود علي من وراء الانتقال إلى نادٍ جديد، رغم أنني أعتقد في الوقت ذاته أن جزءًا منها لم يكن يرغب في سفري بسبب الألم الذي تتكبده الأم لدى رحيل ابنها عنها. وبالفعل، حزمت حقائبي في اليوم التالي وسافرت. اليوم، أنا أب ويمكنني الآن أن أتطلع إلى ذلك اليوم وأقدره حق تقديره. لقد كان اختيارًا صعبًا بالفعل».
في إسبانيا، كان التركيز على القدرات الفنية. مع الانتقال إلى إيطاليا، اضطر أوبيانغ إلى التكيف مع ثقافة مختلفة تولي اهتمامًا أكبر إلى الوعي التكتيكي. وعن فترة مشاركته في إيطاليا، قال أوبيانغ: «كانت الأوضاع مريعة في إيطاليا في البداية، بلغت حد الكارثة بعض الأحيان، لكن عندما تعمل بجد شديد للوصول إلى هدف ما، تحصل على إيجابيات من ورائه ويساعدك على تحسين مستواك كلاعب». وأضاف: «الآن، بدأت أتعرف على كثافة المباريات الإنجليزية. هنا، يتعين عليك كلاعب أن تقدم كل ما لديك في كل مباراة. وفي بعض الأحيان أشعر أن الأهمية الكبرى في المباريات تتعلق بمن يبذل المجهود الأكبر، وليس من الأفضل استعدادًا».
جدير بالذكر أن الأمر استغرق من أوبيانغ 4 سنوات حتى يشعر بالتأقلم مع الأسلوب الإيطالي في اللعب. ومع ذلك، فإن الانتقال إلى إيطاليا حمل أهمية محورية له على الصعيد الشخصي أيضًا. عندما سأله أصدقاءه عن سر اختفائه كثيرًا، كانت إجابته أنه يسافر من مدينة جنوا إلى مدينة أوديني لمقابلة زوجة المستقبل. واستطرد أوبيانغ: «أشعر كأنني أنتمي إلى أي مكان تنقلني إليه الأقدار. لدي أسرة في إيطاليا، وولدت في إسبانيا، وترعرعت فيها وأحمل جواز سفر إسبانيًا. إلا أنه من حيث جذوري، ينتمي والداي إلى أفريقيا، وبالتالي أشعر أنني أفريقي، وكذلك لوني يعزز هذا الشعور. هذا أمر أشعر به كل يوم».
اللافت أن أوبيانغ لم يحسم بعد مسألة الدولة التي سيمثلها على الصعيد الدولي. وعن هذا، قال: «يمكنني اللعب لحساب غينيا الاستوائية أو الغابون. إن المنطقة التي نشأت بها لها حدود مشتركة مع الغابون، وقد حاولوا ضمي إلى المنتخب أخيرًا، الأمر الذي كان بمثابة مفاجأة لي. وقد سألت والدي عن السبب وراء ذلك، وإذا ما كانت لدي أسرة هناك، فأجاب بالنفي».
ولا يبدو أوبيانغ متسرعًا نحو اتخاذ قرار نهائي بهذا الأمر. وقال: «هذا قرار مهم للغاية، يتعلق بالسياسة والمشاعر والفوائد الرياضية». وجاء ذكر السياسة لينقلنا إلى مسار مختلف. في الوقت الراهن، يعكف أوبيانغ على قراءة كتاب إيطالي عن قضايا المحاكم المرتبطة بأطفال، وكشف أنه ليس اللاعب الوحيد المهتم بالعلوم السياسية داخل وستهام يونايتد، ذلك أن أنغيلو أوغبونا يدرس هو الآخر للحصول على درجة علمية بالعلوم السياسية.
ولدى سؤاله عن آرائه السياسية، أبدى أوبيانغ حذرًا شديدًا في الإجابة، خشية إثارة أي جدال. وأشار إلى أنه لا يعتقد أنه سيستمر بالحقل الكروي بعد الاعتزال. وقال: «بالتأكيد أحمل بداخلي رغبة في مساعدة الآخرين». هل يعني ذلك أنه قد يصبح سياسيًا؟ يبتسم أوبيانغ مجددًا: «بالنظر إلى ما أدرسه، بالطبع. لكنني بحاجة إلى 25 أو 30 عامًا أخرى».
بيدرو أوبيانغ: نصيحة أمي أنقذتني من المجهول
نجم وستهام ذو الأصول الغينية الذي ترعرع في إسبانيا وتعيش أسرته في إيطاليا يتذكر فضل والدته على مسيرته
بيدرو أوبيانغ: نصيحة أمي أنقذتني من المجهول
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة