أبو سنة: نحن بحاجة لثورة ثقافية تقودها الحرية

فاز بجائزة ملتقى القاهرة الدولي الرابع للشعر

الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة يتسلم جائزة ملتقى الشعر
الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة يتسلم جائزة ملتقى الشعر
TT

أبو سنة: نحن بحاجة لثورة ثقافية تقودها الحرية

الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة يتسلم جائزة ملتقى الشعر
الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة يتسلم جائزة ملتقى الشعر

فاز الشعر المصري محمد إبراهيم أبو سنة بجائزة ملتقى القاهرة الدولي الرابع للشعر، التي أثارت قبل وبعد إعلانها جدلا كبيرا في أوساط الشعراء المصريين والعرب وسط اتهامات بهيمنة جيل الستينات على المشهد الشعري. وقدم أبو سنة منذ ديوانه الأول «قلبي وغازلة الثوب الأزرق 1965» نموذجا للشاعر الملتزم بقضايا الإنسانية، وتجلت في قصائده منذ البداية هموم ابن القرية وصراعه مع المدينة. التقينا الشاعر بعد فوزه، وكان هذا الحوار حول الشعر وإشكالياته وقضاياه التي تشغله.
تحدث أبو سنة أولاً عما تمثله جائزة الملتقى أمام رصيده الكبير من الجوائز، قائلاً: «للجائزة قيمة معنوية كبيرة جدا تفوق قيمتها المادية لأنها جاءت بناء على ترشيح لجنة تحكيم تضم صفوة النقاد والأدباء في العالم العربي، لذا أفخر بها كإضافة لتاريخي الشعري». وحول الجدل الذي صاحب الملتقى والجائزة، قال: «في كل دورة من دورات الملتقى يسود نوع من الجدل وقد اعتدنا على مثل هذه (الأغاليط) و(الأقاويل) التي تصدر عن فريق يتبنى فكرة الرفض لكل ما هو تابع للدولة أو للجيل الأكبر في الساحة الشعرية». وبسؤاله عن تعاطيه مع الاتهامات بهيمنة جيل الستينات على المشهد الشعري، قال: «في الحقيقة هذا الاتهام مقبول ومرفوض؛ مقبول لأنه من طبائع الأشياء وجود تدرج الأعمار والخبرات، ومرفوض لأنه لا يمثل إنصافا للواقع الشعري. وبالنسبة للملتقى لم تكن هناك هيمنة؛ بل ستجدين شعراء ونقادًا شبابًا إلى جوار آخرين من جيلي الستينات والسبعينات سواء في اللجنة العلمية أو لجنة التحكيم أو من المشاركين».
أما عن رؤيته حول إشكالية الشعر والتلقي في زمن «الفضاء الافتراضي»، فقال: «فعلا هي إشكالية لأن هذه الأجهزة ليس باليسير أن يتعاطى معها جيلي على الأقل، وأجدها تجعل من تلقي الشعر فعلا فرديا، يقوم به الشاعر وحده في غيبة عن الوجدان الجماعي، هذه المجتمعات الافتراضية لا تعطي مجالا للتعاطي مع هذه الأعمال بشكل مؤثر، فضلا عن غياب حركة نقدية واضحة المعالم لهذا الطوفان من الكتابات الشعرية التي لم يصل بعضها للرأي العام، عموما ما زلت أومن أن إلقاء الشعر يحتاج لتبادل القصائد والرسائل في ظل وجود جماهيري أو جمعًا من المتلقين».
يرى أبو سنة الحركة الشعرية الآن ككتلة جليدية غاطسة في البحر، مطالبا بجعل الشعر «فعلا جماهيريا» على نطاق الأمسيات والمهرجانات واللقاءات؛ لأن «اللقاءات المشتركة تنشر أحاسيس مشتركة» تجعل الشاعر يتغلب على الجوانب السلبية في قصائده ويعطي المزيد؛ لأن النضج الإبداعي يحتاج «وجدانا جماعيا» وقراءات واطلاعا على تجارب الآخرين. فالتحقق والتواصل يصنع الخبرة الداخلية والموهبة وبالتالي شكل القصيدة. واستعاد أبو سنة ذكرياته و«طريقه إلى الشعر» فالشعر عنده «الحب. كلاهما سعي حميم لعناق العالم. نهران من المشاعر الفياضة والعواطف المطلقة. وكلاهما تعبير بالغ الإنسانية عن ضرورة الجمال». ويضيف: «في بداياتي كنت أذهب لألقي قصائدي أمام أعضاء (رابطة الأدب الحديث) خجلت وقتها من أسلوبي العتيق المتأثر بالعصر العباسي، حيث كنت أنتقي الكلمات الجزلة وأنفر من اللغة السهلة، ثم وجدت منطقهم مقنعًا وشعرهم أكثر عصرية وفاعلية، فبدأت أطلع على الأدب الحديث والمعاصر لكن بدأت من الأدب القديم فقرأت الإلياذة وهوميروس والكوميديا الإلهية ثم انتقلت لشكسبير ومسرحياته وأظن أنني التهمتها كلها، وقرأت في الفلسفة وتعلقت بأشعار لوركا وأرجوان وإليوت وويتمان وفروست ونيرودا وآلان بو وبودلير، كما تعلقت بشعر نازك الملائكة التي أدين لها بالفضل في تحولي كلية للحداثة الشعرية، كما تأثرت بنزار قباني.. لكن الرومانتيكية الإنجليزية هي التي طبعت في وجداني وشكلت ملامح تجربتي الشعرية مع الصوفية الإسلامية».
ويتساءل أبو سنة حول مدى إشباع النشر الإلكتروني للقصائد للشعراء وهل يحرك وجدانهم أم لا، قائلا: «أنا على وجه التحديد لا أتلقى القصيدة إلا من خلال الصحيفة أو المجلة أو البرامج التلفزيونية والإذاعية، فمثل هذا التلقي يدفعني للتأمل وتذوق جماليات العمل الشعري ويجعلني موضوعيا في الحكم عليه، فلا بد من الاتصال الواعي».
لم ينضب الشعر عند أبو سنة، وكان آخر دواوينه «كأنما أتوا من الخيال» 2015، معبرا عن حالة مصر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني). فالشعر عنده لا يرتبط بزمن معين فـ«الشعر هو من يختار زمن ووقت كتابته، فالشاعر كما قلت في أحد حواراتي سابقا مع جهاد فاضل، مثله مثل الفلاح عليه أن يمهد الأرض بالحرث والماء ولا يملك الشاعر أن تنبت زهرة إلا إذا شاءت السماء، وكما قال طاغور: (هز البرعم ما شئت، أو اضربه، فلن تقدر على جعله زهرة، لأن ذلك فوق ما تستطيع)». ويستنكر أبو سنة حالة اللهاث وراء الجوائز الأدبية، لكنه ليس ضد الجوائز، بل يراها تحفز الشعراء الذين يتجهون للبحث عن قيم الجمال والحرية والارتقاء باللغة على مزيد من النضج الإبداعي، قائلا: «نحتاج لثورة ثقافية تبجل القيم والمبادئ وتضع أسسًا جديدة للإبداع العربي وتخلصه من التعصب والجمود.. نحن بحاجة لثورة طليعية تتجاوز المرحلة التي نعيشها، نحتاج لمواهب كبيرة مقنعة تصمد أمام العراقيل والأعداء وتغير المناخ الإبداعي. الحياة الثقافية الآن مليئة بالصراعات البعيدة عن الإبداع.. من يكتبون القصيدة الجيدة يتوارون بعيدًا عن الصراعات تاركين الساحة للإبداع القبيح.. نحن بحاجة لثورة ثقافية تقودها الحرية».



«الأقلمة» و«العبور»... كتابان جديدان لنادية هناوي

«الأقلمة» و«العبور»... كتابان جديدان لنادية هناوي
TT

«الأقلمة» و«العبور»... كتابان جديدان لنادية هناوي

«الأقلمة» و«العبور»... كتابان جديدان لنادية هناوي

عن مؤسسة أبجد للنشر والترجمة والتوزيع صدر حديثاً كتاب «أقلمة سرد الحيوان» للدكتورة نادية هناوي ويأتي استكمالاً لمشروعها في «الأقلمة السردية»، وكانت قد بدأته بكتابها «أقلمة المرويات التراثية» وأتبعته بكتابين هما «الأقلمة السردية من العصور الوسطى حتى القرن التاسع عشر» و«الأقلمة السردية: مخابرها الغربية - مناشئها الشرقية».

ويدور كتاب «أقلمة سرد الحيوان» في إطار النظرية السردية وما يجري في العالم من تطور في مجال دراسات الأقلمة، بغية الإفادة منها في دراسة تراث السرد العربي بكل ما فيه من نظم وتقاليد وأساليب وتقنيات، ترسيخاً لدوره التأصيلي في السرد الحديث والمعاصر، وتدليلاً على عالميته التي ترى المؤلفة أنها قد «حجبت بستر التبعية، بكل ما في الاتباع من تقريع الذات ودفن قابلياتها والتشكيك في قدراتها».

ويدخل هذا النوع من الدراسات في إطار نزعة ما بعد الإنسان التي ساهم بعض المفكرين والنقاد في تعزيزها. وممن تناولهم الكتاب بالدراسة الفيلسوف جاك دريدا بمقالته «الحيوان الذي أكون» وفيها رأى أن الحيوان يملك وجوداً متجانساً ومتناغماً مثلنا، وأن الملايين من الكائنات الأخرى تتطلب منا أن نبدأ في التعامل معها بجدية. واستعاد دريدا ما قاله ميشال دي مونتيني (1533 - 1592) حين كتب اعتذاراً إلى ريموند سيبوند، متسائلاً عن علاقته بقطته. فالقطة كيان حقيقي وتحديقها فيه تأمل وله معنى. أما جان فرنسوا ليوتار فطرح أسئلة كثيرة حول علم الأجناس وما هو غير إنساني وتساءل: «ماذا لو كان البشر بذاك الإدراك الحسي الإنساني في عملية إكراهية لتحويلهم إلى غير البشر؟ ماذا لو كان ما نعرف أنه مناسب للبشر قد أصبح ملائماً لغير البشر؟». ومن جهته افترض فرانسيس فوكوياما في كتابه «مستقبلنا ما بعد البشري» أن الإنسان في أصل تكوينه حيوان ثقافي، ومن المستحيل أن نتحدث عن حقوق الإنسان، وبالتالي عن العدالة والسياسة والفضيلة بصورة أكثر عمومية من دون أن يكون لدينا مفهوم ما عن ماهية البشر كنوع حي. فالبشر أحرار في صوغ سلوكياتهم الخاصة لأنهم حيوانات ثقافية قادرة على تعديل الذات، ومثلما أن الحيوانات تتصارع من أجل البقاء والاعتراف بالغلبة فكذلك البشر يتصارعون.

وتؤكد المؤلفة أن تبني المدرسة الأنجلوأميركية لنزعة ما بعد الإنسان، هو الذي وسّع مدارات علوم السرد ما بعد الكلاسيكية باتجاهات بشرية وغير بشرية، ويعد علم سرد الحيوان واحداً من تلك العلوم المستجدة وميداناً بحثياً يُختبر فيه كل ما هو نظري وإجرائي له صلة بعلاقة الإنسان بالحيوان من جهة ويتقارب أو يتداخل من جهة أخرى مع ميادين علمية أخرى، لعل أهمها علم البيئة من ناحية ما للإنسان من دور رئيس في دمار الطبيعة وتهديد نظامها الإحيائي النباتي والحيواني. ويساهم في ذلك كله ظهور جمعيات ومنظمات تدافع عن البيئة وتدعو إلى الرفق بالحيوان.

في السياق نفسه، صدر حديثاً عن المؤسسة نفسها كتاب آخر للدكتورة نادية هناوي بعنوان «العبور الأجناسي: الأشكال - الأنواع - القضايا»، ويعد الكتاب السادس فيما بحثته المؤلفة في هذه النظرية من قضايا وتفريعات بعد كتبها «نحو نظرية عابرة للأجناس» 2019 و«الطائر المكدود في البحث عن اليقين المفقود لعبد الرحمن طهمازي» 2021 و«غاليانو صياد الكلام والعبور الأجناسي» 2022 و«قصيدة النثر العابرة في مطولات الشاعر منصف الوهايبي» 2024 و«السونيت في شعر حسب الشيخ جعفر» 2023.