علي سالم: صناعة المسرح بالسعودية تجاوزت مفهوم المتشددين

يرى أن عملا مشتركا {سعوديا} ـ {عربيا} سيكون البديل الأفضل للأعمال الأجنبية

علي سالم: صناعة المسرح بالسعودية تجاوزت مفهوم المتشددين
TT

علي سالم: صناعة المسرح بالسعودية تجاوزت مفهوم المتشددين

علي سالم: صناعة المسرح بالسعودية تجاوزت مفهوم المتشددين

* الشباب في السعودية خاصة والدول الخليجية عامة يعملون بالفعل المضارع.. فهم يوجدون في الساحة الآن.. بمعنى أن حكاية الفخر بالماضي لم يعد لها وجود وهم يلعبون حاليا دورا مهما للغاية في مكافحة الأفكار المتطرفة والإرهاب بشكل واضح
* من الممكن سعودة عروض ومسرحيات ونصوص عالمية.. فقط المطلوب أن تنشط «جمعية الثقافة والفنون» وتضاعف جهدها لبدء العمل في هذا الاتجاه بعد ذلك

اكتشف علي سالم، الكاتب المسرحي والسيناريست المصري، المسرح السعودي في عام 1977، وقدم من خلاله الإعلامي داود الشريان والمخرج عبد الله المحيسن وآخرين. ويرى مؤلف مسرحية «مدرسة المشاغبين»، لو أن هناك عملا مسرحيا مشتركا سعوديا - عربيا، فسيكون هو البديل الأفضل لأعمال أجنبية، وأضاف: «فقط المطلوب أن تنشط جمعية الثقافة والفنون وتضاعف جهدها لبدء العمل في هذا الاتجاه».
وعلاقة سالم بالتمثيل بدأت بعروض ارتجالية بمسقط رأسه مدينة دمياط، في خمسينات القرن الماضي، وعمل بعدة فرق صغيرة، قبل أن يعين في مسرح العرائس ويتولى مسؤولية فرقة المدارس ثم فرقة الفلاحين، لتنطلق مسيرته الفنية بعد ذلك ويكتب أكثر من 40 مسرحية و15 كتابا ورواية.
هنا حوار مع علي سالم أجري عبر الهاتف، ويركز على تجربته مع المسرح السعودي:
* كانت لك علاقة قوية بالمسرح السعودي.. حدثنا عنها.
- علمت لأول مرة أن هناك شركة إنتاج فني في السعودية في عام 1977، إذ جاء شخص إلى القاهرة والتقى بمجموعة من الناس المتميزين، وكان من بينهم الراحل عبد الله قاسم من الإذاعة المصرية «صوت العرب»، ومصطفى سليمان (مهندس صوت)، وعبد الفتاح التهامي (مهندس أجهزة إلكترونية)، ويوسف عثمان وهو من التلفزيون المصري الذي أصبح نقيبا ومسؤولا عن الإنتاج في ما بعد، بالإضافة إلى بعض الأجانب من بينهم مخرج ومصور من كندا اسمه جون كيلي. بدأنا محاولة اكتشاف شباب جديد يهوى التمثيل، وكان من الطبيعي أن نبدأ بالتمثيليات الإذاعية، فتعرف عبد الله قاسم - رحمه الله - على بعض المؤلفين السعوديين منهم عبد الرحمن بن عقيل وأسماء أخرى من الكتاب، فدفعهم لكتابة حلقات مثّل فيها مجموعة من الشباب من بينهم داود الشريان. وفي تلك الفترة كان بعضهم مسافرا للكويت وكان وقتها المسرح العالمي في الكويت يصدر مسرحيات عالمية بشكل جميل ويلم أطراف المسرح في العالم كله. وأذكر أن شابا ملأ سيارته بكل تلك المسرحيات وجاء بها من الكويت، غير أنه كان من الصعوبة بمكان في ذلك الزمان الحديث عن المسرح، باعتباره يلهي الإنسان عن واجباته الدينية. وكنت وأنا في رحلة علاج في السعودية قد لاحظت أن هناك تجمعات لعدد من المسرحيين الذين لديهم رغبة قوية جدا في الإنتاج المسرحي، وكنت أيضا ألاحظ أشياء مثلا كمسرحية منوغراما عن «هاملت»، ووجدت نفسي أضع الناس في مناخ مسرحي كبير جدا من خلال عروض عن المسرح العالمي الشكسبيري ومسرح فولتير، ثم بدأت المسابقات في المسرحية على مستوى العروض والتأليف.
* وكيف كانت أجواء المسرح في ذلك الوقت في الرياض؟
- هناك أشياء بسيطة للغاية منها «غرفة الدراما»، بمعنى أن أحدا يؤلف مسرحية وحتى نحكم عليها لا بد أن يكون هناك عدد كبير من المسرحيين من هواة المسرح يتجمعون في حديقة أو بيت أو غرفة واسعة، لتقرأ عليهم قراءة درامية. ويحضرني هنا أنني كنت قد قدمت في الشهر الماضي قراءة مسرحية قديمة بعنوان «انت اللي قتلت الوحش»، وسأقدم قراءة عن مسرحية أخرى باللغة الإنجليزية، وأستطيع القول إنه من الممكن وبكل سهولة وبمنتهى الجمال أن يجرب الشباب القراءة المسرحية على زملائهم في الجمعيات.
* ولكن يلاحظ أن البداية كانت بالمسرح العالمي.
- ليس من العيب أن نبدأ بالمسرح العالمي لأنه يعطي أكبر قدر من التمثيل الجيد، ولو أننا قمنا بعمل مسرحي مشترك عربي - سعودي فسيكون هو الأفضل من أعمال أجنبية ولا بد أن نمر من خلال هذا الطريق، إذ إن الكوميديا المصرية اعتمدت اعتمادا كليا على المسرح الكوميدي الفرنسي، وكانت عمليات التمصير راقية إلى درجة كبيرة جدا، على أيدي رواد مثل الريحاني ومديح خيري.. هذا ليس عيبا. ومن هنا من الممكن سعودة عروض ومسرحيات ونصوص عالمية.. فقط المطلوب أن تنشط جمعية الثقافة والفنون وتضاعف جهدها لبدء العمل في هذا الاتجاه بعد ذلك.
* على ذكر داود الشريان.. كيف تصف لنا شخصيته المسرحية قبل الإعلامية؟
- داود المسرحي كان شابا صغيرا متحمسا جدا وموهوبا جدا، وإلى حد ما مشاغبا أيضا. وأجمل ما يميزه ويميز الشباب السعودي والشابات السعوديات عامة، أنهم ليسوا ثائرين ولكنهم إصلاحيون، إذ هم ليسوا من أنصار الفوضى، ولا تتعدى غضبتهم الوصول إلى إصلاح ما، وليس الهجوم على أحد. ولذلك عندما ألتقي بعض الصحافيين منهم أقول لهم إنكم تملكون ثروة حقيقية من الكتاب الإصلاحيين، ولا أزال أذكر أنني عندما أزور الرياض ألتقي مع بعضهم ممن كنت التقيتهم في سبعينات القرن الماضي، فكنت ألتقي عبد الله المحيسن، وغيره.
* وعلى ذكر عبد الله المحيسن.. هلا قدمت قراءة عنه؟
- عبد الله المحيسن أول شاب سعودي يعمل فيلما عن بيروت وعما حدث فيها، باسم «اغتيال مدينة»، ولكن ملحوظتي الشخصية على المحيسن، ولعله كان على حق فيها، أنه كان خائفا من المتطرفين ونحن وقتها لم نكن مصدقين أنها مسألة الخوف، إلا بعد أيام من التجربة عرفنا أن العمل في الفن في وجودهم، وفي سطوتهم، أمر ليس سهلا. لا أعرف في أي اتجاه تطور المحيسن، ولكن أعلم أنه أخرج فيلما روائيا طويلا، غير أنه لم يكن له حظ وافر، إذ إن الأعمال الفنية كالبشر لها حظوظ، وعلى كل حال لا أزال على صلة به حتى الآن.
* يلاحظ حاليا ثورة في الأفلام الخليجية.. كيف تقرأ ذلك؟
- أنا أقرأ ذلك بشكل أشمل، فالسعودية خاصة والدول الخليجية عامة يعملون بالفعل المضارع، فهم يوجدون في الساحة الآن، بمعنى أن حكاية أن يفخروا بالماضي لم يعد لها وجود في الساحة السياسية السعودية ولا الإماراتية، إذ يلعبون حاليا دورا مهما للغاية في مكافحة الأفكار المتطرفة والإرهاب بشكل واضح، ومن شأن ذلك صناعة الفن لأنه من أعظم حقوق الإنسان، والتعبير عن نفسه وصناعة البهجة، والمواطن السعودي في كامل جاهزيته لتلقي البهجة.
* ظهرت مسألة التسويق للأفلام القصيرة في الخليج.. في رأيك إلى أي مدى يؤثر ذلك في إثراء الحس الفني في المجتمع؟
- على المحطات التلفزيونية أن تشجعها وبغير مجاملة حتى يكون هناك سوق موازية لأعمال غير جيدة، وإنما أعتقد أن المحطات التلفزيونية في الخليج، وفي السعودية خاصة، يمكن الاعتماد عليها، بل هي مصدر لتمويل هذه الأعمال. وأكثر من ذلك، يمكن من خلال الدخول في مشاريع مشتركة مع محطات فرنسية - أميركية أن يتحرك الفنان ليس بوصفه فنانا محليا ولكن عالميا. وفي الوقت نفسه سيكون له القدرة على التعامل والتعاون مع الآخرين في الغرب الأوروبي، وهذا مهم جدا لأنه في نهاية الأمر لسنا بأقل من الآخرين، إذ بإمكاننا أن نعطيهم بقدر ما نأخذ منهم، ومن ثم الدخول معهم في ساحة المنافسة.
* كيف يمكن تطوير حركة المسرح؟
- يبدأ ذلك من تشجيع الشركات المنتجة على إنتاج أعمال مسرحية أجنبية في البداية، وهذا مهم جدا، وعمل مسابقات ومن ثم بيعها للتلفزيونات لتشتري الأعمال الجيدة منها، وأيضا من السهل للغاية التعاون بشكل مباشر مع المجالس والمسارح البريطانية والفرنسية مثلا، كابتعاث مخرج لمشاركة خبراء ومن ثم التمرس مسرحيا، وبالتالي يستفيد منه الشباب، وخاصة أن شباب اليوم ليس لديهم عقدة «احتلال» أو «استعمار»، «زي حالتنا». ليس لديهم خوف لا من الفرنسيين ولا من الإنجليز ولا من الألمان ولا من الأميركان على سبيل المثال، بل من الممكن جدا في البدايات التعاون مع مثل هذه الدول مع تحمل تكاليف الإخراج والديكور على أن تتحمل الفرقة المسرحية السعودية بعض التكاليف بمساعدة شركات.
* على المستوى الشخصي.. ما السر في انتقالك من المسرح إلى الكتابة الصحافية؟
- أنا من مواليد 1936، وأعمل منذ 46 سنة، منذ العاشرة من عمري، إذ إنني تربيت في مدينة يعمل فيها الأطفال، وهي دمياط، بمعنى أنك تخرج من المدرسة إلى البيت ومنه إلى المزرعة أو الورشة، وأنت مهدد طوال الوقت أنك إذا فشلت في المدرسة فسوف يستمر بك الحال في الورشة.. يعني هناك مراحل عديدة في حياتي، مرحلة الفقرات الضاحكة الفكاهية، وبعد ذلك مرحلة المسرح والتأليف المسرحي، وحاليا الكتابة الصحافية حيث أكتب في جريدة «الشرق الأوسط» وجريدة «المصري اليوم». أما في ما يتعلق بسؤالك إن كنت أتوقع في يوم من الأيام أن أكتب في الصحافة، فيحفزني ويفكرني برحلة طويلة مضحكة جدا. وساعات أقول لنفسي: «ما هو أنا في الستينات، وأحول الصفحة إلى خشبة مسرح». أنا أحب البهجة وأرجو أن أكون قد أديت واجبي، إذ جاءت عليّ لحظات أثناء مرضي، أحسست بفزعة، ثم تساءلت بيني وبين نفسي، فأجبت أنه لا يوجد في حياتي ما أخجل منه أو بسببه، فقد أديت واجبي. يعالجني الآن طبيبان عبقريان، السعودي شوقي بزرباشي والمصري حمدي عبد العظيم، وبجانب عبقريتهما فهما أصدقاء في الوقت نفسه. حمدي عبد العظيم قال لي «انت ما حتنكسف فوق أو تحت الأرض»، لأنك تؤدي واجبك فعلا، وأنا أرجو أن أتمكن من إبهاج الناس وأدلهم على الصحيح من الأمور حتى اللحظات الأخيرة.
* ماذا بقي من ذكرياتك ومحطات في مسيرتك، خاصة محطة الفنان الراحل أحمد زكي؟
- أنا عرفت الفنان الراحل أحمد زكي في عام 1971، حين عمل معنا في «مدرسة المشاغبين»، ولكن شاهدته قبل ذلك بعام على المسرح القومي حيث أتى به الراحل سعد أردش ليلعب دورا في مسرحية لمؤلفها ألفريد فرج، وهي «النار والزيتون»، فكان قد لفت نظري من حينها بقوة، إذ كان يلعب دور ضابط يحقق معه في مذبحة «كفر قاسم»، ووجه لي كمحقق أسئلة كثيرة ومتعددة وكان يجيد كلمة «نعم» لـ14 مرة، وفي كل مرة ينطقها بشكل مختلف، ثم شاهدته بعد ذلك في بعض العروض الكوميدية ثم اختير ليلعب دور أحمد الشاعر في «مدرسة المشاغبين»، وبعد ذلك استمرت علاقتنا على مستوى السينما والأفلام التي كنت أقدمها وكنت أساعده أحيانا ببعض الإضافات إلى أن توفاه الله، وحينها ترك فراغا رهيبا في داخلي وفي داخل الحركة السينمائية بكل ما تعنيه كلمة فراغ.



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.