مالك شبل.. الإسلام دين معانق للحياة

رحل بصمت في فرنسا مخلفًا أكثر من ثلاثين كتابًا

مالك شبل
مالك شبل
TT

مالك شبل.. الإسلام دين معانق للحياة

مالك شبل
مالك شبل

في الثاني عشر من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رحل المفكر الإسلامي مالك شبل عن عمر ناهز الثلاث والستين سنة بعد معاناة شديدة من مرض السرطان، ودفن في مسقط رأسه في مدينة سكيكدة الجزائرية، التي ولد فيها في 23 أبريل (نيسان) 1953.
ويعد مالك شبل أحد أبرز المفكرين المسلمين في فرنسا الذين اختصوا بدراسة الأديان، لكن ما ميزه عن الآخرين أفكاره التي تدعو إلى ما وصفه بـ«الحداثة الإسلامية»، و«إسلام التنوير». وهو من أكثر الباحثين الحائزين على شهادات علمية (دكتوراة في علم النفس السريري، ودكتوراة في علم الأجناس والإنتروبولوجيا، ودكتوراة في العلوم السياسية وجميعها من الجامعات الباريسية)، وتم تعيينه أستاذا مشرفا في السوربون، وأستاذا محاضرا في عدة جامعات عالمية.
أثار الشبل حوله موجة عريضة من المؤيدين لأفكاره، وبخاصة بعد الهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا وبلجيكا بالتحديد، لا سيما أن الدولتين المذكورتين تضمان نسبة كبيرة من مسلمي المغرب العربي الذين باتوا محط نظرات مشككة بولائهم لوطن المهجر، حتى إن البعض لا يخفي رغبته بترحيل كثير منهم إلى بلدانهم الأصلية. ومن هذا المنطلق تأتي أهمية مالك شبل الذي حاول في جميع أعماله الكثيرة أن يقدم صورة مغايرة للإسلام لكونه إسلام تنوير وليس إسلام إرهاب، وقد شن هجمة قوية على الفكر التكفيري وقام بتفنيده، وتفكيك خطابه عبر إبراز روح وجوهر الإسلام والنص القرآني، ودعا إلى ما أسماه بـ«الإسلام العصري» إسلام القيم التحررية من الظلامية، والتخلف، والتطرف. لقد ركز بشكل خاص على الوجه المشرق والحي من الإسلام بصفته دينا معانقا للحياة، في طروحاته الجريئة، داعيا إلى تفنيد بعض المحرمات التي لا نص فيها في القرآن أو الحديث، هذه المحرمات التي ما زالت تعشش في المجتمعات العربية الإسلامية. وكان من أوائل من تناول مواضيع من الصعب الخوض فيها لمدى حساسيتها، مما أثار حوله جدلا كبيرا وانتقادات واسعة من قبل معارضيه.
لم يخف شبل خشيته من سياسة الغرب، الذي يتهمه أيضا بعمله الدؤوب كي يظهر الإسلام بصورة بشعة، والعرب بهيئة متخلفة، جاهدا بوسائله المختلفة كي يبقي المجتمعات العربية متخلفة تدور في حلقة مفرغة. كانت دعواته في أكثر من محفل وأكثر من مؤلف للعرب والمسلمين، تحض على الوحدة والتآزر ونبذ الخلافات الطائفية، وأن يعتصموا بحبل إسلام عصري متنور بعيد عن كل ما هو تطرف ومغالاة، وكان من أشد الداعين إلى الحوار بين الحضارات والأديان. في فكره التنويري اعتمد بشكل أساسي على طروحات كبار المفكرين والإصلاحيين المسلمين من أمثال ابن رشد، والفارابي، ومصلحي القرن العشرين كالشيخ محمد عبده، ومحمد إقبال وسواهما ممن ساهموا في مشروع النهضة العربية والإسلامية.
لقد ساهمت أعماله الكثيرة في الغوص في عمق الإسلام ليقدم نظرية علمية مرفقة بكل الشواهد والإثباتات على أن الإسلام دين عقل ودين عمل، دين تحرري يناهض العبودية، في مؤلفه «الإسلام لغير العارفين» قدم خدمة كبيرة لكل هؤلاء الذين تصلهم الصور المشوهة للإسلام عبر وسائل الإعلام، وبعض الدعاة المناهضين له.
ترك شبل وراءه مكتبة غنية ومتعددة الأوجه، فمؤلفاته اليوم تملأ المكتبات الفرنسية بشكل خاص، والأوروبية بشكل عام. فهذا العالم قام بتأليف أكثر من ثلاثين كتابا (جميعها باللغة الفرنسية) تتناول جوانب كثيرة للثقافة العربية الإسلامية. أهمها، على سبيل المثال لا الحصر، «أبناء إبراهيم مسلمون، ومسيحيون، ويهود»، و«قاموس الرموز الإسلامية» وغيرها. ومن أعماله المميزة ترجمة القرآن الكريم إلى الفرنسية، وهي ترجمة تعتمد على المعنى الحقيقي للآيات وليس الترجمة الحرفية للكلمات.



مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.