مهرجان دبي السينمائي الدولي يعود بقوة

تضم دورته الجديدة أفلاما من نحو 57 دولة

«الاختيار» لإيمان السيد في مسابقة المهر الإماراتي
«الاختيار» لإيمان السيد في مسابقة المهر الإماراتي
TT

مهرجان دبي السينمائي الدولي يعود بقوة

«الاختيار» لإيمان السيد في مسابقة المهر الإماراتي
«الاختيار» لإيمان السيد في مسابقة المهر الإماراتي

من الصعب أن يجد الناقد، أو أي متابع آخر، ما يعكر صفو العلاقة بينه وبين ما يعرضه مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي ينطلق في السابع من هذا الشهر وحتى الرابع عشر منه. في دورته الثالثة عشرة، يعود المهرجان بالقوّة ذاتها وبالزخم نفسه وبالقدر المعتاد من البذل في سبيل أن تأتي الدورة بلا شوائب أو، على الأقل، بلا شوائب تذكر.
على ذلك، ستجد هناك من ينتقد مسائل محددة تمناها ولم يحصل عليها أو وجدها على غير ما يشتهي لأي سبب كان. لكن الغالب في مثل هذه الانتقادات أنها وجهات نظر تواجهها وجهات نظر تختلف عنها وتنتمي إلى إدارة لديها الآن الكثير من الخبرة وأعلى قدرة من التصميم على مواصلة نجاح المهرجان بصورة وطيدة ومتواصلة.
ميزانية مهرجان دبي السينمائي الدولي (نحو 15 مليون دولار) لا تسمح له بارتكاب أخطاء، ليس لأنها شحيحة أو محجوبة أو لا تكفي، بل على العكس تمامًا. هي من الكبر إلى حد يصبح من الصعب معها تبرير خطأ يقع فيه المنظّـمون أو يتسبب فيه أحد المسؤولين أو العاملين.
* مراكز متقدمة
ذهبت تلك الأيام الأولى التي كان فيها القائمون على المهرجان يريدون إبهار العالم بالضيوف القادمين من هوليوود وبالبذخ الشديد وبكل الألوان الاحتفائية التي شكا منها البعض (ولو أنه اشترك فيها بكل ترحاب). اليوم، ومنذ العام 2007، هو أكثر جدية في خدمة توجهاته التي تضع السينما وثقافاتها في خدمة السينمائي وفي خدمة الجمهور معًا. قليلة هي المهرجانات العربية، صغيرة، متوسطة أو كبيرة، التي تستطيع الادعاء بأنها أنجزت أكثر مما أنجزه مهرجان دبي السينمائي في 12 دورة سابقة. في الواقع لا يوجد مهرجان عربي استحوذ على هذا العدد من النجاحات المتوالية على صعيد ما يعرضه وكيف يعرضه وينظّـمه. ولا يوجد منها ما خلا من الانتقادات التي طالت التنظيم أو طالت العروض أو الاهتمامات الرئيسية التي تولاها.
على صعيد عالمي، مهرجان دبي حتى العام الماضي كافأ القائمين عليه على أكثر من نحو. تبعًا لدراسة موقعه الفعلي كحدث سينمائي عالمي يتقدّم مهرجان دبي مهرجان فينيسيا في قائمة أكثر المهرجانات الدولية تبعًا لتأثيرها على الصناعة العالمية الإقليمية أو العالمية. في هذا الشأن هو في المركز الخامس بعد مهرجانات كان وبرلين وتورونتو وصندانس.
وهو الرابع تبعًا لأهميتها فنًا وثقافة بعد «كان» وفينيسيا وبرلين ومهرجان «أفلام جديدة- مخرجون جدد» (نيويورك).
وهو الخامس في قائمة أكثر المهرجانات الكبيرة تنظيمًا بعد برلين ولوكارنو وفينيسيا وكان. وحل ثامنًا نسبة لترتيب المهرجانات من حيث أهميتها العالمية. ثم الأول على قائمة أفضل المهرجانات العربية. وأخيرًا، هو الثاني بعد فينيسيا (وقبل «كان» و«برلين» و«صندانس») في قائمة أفضل المهرجانات الدولية الكبرى لجودة مسابقتها.
هذا من بين 50 مهرجانا دوليا تمتد من جنوب شرقي آسيا إلى الشمال الاسكندنافي ومن الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية إلى جنوب أوروبا وشمال أفريقيا، علمًا بأن عدد المهرجانات كافة يزيد اليوم عن 3800 مهرجان (يقدر البعض عددها بـ4000 مهرجان). عندنا في العالم العربي يبزغ فجر مهرجان جديد في كل سنة ولو أن معظمها يبقى مثل العملة التي يمكن الاستغناء عنها من دون أن يفتقدها أحد.
75 في المائة من مهرجانات العالم هي من نتاج العقدين الأول والثاني من القرن الحالي لكن من بينها 39 في المائة أقيمت مرّة واحدة وتوقفت. ونصف هذا العدد من المهرجانات يتخصص في الأفلام الطويلة ونصفها أيضًا لا تتجاوز مدّة إقامته سبعة أيام.
* وحيد مهرجانات المنطقة
للأسف اضطر مهرجان دبي لخفض عدد أيامه من عشرة أيام وأحد عشر يومًا في بعض الدورات إلى ثمانية أيام فقط. هذا كان تبعًا لقرار تقليص الميزانية وشد الحزام لكي يستطيع المهرجان مواصلة لعب دوره من دون وهن. قد لا يتبدى الفارق بقوّة لدى الجميع، لكن من حضر المهرجان منذ إنشائه (ولعب دورًا مهمًا فيه ذات حين) لا بد له أن يحسب أن من النتائج السلبية الأولى هي حشد الأفلام مكتظة أكثر مما كانت عليه في السابق ما يحد من قدرة الفرد على مشاهدة كل ما يريد مشاهدته.
القرار ذاته عالج مسابقاته فألغى بعضها (مسابقة المهر الآسيوي - الأفريقي) وضم بعضها إلى بعض وإن لم يؤثر ذلك على فاعليته إلا بالقدر المحدود. صحيح أن المسابقة الملغاة منحت دورات ما قبل العام الماضي زخمًا معنويًا ودعمًا لتوجهه العالمي، لكن الصحيح أيضًا أن الكثير من الأفلام الآسيوية أو الأفريقية وباقي الأعمال الآتية من حول العالم معروضة في أقسام مثل سينما العالم وسينما الأطفال.
شيء آخر حدث لمهرجان دبي في الأعوام الثلاثة الماضية وهي انسحاب منافسين صعبين من حوله هما مهرجان الدوحة ومهرجان أبوظبي. الأول تمتع بميزانية ضخمة لكنه افتقر إلى وجهة ثابتة قبل أن ينقسم إلى مهرجانين صغيرين، نسبيًا. والثاني تم صدور قرار بوقفه على حين غرّة وذلك بعد أن تطوّر وصلب عودًا في عاميه الأخيرين.
منح هذا التوقف مهرجان دبي فرصة العودة إلى حين كان فيه المهرجان الكبير الوحيد في منطقة الخليج (وخارجها). ومن اللافت أن المهرجان لم يتراجع تبعًا لعدم وجود منافسين له كما يحدث عادة في الكثير من الشؤون الفنية والإنتاجية.
هذا الموقع المنفرد جعل السينمائيين الإماراتيين والخليجيين والعرب يتسابقون لاحتلال أماكنهم في دورات المهرجان. بالنسبة إليهم، هو المهرجان العربي الأكبر والمهرجان العربي - العالمي الوحيد بالمعنى الصناعي للكلمة (وليس بمعنى تعدد مصادر الأفلام وهوياتها) ثم من ناحية أخرى يوفر جوائز كبيرة ماديا ومعنويًا.
* نماذج
أفلام هذه الدورة جاءت من نحو 57 دولة، هذا يتضمن الأفلام المسجلة في أكثر من مصدر واحد (وهو شأن بات معتمدًا من كل المهرجانات) من بينها 13 دولة عربية هي السعودية والبحرين والأردن والسودان والعراق والكويت وقطر وفلسطين والمغرب وتونس ولبنان ومصر وسوريا. بذلك تغيب اليمن وليبيا وعُـمان والجزائر لأسباب قد تعود إما لعدم وجود أفلام منتجة فيها هذا العام أو لعدم صلاحية ما تم إنتاجه للعرض.
تبقى المسابقة الواجهة الأساسية لكل مهرجان سينمائي وفي هذا الصدد فإن مسابقة المهر العربي، تلك التي تُـمنح لأفضل الأفلام والمواهب العربية، تحتوي على عدد جيد من الأعمال اللافتة. في الواقع، من يراجع مسابقة المهر العربي سيجد في عداده عشرات الأعمال الجيدة وما فوق المعبّـرة عن عقد ونصف من الإنجازات الثرية كيفما تناولتها وفحصتها فنًا ومضمونًا.
من بين أفلام المسابقة المعروضة هذه السنة الفيلم الروائي الأول للمخرج الأردني محمود المسّـاد «إنشالله استفدت»: كوميديا سوداء حول الرجل الذي يدخل السجن بسبب عملية نصب وفشل المحاولات التي قام بها ابن عمّـه لإخراجه. هذا الأخير ليس بريئًا من العمليات المشابهة وهو يتعرض بدوره لخدعة من تاجر آخر يسرق منه أجهزة كومبيوتر أراد بيعها له.
الفيلم المصري المتسابق أيضًا هو «أخضر يابس»: دراما اجتماعية يسردها المخرج محمد حمّـاد بإجادة متناهية حول وضع امرأة شابّـة تعيل شقيقتها الوحيدة ونفسها وسط ظروف معيشية صعبة.
من مصر أيضًا فيلم مجدي أحمد علي الجديد «مولانا» الذي سيحدث ضجّـة كبيرة حين عرضه كونه يواجه به التشتت الحاصل في المجتمع المصري حيال التأثيرات الناتجة عن التطرف والصراعات بين التيارين الإسلاميين المعتدل والمتطرّف.
وهناك عودة للمخرج المغربي حكيم بلعباس الذي شارك وفاز في دورات سابقة بفيلم عنوانه «عرق الشتا». بلعباس مخرجي تسجيلي في غالب ما حققه لكن فيلمه هذا يتيح له التمدد أكثر صوب الروائي. في جل أعماله تحدّث عن الناس الذين لا نعلم بوجودهم، أولئك المتوارون عن الأنظار بفعل طبيعة حياتهم في الأرياف والقرى أو لظروف قاسية أجبرتهم على حياة من الفقر والعوز.
ما سبق بعض ما سيعرضه المهرجان في مسابقته العربية، وهناك مسابقة مهمّـة أخرى هي تلك الخاصة بالسينما الإماراتية. وهي تضم أفلامًا جديدة لنايلة الخاجة («حيوان») ونجوم الغانم («عسل ومطر وغبار»). كلاهما باتا اليوم من الجيل السينمائي النسائي الأول للسينما الإماراتية. والمثير للملاحظة هنا أن الاندفاع الأنثوي صوب الإخراج يتواصل مع عدد جديد من الأسماء منها إيمان السيد التي تقدم فيلمها «الاختيار» وعائشة الزعابي التي تعود، في فيلمها الجديد «ليلة في تاكسي» إلى ثمانينات القرن الماضي. وثمة فيلم قصير للمخرجة شذى مسعود بعنوان «ممسوس» حول ثلاث شخصيات تعاني من حالات اكتئاب ونوبات ذعر.
لكن السينما الإماراتية، كما سيبرهن هذا المهرجان مرّة أخرى، ليس مسألة سينما أنثوية في مقابل سينما رجالية لكنها مسألة سينما إماراتية يغزوها اليوم عدد من المواهب المختلطة من الجنسين توفر عبر الأفلام الروائية والتسجيلية، القصيرة والطويلة، ما تحتاجه السينما الإماراتية من دعم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».