«سيناريوهات النعمة والنقمة» بعد ارتفاع النفط

على مدار العامين الماضيين، مثل تراجع أسعار النفط بنحو أكثر من 60 في المائة مع انخفاض أسعار الفائدة تراجعا تاريخيا سيناريو «مزدوج القيمة» بالنسبة إلى الأسواق والشركات والمستهلكين، فبينما كان انخفاض الأسعار بمثابة «نعمة» لجانب من هذه القطاعات، كان «نقمة» لأخرى. والآن، ومع التوصل إلى اتفاق بين المنتجين لخفض الإنتاج، ستشهد الأسواق كتابة سيناريوهات جديدة لانتهاء عصر التراجع الحاد في أسعار النفط، لكن هذه السيناريوهات تشمل توزيعا جديدا للأدوار بين المستفيدين والمتضررين.
وارتفعت أسعار النفط بنسب تجاوزت 13 في المائة بين عشية وضحاها بعد موافقة منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) على خفض الإنتاج للمرة الأولى منذ ثماني سنوات، وبخاصة أن «الصفقة» تشمل أيضا دولا غير أعضاء في «أوبك»، على رأسها روسيا، مما سيؤدي إلى خفض مجمل بالإنتاج النفطي يقدر بنحو 1.8 مليون برميل يوميا.
وارتفاع أسعار النفط سيضر كثيرين، ويعد خبرا سيئا لأسواق استهلاك غاز الولايات المتحدة المسال، لكون أسعاره مرتبطة بأسعار النفط، ومن بين أبرز تلك الأسواق اليابان.
لكن الجانب المطمئن في الأمر «قليلا» هو أنه من غير المتوقع أن تشهد أسعار الغاز الأميركي زيادة كبيرة في الوقت الراهن، وذلك بسبب ما يسمى «الغاز المصاحب» الذي يتم استخراجه مع النفط، والذي سيحجم المعروض منه من زيادة أسعار الغاز المسال. ومع الاستقرار النسبي لأسعار الغاز الأميركي، فلن تسمح تلك الأوضاع لمصدري الغاز المسال الآخرين، وعلى رأسهم روسيا، بتقديم الإمدادات إلى العالم بسعر تنافسي أكثر انخفاضا.
ومن جانبه، قال رئيس مجلس إدارة شركة جيرا اليابانية، أكبر مشتر للغاز الطبيعي المسال في العالم، إن خفض إنتاج النفط الذي أعلنته «أوبك» قد يؤثر سلبا على أسعار الغاز المسال إذا واصلت أسعار النفط الخام الصعود. في حين استفاد كبار مشتري الغاز المسال في اليابان - التي استحوذت على نحو ثلث الشحنات العالمية من هذا الوقود - من هبوط أسعار الخام منذ عام 2014؛ نظرا لارتباط كثير من عقود الغاز الطويلة الأجل بأسعار النفط.
ولطالما شكت اليابان ودول أخرى من بينها كوريا الجنوبية من ارتباط العقود الطويلة الأجل بالنفط، وتتغير ملامح هذا الارتباط في الوقت الذي تتدفق فيه إمدادات موارد جديدة على السوق، مثل الغاز الصخري الأميركي الذي عادة ما يتم تسعيره بناء على أسعار الغاز المنقول عبر الأنابيب؛ لكن كثيرا من العقود ما زال مرتبطا بالنفط.
ويلحق ارتفاع أسعار النفط ضررا شديدا بالمشترين، وخصوصا في اليابان بعد كارثة فوكوشيما النووية عام 2011، التي أسفرت عن إغلاق مفاعلات وأجبرتهم على اللجوء إلى الغاز المسال لتوليد الكهرباء.
* المستهلك الفرد
ويعد الخبر سيئا بالنسبة لسائقي المركبات، حيث ارتفعت أسعار الوقود بشكل مباشر في أعقاب ارتفاع أسعار النفط. ومن المتوقع أن ترتفع أسعار المستهلكين خلال الشهر الحالي.
ومع اتجاه سعر النفط نحو 60 دولارا للبرميل، فمن المتوقع أن ترتفع أسعار الوقود بنحو 10 سنتات لكل لتر.
* الطيران.. مسار عكس المنطق
ومع ارتفاع أسعار النفط، فإن الانعكاسات على قطاع الطيران قد تبدو «حمالة أوجه».. فوفقا للمنطق، فإن انخفاض أسعار النفط يعني انخفاضا كبيرا في نفقات التشغيل وزيادة في الأرباح.. لكن من جهة أخرى، فإن شركات الطيران التي تعتمد على عميل مناطق بارزة مثل الشرق الأوسط، تفضل أسعار نفط مرتفعة، لأن الأسعار المنخفضة تنعكس على المالية العامة لهذه الدول، وتقلص من حجم العملاء في الدرجات الفاخرة للطيران، بينما الانتعاش المالي للدول المنتجة للنفط يسفر عن معدلات إشغال أعلى لشركات الطيران العاملة في هذه المناطق. ومن بين الأسباب إضافة إلى ما سبق كان سوء الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية في كثير من دول العالم، وبخاصة في أوروبا، وأيضا الركود العالمي الذي أدى إلى تراجع كبير في حركات الإشغال على الطائرات، ولجوء الشرائح المتوسطة والمتدنية الأجور إلى الطيران العارض قليل التكاليف، وربما يكون الأخير هو المستفيد الأكبر من بين كل العاملين في قطاع الطيران من انخفاض أسعار النفط.. لكن الآن، فإن الخطوط الجوية العاملة يمكنها «تنفس الصعداء» جراء ارتفاع أسعار النفط؛ على خلاف المنطق.
أما المتضرر الأكبر هنا، فسيكون المستهلك أيضا، نتيجة أن الشركات تحمل الكلفة الزائدة من الوقود على تذاكر الطيران.. لكن ذلك ربما يستغرق بعضا من الوقت، لأن شركات الطيران لديها «رد فعل متأخر» لأي زيادة في الأسعار بفضل سياسة تدابير العزل، وكذلك نتيجة التعاقدات المسبقة، ما سيؤجل قليلا من مرحلة رفع الأسعار.
* السلع.. والمخاوف
وسيزيد ارتفاع أسعار النفط من الآثار التضخمية في ارتفاع أسعار خام الحديد والفحم، ومنه على نمو أقوى في الولايات المتحدة والصين والهند، وهو الأمر الذي ترغب فيه البنوك المركزية، لكن محللين يعتبرون أنه «تطور سلبي» في الوقت الراهن مع استمرار ما يدعو للقلق بشأن الانكماش والتضخم، فضلا عن المشكلات الجيوسياسية والسياسة الخارجية الأميركية.
وارتفعت أسهم شركات الطاقة في جميع أنحاء العالم بفضل اتفاق «أوبك»، لكن يبقى السؤال الآن هو إلى أي مدى سترتفع أسعار النفط على مدى الأيام المقبلة في ظل استعادة إنتاج النفط الصخري الأميركي في حال استقر الخام الأميركي فوق 50 دولارا للبرميل؟ فيما يظل من المؤكد أن أسعار النفط ستكافح بشكل ملحوظ للحفاظ على سعر يتذبذب ما بين 55 و60 دولارا في الفترة المقبلة.
* الأسواق المالية تنتعش
وصب الاتفاق النفطي في صالح المؤشرات الأميركية، لتسجل أرقاما قياسية جديدة وتشهد أفضل أداء شهري خلال العام منذ فوز دونالد ترامب بمقعد الرئاسة الأميركية. وقفز مؤشر داو جونز الصناعي مائة نقطة يوم الأربعاء الماضي، وقاد الارتفاعات في مؤشر ستاندرد آند بورز أسهم شركات الطاقة، لكن المؤشر أغلق منخفضا بنحو 0.25 في المائة، وبرزت أرباح صندوق SPDR الأشهر في قطاع الطاقة بما يقرب من 5.1 في المائة. وصعد مؤشر الدولار الأميركي بنحو 0.56 في المائة أمام سلة ست عملات رئيسية بعد مكاسب حادة بأسعار النفط، وانتزع الجنيه الإسترليني أداء جيدا على مدار اليومين الماضيين، ليسجل أعلى مستوياته في شهرين أمام الدولار الأميركي، في حين تراجع الين الياباني أمام الدولار، الأمر الذي رفع قيمة العائدات على الاستثمارات اليابانية في الخارج.
وارتفعت العائدات على الديون الأميركية إلى أرقام قياسية، لتسجل عائدات السندات الحكومية لمدة 10 سنوات ما نسبته 1.51 في المائة.. وعلى العكس، هبط سعر الذهب في المعاملات الفورية بنحو 1.25 في المائة، إلى مستوى 1173.46 دولار للأوقية في أواخر تعاملات السوق الأميركية يوم الأربعاء الماضي، بعد أن كان سجل أثناء الجلسة 1170.35 دولار للأوقية، وهو أدنى مستوى منذ الثامن من فبراير الماضي.
في حين تراجعت العقود الأميركية للذهب بنحو 1.4 في المائة، لتسجل عند التسوية 1170.80 دولار للأوقية، وأنهى المعدن الأصفر الشهر على خسائر تزيد على 8 في المائة، في أكبر هبوط لشهر واحد منذ يونيو (حزيران) 2013.