اتفاق بين المعارضة والروس في أنقرة لوقف القصف وخروج «فتح الشام»

الفصائل المسلحة تتجه لتشكيل «جيش حلب» تحت قيادة عسكرية موحدة

نازحون من حلب هربوا من عنف القصف يبيتون في مصنع على أطراف المدينة أمس (أ.ف.ب)
نازحون من حلب هربوا من عنف القصف يبيتون في مصنع على أطراف المدينة أمس (أ.ف.ب)
TT

اتفاق بين المعارضة والروس في أنقرة لوقف القصف وخروج «فتح الشام»

نازحون من حلب هربوا من عنف القصف يبيتون في مصنع على أطراف المدينة أمس (أ.ف.ب)
نازحون من حلب هربوا من عنف القصف يبيتون في مصنع على أطراف المدينة أمس (أ.ف.ب)

استضافت العاصمة التركية أنقرة، محادثات بين المعارضة السورية وموسكو، بحضور الجانب التركي، خصص لبحث تطورات الأحداث في حلب، والتوصل إلى وقف العمليات العسكرية في شرق المدينة، وأفادت المعلومات بأن المجتمعين أنجزوا اتفاقًا مبدئيًا، يقضي بخروج مقاتلي «جبهة فتح الشام» من شرق حلب، مقابل وقف القصف وفتح ممرات آمنة لانسحاب مقاتلي الجبهة إلى إدلب، وإدخال المساعدات إلى الأحياء المحاصرة. جاء ذلك في الوقت الذي اتفقت فيه المعارضة المسلحة، على تشكيل «جيش حلب» الذي يضم وحدات من الجيش الحر والفصائل الثورية، والعمل تحت قيادة موحدة، لمواجهة ما يجري في أحياء حلب الشرقية.
ويكتسب اجتماع أنقرة أهمية بالغة؛ لأن انعقاده يتزامن مع تصعيد عسكري غير مسبوق في حلب، حيث أعلن محمد الشامي، القيادي في حركة «أحرار الشام»، أن «الاجتماع الذي حصل في أنقرة، أمس، هو الثاني في خلال 24 ساعة». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن اللقاء «حضره 13 شخصًا يمثلون فصائل المعارضة، وممثلون للروس والأتراك، وغابت عنه فصائل المعارضة المدعومة أميركيًا، ولم يحضره أحد عن النظام السوري والإيرانيين».
وقال الشامي «لقد تم الاتفاق على خروج مقاتلي (فتح الشام) من حلب عبر ممرات إنسانية إلى إدلب، مقابل وقف القصف، والسماح بإدخال مساعدات إنسانية عبر معبر الكاستيلو بضمانة الحكومة التركية». وأوضح أن «هذا الاتفاق سيعرض على (فتح الشام) على أن نتلقى جوابها غدًا (اليوم) بهدف تنفيذه». وأكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، لـ«الشرق الأوسط»، صحة هذه المعلومات، وأشار إلى أن «هذه البنود طرحت وتم الاتفاق عليها، لكن تبقى العبرة في التنفيذ».
من جهته، أعلن عضو الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة أحمد رمضان، أن «تركيا حرصت على رعاية هذه المباحثات، بهدف وقف القصف والقتل المستمر الذي تتعرض له حلب، وسحب الذرائع التي تستند إليها روسيا بشأن ذلك، وفي المقدمة منها مسألة مقاتلي (فتح الشام)». وكشف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن أن الأتراك «طرحوا أفكارًا تتصل بوقف القصف كليًا، بما في ذلك هجمات الميليشيات الإيرانية، على أن يتم خروج ما بين 150 إلى 200 عنصر من (فتح الشام)، وتبقى حلب تحت إشراف المجلس المحلي ويتولى الجيش الحر حمايتها، ولا يسمح للميليشيات الإيرانية والتابعة للأسد بدخول حلب أو ضرب أهداف فيها». وقال رمضان «وافقت فصائل الثورة والجانب الروسي على ذلك، ولكن الأخير اشترط موافقة سلطة الأسد، وضمنًا الإيرانيين، حيث تم رفضها من طرفيهما واستمرا في الهجوم بغطاء روسي؛ مما يشير إلى عملية تبادل أدوار بين هذه الأطراف». وشكك المستشار القانوني للجيش السوري الحر، أسامة أبو زيد، في جدية الروس في التوصل إلى اتفاق ينهي دوامة العنف في حلب. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كل أفعال الروس تخالف أقوالهم، بدليل التناقض في كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أعلن دعم بلاده للتهدئة، ثم أعقبها بتصريح أكد فيه المضي في العمليات العسكرية في شرق حلب للقضاء على ما أسماها (الجماعات الإرهابية)». وأضاف: «من المؤسف أن أقصى ما يتخذه حلفاؤنا، محاولة إحالة مذبحة حلب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، في حين أن حليفة النظام (روسيا) ترسل الطائرات والمدمرات إلى سوريا».
وكانت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، نقلت عن المسؤول المحلي في حلب علي الشيخ عمر قوله إن «ممثلين عن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب، اتفقوا على تشكيل فريق للتفاوض مع موسكو سيتعين عليه بحث موضوع وقف الغارات». وأكد أن المفاوضات «تجري مع موسكو بشكل مباشر»، إلا أن ممثلين آخرين عن المعارضة لم يؤكدوا إجراء مثل هذه المفاوضات. وذكرت الصحيفة نقلاً عن مصادر في المعارضة السورية، أن «الجانبين الروسي والتركي يجريان الآن مباحثات دون الولايات المتحدة، وأن واشنطن لا تشارك في هذه المباحثات، وحتى لا تعلم ماذا يجري في أنقرة».
وتطرح تطورات الأحداث في حلب علامات استفهام عن الغياب الأميركي التام، وقدم عضو الائتلاف أحمد رمضان قراءة مختلفة لدور واشنطن، فلفت إلى أن «عدم حضور الجانب الأمريكي للنقاشات، لا يعني أنه غير متابع أو معني بها». وقال: «حسب معلوماتي، الأميركيون يدعمون الخطة ويأملون أن يتم إنجازها في أقرب وقت؛ لأن احتلال حلب من قبل ميليشيات إيران سيدفع بالأمور نحو الهاوية، وستكون له ارتدادات خطيرة داخل سوريا وفي المنطقة، بما في ذلك أمن الدول المتورطة في العدوان». ولاحظ رمضان أن «فرص تنفيذ اتفاق أنقرة على الأرض صعبة للغاية، بسبب تضارب المصالح وسعي المحتل الإيراني ومعه سلطة الأسد للحسم العسكري اعتقادا منهم أنه سيحسن وضعهم الداخلي».
أما بشأن المعلومات التي تحدثت عن انتشار «جيش حلب» لمواجهة تمدد النظام في الأحياء الشرقية لمدينة، فأكد أسامة أبو زيد أنه «أمام وجود ثغرة تنظيمية، جرى الاتفاق بين كل الفصائل لوضع كل الإمكانات تحت قيادة موحدة، تشمل كل من يلتزم بمبادئ الثورة». وقال: «نحن نقترب من الصيغة النهائية لهذا الاتفاق». وأشار المستشار القانوني للجيش الحر، إلى أنه «تم التوافق على انضمام كل تشكيلات الجيش الحر والفصائل الثورية الأخرى تحت لواء (جيش حلب)، الذي ستُعلن ولادته قريبًا جدًا».
من جهته، أعلن الباحث السوري المعارض أحمد أبازيد لـ«الشرق الأوسط»، أنه «تم إعلان التشكيل (جيش حلب) لكن لم يتم الإعلان عن تفاصيله بعد». لافتًا إلى أن مكوناته «هي ذاتها مكونات مجلس قيادة حلب الذي يضم فصائل المناطق المحاصرة». وعن مدى قدرة هذا التشكيل على أحداث تغيير في المعادلة العسكرية على الأرض، قال أبازيد «المعادلة العسكرية تتغير باستمرار، والثوار لديهم فاعلية أكبر في المعارك التي تدور في المباني حاليًا».
وعلى الرغم من التقدم الذي يحققه النظام وحلفاؤه في الأحياء الشرقية، رأى أحمد رمضان، أن «قراءة إيران وبشار الأسد لوضع حلب، قاصرة حتى الآن، فاحتلال حلب ليس بالصورة التي يتم تسويقها إعلاميًا، والأمر ليس في متناول اليد كما يعتقد الروس وحلفاؤهم»، مضيفًا أن «انسحاب الثوار من بعض الأحياء كان لأسباب تتعلق بالدفاع عن المناطق الاستراتيجية في المدينة، وحتى الآن لم تستطع ميليشيا الحرس الثوري وتوابعها التقدم في الجبهات المهمة، ومنها أحياء الشيخ سعيد والشعار، واضطرت إلى التقهقر، مخلفة خسائر كبيرة، وأعتقد أن توحيد الفصائل في حلب ضمن جيش موحد سيشكل خطوة مهمة لتعديل ميزان القوى، وتعزيز القدرة على الصمود ورد العدوان».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».