مؤتمر فتح «الحقيقي» ينطلق خلف الأبواب المغلقة الأكثر حراسة في فلسطين

تعارف ووشوشات و«نميمة» وغداء وعشاء في مقر الرئيس.. والأمن في كل مكان

الرئيس محمود عباس بين عدد من أعضاء المؤتمر السابع لـ«فتح» الذي استؤنفت جلساته اليوم خلف أبواب مغلقة (رويترز)
الرئيس محمود عباس بين عدد من أعضاء المؤتمر السابع لـ«فتح» الذي استؤنفت جلساته اليوم خلف أبواب مغلقة (رويترز)
TT

مؤتمر فتح «الحقيقي» ينطلق خلف الأبواب المغلقة الأكثر حراسة في فلسطين

الرئيس محمود عباس بين عدد من أعضاء المؤتمر السابع لـ«فتح» الذي استؤنفت جلساته اليوم خلف أبواب مغلقة (رويترز)
الرئيس محمود عباس بين عدد من أعضاء المؤتمر السابع لـ«فتح» الذي استؤنفت جلساته اليوم خلف أبواب مغلقة (رويترز)

مع إنهاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، القائد العام لحركة فتح، خطابه الطويل الذي ناهز 3 ساعات ليلة الأربعاء، يكون مؤتمر فتح السابع، قد انتقل من الضوء إلى الغرف السرية والمغلقة. وعمليا، يمكن القول إن جلسات المؤتمر الحقيقية بدأت أمس، خلف أبواب مغلقة ومحكمة الحراسة، في قاعة أحمد الشقيري في مقر الرئاسة في رام الله، وهو المقر الأكثر تأمينا في الضفة الغربية.
ولم تقتصر السرية التي يتبناها المؤتمر، على منع وسائل الإعلام من تغطية جلساته، ولكن أيضا منع كل شخص ليس من ضمن قائمة الـ1400 أعضاء المؤتمر، من التواجد، مهما علا شأنه أو قل، ومهما كانت جنسيته. وعليه فقد غادر جميع الضيوف العرب والأجانب، وانسحبت كل وسائل الإعلام، بما فيها الرسمية من قاعة الشقيري.
وناقش المؤتمر أمس، خلف الأبواب المغلقة تقارير اللجان. وقال الناطق باسم المؤتمر العام السابع، محمود أبو الهيجا: «إنه بدئ بإقرار جدول الأعمال، ثم جرى تشكيل لجنة للانتخابات الخاصة بالحركة، والتي ستجري في الأيام المقبلة، وجرى الترشح واختيار لجنة لإدارة الانتخابات من داخل المؤتمر». وأضاف أبو الهيجا: «إن أعضاء المؤتمر يستمعون لتقارير اللجنة المركزية لحركة فتح، وأهمهما التقرير الاقتصادي الذي قدمه محمد أشتية، وتطرق فيه لمعضلات الاقتصاد الفلسطيني وسبل تمكين الاقتصاد ليكون إنتاجيا، والمعضلات كانت كبيرة، والتقرير المالي، وهو تقرير يعرض لأول مرة وبالغ الأهمية، حيث تطرق لموازنات الحركة الشحيحة وموازنات المفوضيات المختلفة، والتقرير السياسي من عضو اللجنة المركزية صائب عريقات».
ومثل هذه النقاشات، التي يتخللها، في العادة، اتهامات وصراخ، هي التي تفرض السرية، إلى جانب الضرورات التي ترافق عملية الترشح والتصويت لانتخاب أعضاء جدد في اللجنة المركزية والمجلس الثوري. وعلى الرغم من أن مبدأ السرية معمول به في جميع مؤتمرات فتح السابقة، فإن الإجراءات الأمنية في المؤتمر الحالي، بدت كبيرة ومبالَغ بها إلى حد ما.
وقال أعضاء في المؤتمر لـ«الشرق الأوسط»، إنهم يمرون يوميا عبر بوابة إلكترونية فحصا روتينيا، وقد يخضعون لتفتيش شخصي، إذا ما تطلب ذلك، بعدما يسلمون جميع هواتفهم النقالة وأغراضهم، قبل الدخول إلى القاعة. ويضطر جميع أعضاء المؤتمر، إلى تسليم هواتفهم بغض النظر عن مناصبهم، إلى حرس الرئيس الخاص، ويمنع أي استخدام للأجهزة الإلكترونية في الداخل، كما يمنع التدخين والأكل والشرب.
وبحسب الأعضاء، فإن ذلك عائد لسببين: الأول، هو وجود الرئيس الفلسطيني الذي يمنع حرسه إدخال الهواتف في مكتبه أو أي قاعة يتواجد فيها، والثاني، هو الحفاظ على سرية المباحثات ومن أجل تنظيم أكثر للنقاشات.
ولجأ أعضاء كثر من المؤتمر، إلى إبقاء هواتفهم في سياراتهم في الخارج، تجنبا لعملية تسليمها وتسلمها التي تأخذ وقتا طويلا، خصوصا في حالة الرغبة في الخروج؛ إذ يجب أن ينتظر كل عضو في المؤتمر دوره من بين مئات آخرين.
وقال أحد الأعضاء لـ«الشرق الأوسط»: «نبقي الأجهزة في السيارات؛ تجنبا للأزمة وإجراءات أخرى معقدة».
وتبدأ جلسات المؤتمر الساعة العاشرة صباحا، ويجب على الأعضاء التواجد قبل نصف ساعة، على الأقل، في مقر الرئاسة لتنظيم دخولهم إلى القاعة، وتنتهي الجلسة الأولى الساعة الثالثة، فيما تبدأ الجلسة الثانية الساعة السادسة وتنتهي في العاشرة.
ويسمح للأعضاء بمغادرة مقر الرئاسة إلى فنادقهم بعد الجلسة الأولى، والعودة قبل الجلسة الثانية، لكن بعد تقديم وجبة غداء يصفها الأعضاء بالفاخرة.
أما بعد نهاية الجلسة الثانية، فيحصل الأعضاء على وجبة عشاء من ساندويتشات مختلفة (فلافل وشاورما).
وبخلاف ذلك، على أي عضو يشعر بأنه في حاجة إلى التدخين أو تناول مشروبات، مغادرة قاعة النقاشات إلى كافتيريا خاصة بمقر الرئاسة، تقدم المشروبات الغازية والماء والشاي والقهوة مجانا. وشجع هذا على إبقاء ما يعرفه الفتحاويون بـ«الكولسات»، وهي نوع من النميمة السياسية المحببة، التي يستغلها البعض لإجراء مباحثات جانبية، وعقد اتفاقيات غير معلنة، وحتى العمل ضد أعضاء آخرين إذا «لزم» الأمر. وقال عنها أحد أعضاء المؤتمر: «الكولسات والوشوشات جزء من العملية الانتخابية. إنها تملأ المكان». وأضاف: «أجمل ما في هذا المؤتمر، هو تجمع كل الكوادر الفتحاوية من كل العالم تحت سقف واحد، البعض يعرف البعض بالاسم، أو عبر الهاتف، أو من خلال (فيسبوك). التعارف الشخصي المباشر أخذ مساحة كبيرة من وقت المؤتمرين. وهذا طبعا لم يخل من كولسات».
ويفرض حجم المؤتمرين 1400، وحجم الأجهزة الأمنية التي تؤمن المكان، شيئا من الضغط، ليس على أجواء المؤتمر وحسب، بل على السكان القريبين من المقاطعة؛ إذ تغلق قوات حرس الرئيس ما يعرف بمثلث المقاطعة، وتمنع دخول المثلث إلا لحملة البطاقات التعريفية الخاصة بالمؤتمر السابع.
وخصصت الأجهزة الأمنية ساحة مقابلة للمقاطعة، تعرف بساحة الأمم لسيارات ووسائل نقل المؤتمرين. ويوجد حافلات خاصة لأعضاء المؤتمر الذين لا يملكون سيارات، ومهمتها نقل الأعضاء من الفنادق التي حجزت الرئاسة فيها غرفا فندقية لكل أعضاء المؤتمر باستثناء سكان رام الله، وإعادتهم إليها. وفي كل فندق، يوجد عناصر أمن دائمين من حرس الرئيس، كما يوجد في كل وسيلة نقل (حافلة) عنصر أمني لتأمين المؤتمرين.
وكانت الأجهزة الأمنية الفلسطينية وضعت خطة متكاملة لتأمين المؤتمر الذي يتوقع أن ينتهي السبت، بانتخاب لجنة مركزية جديدة، ومجلس ثوري.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.