«العدناني» رجل «داعش» الثاني اختبأ في سوريا لشهور قبل ان تصطاده «سي آي إيه»

كان أكثر اهتمامًا بأمنه وسلامته الشخصية.. وعمليات متواصلة لتعقب البغدادي

البغدادي زعيم «داعش».. (واشنطن بوست) - أبو محمد العدناني الرجل الثاني في تنظيم داعش الإرهابي
البغدادي زعيم «داعش».. (واشنطن بوست) - أبو محمد العدناني الرجل الثاني في تنظيم داعش الإرهابي
TT

«العدناني» رجل «داعش» الثاني اختبأ في سوريا لشهور قبل ان تصطاده «سي آي إيه»

البغدادي زعيم «داعش».. (واشنطن بوست) - أبو محمد العدناني الرجل الثاني في تنظيم داعش الإرهابي
البغدادي زعيم «داعش».. (واشنطن بوست) - أبو محمد العدناني الرجل الثاني في تنظيم داعش الإرهابي

ظل أبو محمد العدناني، كبير المتحدثين باسم تنظيم داعش الإرهابي هادئا، على غير عادته، خلال موسم الصيف الماضي، بالنسبة للرجل الذي اشتهر بالخطب الطويلة والمواعظ النارية.
وبدا السوري، الذي حث الآلاف من الشبان المسلمين على ارتداء الأحزمة الانتحارية الناسفة، أكثر اهتماما بأمنه وسلامته الشخصية، على حد وصف المسؤولين الأميركيين. فلقد كان أكثر ابتعادا عن استخدام الهواتف الجوالة، وعازفا عن حضور اجتماعات التنظيم الكبيرة، ومتجنبا الظهور والخروج من المنزل في وضح النهار أغلب الأوقات. وشرع في الإقامة والنوم في المساكن المزدحمة بالمواطنين في بلدة «الباب» الشمالية السورية، مراهنا على وجود الأطفال الصغار لحمايته من هجمات الطائرات من دون طيار (درون) التي تجوب سماء المنطقة بحثا عن الأهداف المحتملة. ولكن في أواخر أغسطس (آب) الماضي، وبعد سلسلة الهزائم العسكرية الكبيرة التي مُني بها التنظيم الإرهابي، اضطر العدناني غير مختار إلى مغادرة مخبئه لفترة وجيزة، حيث كانت القوات الأميركية وعيون «سي آي إيه» في انتظاره. من خلال عملية مشتركة للمراقبة، والرصد، أشرفت عليها وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع الأميركية، تم رصد وتتبع القيادي البارز البالغ من العمر 39 عاما أثناء مغادرته لملاذه المختار في بلدة «الباب» واستقلاله إحدى السيارات بصحبة أحد الرجال المرافقين له. وكانا يتجهان إلى الشمال سالكين الطريق السريع الذي يخترق المناطق الريفية هناك على بعد بضعة أميال قليلة من البلدة عندما أصاب صاروخ «هيلفاير» السيارة، أسفر عن مصرع الرجلين في الحال.
وجاءت الهجمة الصاروخية التي وقعت في 30 أغسطس الماضي تتويجا لجهود المهمة التي استغرقت عدة أشهر وكانت تستهدف أحد أبرز قيادات تنظيم داعش الإرهابي، وربما أخطرهم، حسب وصف المسؤولين الأميركيين للعملية. ولم تصرح إدارة الرئيس باراك أوباما بالكثير حول تلك الهجمة بأكثر من دحض المزاعم الروسية التي أشاعت أن إحدى طائراتها المقاتلة قد ألقت بالقذيفة التي أودت بحياة العدناني ورفيقه ذلك اليوم. ولكن، وحيث إن التفاصيل العملياتية الرئيسية الخاصة بمهمة اغتيال العدناني لا تزال قيد السرية والكتمان، تحدث المسؤولون الأميركيون بصراحة أكبر حول ما وصفوها بأنها «الحملة الناجحة للغاية» لرصد وتعقب وقتل كبار القادة في التنظيم الإرهابي الدولي، ومن بينهم أبو محمد العدناني، الرجل الثاني في التنظيم، وأكبر الأهداف التي تمت تصفيتها حتى الآن. ولقد تمكنت الغارات الجوية الأميركية خلال الأشهر الأربعة الماضية من حصد أرواح 6 شخصيات كبيرة، على أدنى تقدير، من كبار رجالات التنظيم الإرهابي، إلى جانب العشرات من النواب وقادة الصف الثاني، إضافة إلى محو أفرع بأكملها من التخطيط التنظيمي لقيادات الجماعة.
وأدت تصفية تلك القيادات، على حد وصف المسؤولين الأميركيين، إلى ازدياد حالة العزلة التي يعاني منها أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم الإرهابي، وحرمانه من أقرب وأقدر مساعديه، وتقليص قدراته على التواصل مع أتباعه المحاصرين. ولم يطل البغدادي برأسه مخاطبا أتباعه أو يثبت له ظهور علني منذ أكثر من عامين كاملين باستثناء شريط صوتي وحيد؛ مما يفيد بأن زعيم التنظيم الكبير يبذل قصارى جهده للاختباء والاختفاء عن الأنظار، على حد قول بريت ماكغورك، المبعوث الخاص لإدارة الرئيس أوباما للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي يسعى إلى تدمير «خلافة» البغدادي المزعومة والموهومة.
وأردف السيد ماكغورك يقول خلال اجتماع لشركاء التحالف عُقد في برلين خلال الشهر الحالي: «إنه يحاول الاختباء بعيدا، بعدما نجحنا في القضاء على كل نوابه ومساعديه تقريبا. إننا نضع أيدينا على مواطن القوة والضعف من شبكتهم الإرهابية. وإذا ما نظرت إلى كل نوابه ومساعديه وما تبقى منهم للاعتماد عليه، تجد أنهم كلهم قد رحلوا».
ولا تعني تصفية كبار قادة التنظيم قرب انهيار «داعش» وزواله. حيث يحذر المسؤولون الأميركيون إلى جانب خبراء مكافحة الإرهاب من أن هيكل التنظيم اللامركزي وشبكته المنتشرة ومترامية الأطراف التي تضم كثيرا من الفروع والأذرع الإقليمية، قد تضمن للتنظيم قدرا ما من المرونة والاستمرار حتى مع فقدان البغدادي نفسه من على رأس التنظيم. ولكنهم، رغم ذلك، يقولون إن عمليات التصفية الأخيرة تشير إلى التطور، وربما التعقيد، المتزايد الذي تشهده حملة الاستهداف والتعقب والاغتيال التي تشرف عليها كل من وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع الأميركية، عبر العامين المنقضيين بغرض إزاحة كبار قادة التنظيم ورجالاته المؤثرين، الذين يبذلون الجهود المضنية للاختفاء والاختباء، عن مشهد الأحداث الحالية.
ويقول المسؤولون الأميركيون إن هناك مساعدات مقدمة للحملة الحالية من قبل التكنولوجيات الجديدة إلى جانب الحلفاء الجدد، بمن في ذلك الفارون والمنشقون عن التنظيم، الذين يسلطون كثيرا من الأضواء المهمة على كيفية انتقال وتواصل العناصر الإرهابية في التنظيم. وفي الأثناء ذاتها، تمارس الخسائر الإقليمية والهزائم العسكرية مزيدا من الضغوط الهائلة على ما تبقى من قيادات التنظيم لأجل الخوض في المخاطر الشديدة، والسفر بالسيارات، والتواصل بواسطة الهواتف الجوالة والكومبيوترات بدلا من المراسلين، على حد وصف المسؤولين والمحللين.
ويقول أحد المسؤولين الأميركيين المخضرمين في مجال مكافحة الإرهاب الذي عمل بشكل وثيق مع القوات الأميركية وغيرها من القوات العسكرية في الشرق الأوسط، والذي، على غرار الآخرين ممن شملتهم هذه المقابلة الشخصية، فضلوا عدم ذكر هويتهم لأجل مناقشة العمليات العسكرية الحساسة: «يضطر الإرهابيون إلى التواصل بالوسائل الإلكترونية بسبب أنهم فقدوا السيطرة على الطرق. وفي الأثناء ذاتها، فإن قدراتنا على اختراق اتصالاتهم هي في أفضل أوضاعها نظرا لأن موقف التنظيم يزداد سوءا بمرور الوقت، وأنهم لم يعودوا يلقون بالا للتحقق من هويات المجندين الجدد لديهم. لدينا الآن صورة أفضل بكثير عن التنظيم من الداخل مما كان عليه الأمر في مواجهتنا مع تنظيم (القاعدة في العراق)».
* بوق «الخلافة»
كان أول من قضى نحبه هو أبو عمر الشيشاني، المتشدد الجورجي ذو اللحية الحمراء، الذي عُرف عنه اشتراكه في الحرب بين روسيا وجورجيا في عام 2008، وكان قد تلقى التدريب الراقي على أيدي القوات الخاصة الأميركية عندما كان لا يزال من عناصر الجيش الجورجي من قبل. ولقد ارتقى سلالم التنظيم الإرهابي سريعا ليشغل منصب «وزير حرب (داعش)»، ونقلت التقارير الإخبارية أنباء مقتله لما لا يقل عن 6 مرات في مختلف المناسبات منذ عام 2014، ليعاود الظهور من جديد، ومن دون إصابات أو أذى على ما يبدو، من أجل قيادة الحملات العسكرية في العراق وسوريا. ولقد نفد نصيب الشيشاني من الحظ والتوفيق في 10 يوليو (تموز) الماضي عندما أصاب صاروخ أميركي تجمعا لقادة التنظيم الإرهابي في مدينة الموصل العراقية. وكانت تلك الهجمة باكورة سلسلة من العمليات الناجحة من استهداف كبار قادة الأجنحة العسكرية والدعائية وفرق العمليات الخارجية، على حد وصف المسؤولين الأميركيين.
وفي 6 سبتمبر (أيلول) الماضي، تمكنت غارة جوية لقوات التحالف من اغتيال «وائل عادل حسن سلمان الفياض»، وزير الإعلام في التنظيم الإرهابي، على مقربة من مدينة الرقة السورية. وفي 30 سبتمبر أيضا، تمكنت القوات الأميركية من اغتيال «أبو جنات» نائب القائد العسكري في التنظيم، وكبير الضباط المسؤولين عن دفاعات مدينة الموصل، إلى جانب 31 من كبار مسؤولي التنظيم في المدينة، الذين لقوا مصرعهم في وقت مبكر من الهجوم على المدينة، بمساعدة من القوات الأميركية، لاستعادة السيطرة عليها.
وفي 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، استهدفت غارة جوية أميركية «عبد الباسط العراقي»، وهو المواطن العراقي المعروف بأنه مسؤول عن شبكة العمليات الخارجية في منطقة الشرق الأوسط بالتنظيم، والمسؤول أيضا عن تنفيذ كثير من الهجمات ضد الأهداف الغربية.
ولكن جاء مقتل العدناني بمثابة كبرى الضربات المفردة التي تلقاها التنظيم حتى الآن، كما يقول المحللون؛ حيث عدّ خبراء مكافحة الإرهاب أن المتشدد ذا الأصول السورية أكثر من مجرد متحدث باسم التنظيم؛ حيث كان العدناني عضوا، ولفترة طويلة، في الدائرة المغلقة والمقربة داخل التنظيم، ولقد كان من الدعاة الموهوبين، ومن المفكرين الاستراتيجيين الذين لعبوا دورا مهما ومحوريا في كثير من النجاحات الكبيرة التي حققها التنظيم فيما مضى؛ من سيطرتهم على كثير من منافذ التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، إلى أكثر الهجمات الإرهابية ترويعا ودموية في الخارج، بما في ذلك هجمات باريس وبروكسل.
وظلت أهميته داخل أروقة التنظيم تزداد وتتفشى. وفي العام الماضي، وبعد أن بدأ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في استعادة السيطرة على كثير من المدن في العراق وسوريا، كان العدناني هو من حل محل «بوق التنظيم» المسؤول، حيث كان يواظب على نشر الرسائل والخطب الحماسية بغية رفع الروح المعنوية لأعضاء التنظيم، في الوقت الذي كان يستصرخ المسلمين المتعاطفين معهم من كل أرجاء العالم لتنفيذ الهجمات الإرهابية باستخدام كل الوسائل المتاحة لديهم.
إلى ذلك، يقول ويل ماكانتس، الخبير في شؤون التطرف المسلح لدى «معهد بروكينغز»، ومؤلف كتاب في عام 2015 بعنوان «نبوءات داعش»: «لقد كان العدناني هو صوت الخلافة الصادح، في الوقت الذي لا يسمع فيه أحد صوت الخليفة المزعوم. ولقد كان أحد الذين دعوا إلى شن الحرب المفتوحة على الغرب».
هذا؛ وقد رفضت كل من وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع الأميركية التعليق على الأدوار المحددة التي قاموا بها في عملية اغتيال العدناني. ولكن هناك مسؤولين آخرين مطلعين إلى الجهود الجارية قالوا إن عملية العثور على الرجل الثاني في تنظيم داعش صارت من الأولويات التي تقارب أهمية العثور على البغدادي ذاته وقتله. ولكن على غرار خليفته، فإن العدناني، وهو أحد الناجين من الحروب السابقة بين القوات الأميركية والمسلحين السنة في العراق، أثبت قدرات ومهارات خاصة في البقاء بعيدا عن مسار الصواريخ الأميركية الموجهة.
يقول الخبير الأميركي في مكافحة الإرهاب والمشارك في تنسيق الجهود العسكرية الأميركية - الشرق أوسطية: «كانت حمايته الشخصية جيدة بصورة خاصة. ولكنها صارت أفضل وأفضل مع مرور الوقت».
ولكن نوعية الاستخبارات الآتية من المنطقة كانت آخذة في التحسن هي الأخرى. ولقد وصف أحد المسؤولين الأميركيين من المطلعين على سير الحملة وجود عملية تعلم من مرحلتين: في الشهور الأولى، ركزت حملة القصف على الأهداف الأكثر وضوحا، مثل مستودعات الأسلحة والمنشآت النفطية. ولكن بحلول منتصف العام الماضي، كان المحللون يعكفون على فرز سيول من البيانات الخاصة بتحركات القادة والأفراد في التنظيم.
وكانت المعلومات مستمدة من شبكة متنامية من العناصر البشرية إلى جانب الابتكارات التكنولوجية المعاونة، بما في ذلك طائرات الاستطلاع من دون طيار، وطائرات المراقبة المجهزة بنظام المراقبة والاستطلاع متوسط الارتفاع المحسن والمطور لدى وزارة الدفاع الأميركية، والمصمم بالأساس لتحديد وتعقب الأهداف البشرية على الأرض.
يقول المسؤول الأميركي المطلع على شؤون الحملة الجوية: «خلال العام الأول، كانت أغلب الغارات الجوية تستهدف المباني والمنشآت. ولكن خلال العام الماضي، أصبحت الغارات أكثر تركيزا وتحديدا عن ذي قبل، مما عاد بمزيد من النجاحات».
* الترقب والانتظار
وحتى الآن، ظلت المعلومات الخاصة بأماكن وجود اثنين من كبار القادة – البغدادي والعدناني – مبعثرة ومتفرقة. وبعد الجائزة التي وضعتها إدارة الرئيس أوباما، بقيمة 5 ملايين دولار، على رأس أبو محمد العدناني، أصبح أكثر حذرا على نحو متزايد، كما يقول المسؤولون الأميركيون، حيث لم يتجنب استخدام الهواتف الجوالة فحسب، بل المكوث في المباني التي تحمل أطباق استقبال الأقمار الصناعية كذلك. وكان يستخدم المراسلين الخاصين به في نقل الرسائل المهمة ليبقى بعيدا قدر الإمكان عن التجمعات الكبيرة.
وفي نهاية المطاف، تحول دوره إلى تنسيق الدفاع عن مجموعة من البلدات والقرى القريبة من الحدود التركية. وكانت إحدى هذه البلدات هي «منبج»، البلدة المركزية ونقطة العبور المهمة لأفراد التنظيم الإرهابي حال انتقالهم من وإلى تركيا. ومن البلدات المهمة الأخرى كانت بلدة «دابق»، وهي البلدة الصغيرة المذكور اسمها في أدبيات النصوص الدينية بأنها محل المعركة المستقبلية في نهاية الزمان بين جموع قوى الخير والشر.
تخير العدناني أن يكون مقر قيادته في بلدة «الباب» الصغيرة، التي تبعد مسافة 30 ميلا تقريبا إلى الشمال الشرقي من حلب. ولقد اختبأ هناك وسط المواطنين السوريين العاديين على مشهد من الجميع، حيث كان يعقد الاجتماعات في المبنى السكني المزدحم نفسه الذي كان يعيش فيه. وكما كانت عادته، كان يستخدم المقربين منه في البعث بالرسائل، حتى، وعلى نحو مفاجئ، صار من المحال تقريبا مواصلة القيام بذلك.
في يوم 13 أغسطس الماضي، تمكنت قوات المعارضة السورية المدعومة من الولايات المتحدة من السيطرة على بلدة «منبج»، وكانت الأولى في سلسلة الهزائم القاسية التي مُني بها التنظيم الإرهابي على طول الحدود التركية. واحتشد الآلاف من القوات لشن الهجمات على بلدة «جرابلس» الحدودية الرئيسية، إلى جانب بلدة «دابق»، التي تبعد 20 ميلا فقط من قاعدة العدناني.
ومع إغلاق كثير من الطرق من جانب القوات المعادية، أصبح التواصل مع المقاتلين في الصفوف الأمامية غاية في الصعوبة. واضطر العدناني إلى مغادرة مخبئه لعقد الاجتماعات، وعندما شرع في ذلك يوم 30 أغسطس، تمكنت فرق المراقبة التابعة للاستخبارات الأميركية، أخيرا، من استهدافه بكل وضوح بعد انتظار وترقب استمر أسابيع طويلة.
تظهر السجلات التي تمت بواسطة رادار تتبع الطائرات التجارية وجود طائرة صغيرة تحلق على ارتفاعات متعددة أعلى أحد الطرق الريفية إلى الشمال الغربي من بلدة «الباب». ولم يصدر عن الطائرة أي علامة للنداء، مما يعد مؤشرا عاما على أنها طائرة عسكرية في مهمة سرية. وكان نمط الطيران يشبه أنماط الطيران التي سُجلت في الماضي لطائرات تابعة لوزارة الدفاع الأميركية ومجهزة بتكنولوجيا حديثة من التي تستخدم في مراقبة الأهداف على الأرض.
وكان الطريق الريفي هو نفسه الذي كان يسافر العدناني عبره عندما أصاب صاروخ «هيلفاير» سيارته، مما أسفر عن مصرعه هو ورفيقه.
ولقد أعلن تنظيم داعش عن مقتل العدناني في اليوم نفسه، عبر نشرة إخبارية تنعى مقتل القائد الذي «قتل أثناء تفقد عمليات القتال لصد الحملات العسكرية ضد حلب». ولكن في واشنطن، ظل خبر مصرعه حبيس الأدراج لمدة أسبوعين، حيث كان المسؤولون الأميركيون في انتظار الأدلة على مقتل العدناني وأن الجثة التي انتشلت من حطام السيارة هي بالفعل جثته.
وجاء التأكيد أخيرا في 12 سبتمبر الماضي، عبر بيان صادر عن وزارة الدفاع الأميركية يؤكد أن «غارة دقيقة للولايات المتحدة كانت قد استهدفت وقضت على رئيس جناح الدعاية في التنظيم الإرهابي، ومسؤول التجنيد الأول، ومهندس العمليات الإرهابية الخارجية». واستمر الجانب الروسي على مزاعمه، في استفزاز واضح للمحللين الأميركيين الذين يعرفون صعوبة ومشقة عمليات البحث. وفي الأثناء ذاتها، لا يزال التأثير النهائي لمقتل العدناني قيد التقييم.
يقول الخبراء المخضرمون في مكافحة الإرهاب إن الشبكة الإرهابية الواسعة، والمنتشرة، مثل تنظيم داعش تميل إلى سرعة استعادة التوازن بعد فقدان زعيم كبير، حتى وإن كان زعيما مؤثرا للغاية كمثل العدناني. يقول بروس هوفمان، مدير مركز الدراسات الأمنية التابع لجامعة جورج تاون، ومؤلف مجموعة من الكتب حول شؤون الإرهاب: «إن قطع الرؤوس من أذرع الاستراتيجية الكبيرة، ولكن لا يمكنك هزيمة تنظيم إرهابي بمجرد قطع رؤوس زعمائه فحسب»، مشيرا إلى أن القوة العسكرية لتنظيم داعش مستمدة من «الضباط السابقين المجهولين في جيش صدام حسين الراحل»، الذين يشكلون في مجموعهم النواة الاحترافية الأكثر خطورة ضمن هيكل التنظيم، وفقدان زعيم الجناح الدعائي في التنظيم بالنسبة لهم ليس أكثر من مجرد «خروج مؤقت عن المسار».
ومع ذلك، ومع كثير من الصواريخ التي تنتظر أهدافها، فإن تنظيم داعش، ومن دون شك، بات يفقد قدرته على القيادة والتأثير على قواته المحاصرة، كما يقول خبراء آخرون معنيون بشؤون الإرهاب. يقول بروس رايدل، الخبير الأسبق لمدة 30 عاما في شؤون الإرهاب لدى وكالة الاستخبارات المركزية ولدى «معهد بروكينغز»: «التدمير المستمر لقيادة (داعش)، إلى جانب فقدان الأراضي، يسببان تآكلاً مهمًا في جاذبية التنظيم وقوته. إن (داعش) يواجه أزمة ومعضلة حقيقية وخطيرة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.