لا يمكن لزائر مدينة الفاشر حاضرة إقليم شمال دارفور غرب السودان، تجاهل أهم معالمها الذي يسمى «فاشر السلطان»، سيجد نفسه في مقابلة أحد أهم مظاهر العظمة والأبهة القديمة في إقليم غرب السودان، إنه حضور «قصر السلطان»، الذي بناه أحد أشهر وأعظم السلاطين الذين حكموا الإقليم - بل ربما أعظم سلاطين السودان - وهو السلطان علي دينار، ويلفت موقعه وسط المدينة كل زوراها.
ويعد السلطان علي بن زكريا محمد الفضل الشهير بالسلطان «علي دينار» آخر سلاطين الفور من سلالة الكيرا الذين حكموا إقليم غرب السودان المعروف حاليا بدارفور. ولد بقرية «شاواية» غرب مدينة نيالا، وجلس على عرش السلطنة في العام 1891، ويقول الباحث أحمد ويتشي إن السلطان ظل يحكم إلى أن استشهد في معركة «برنجية» ضد الجيش البريطاني الغازي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) 1916، حين تمكنت طائرات الاستعمار من تشتيت قواته، وقتلته القوة الغازية وعدد من قادته ومرافقيه، بعد أن حافظ على استقلال دولته بعد سقوط الدولة المهدية لقرابة عشرين عامًا.
بدأ العمل في تشييد قصر السلطان علي دينار 1871م، اكتمل بنائه 1912، وقام ببنائه بناؤون أتراك وأغاريق استلهموا في بنائه الطراز المعماري الإسلامي التركي، لكنهم صنعوا سقوفه من أخشاب «الصهب»، وشبابيكه من خشب «القمبيل» المحلي، ولم يستخدم لأغراض السكن بل لإدارة الدولة، ووضعت فيه الهدايا والغنائم القيمة التي كانت ترد إلى السلطان، وبعد استشهاد السلطان أصبح مقرًا للكولونيل كلي قائد القوة البريطانية، ولاحقا أصبح مقرًا للمحافظين الوطنيين حتى 1976.
بعد ذلك أصبح القصر ثاني متاحف البلاد بعد المتحف القومي بعد قرار أصدره الرئيس الأسبق جعفر النميري، ويضم مقتنيات السلطان علي دينار الخاصة والهدايا والغنائم والتراث، ويزوره السياح والباحثون في تاريخ الإقليم.
ومن أهم الآثار المعروضة فيه طبلين من النحاس، أحدها يسمى «الدار عامرة» والآخر «عطا المولى»، وكانا يستخدمان كوسيلة إعلامية، ويقرعان لإعلان الحرب والأفراح. كما تعرض فيه مجموعة منتقاة من الآثار التي تلقي الضوء على مراحل مختلفة من تاريخ السودان، منها سيوف فضية، وبنادق عتيقة، وملابس السلطان وعرشه، فصلا عن عملات فضية دارفورية وأوان مطلية بالذهب ومخطوطات إسلامية.
وتعد الصورة الأرشيفية لـ«المحمل»، وهو قافلة السلطان المتدين إلى الأراضي المقدسة، وهي تحمل كسوة الكعبة ومؤن لإكرام الحجيج، ووفقًا لما نسبته هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية لمؤرخين، فإن الإنجليز عطلوا القافلة التي كانت تذهب من مصر إلى مكة المكرمة حاملة كسوة الكعبة، مما جعل السلطان علي دينار يبادر بتسيير قافلة بديلة.
ويعد سكان الإقليم القصر مصدر فخر لهم، ويعتبرونه رمزًا لوحدة الإقليم الذي يعاني التشظي منذ اشتعال الحرب في 2003، يقول الطالب علي يوسف: «هذا المكان يرمز لأشياء كثيرة بالنسبة لنا، خاصة لوحدتنا التي تتعرض الآن لخطر جسيم».
وعلى الرغم من تحوله لمتحف منذ قرابة 40 عامًا، فإن القصر يعاني الإهمال الطويل، تقول السيدة حواء جار النبي، أثناء تنزهها في المكان: «إن القصر يعاني الإهمال، وعلى الحكومة الاهتمام به، لأنه رمز لعظمة رجل استشهد في سبيل الوطن».
وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) القصر ضمن لائحتها للتراث العالمي منتصف العام الجاري، بعد أن تجاوز عمره المائة عام.
وقالت المديرة العامة لليونيسكو إيرينا بوكوفا، وفقًا لما نقلته عنها صحيفة «الطريق» الإلكترونية: «إن التراث الثقافي والطبيعي الأفريقي يعد عاملا مهما من عوامل السلام والتنمية والابتكار».
وتضم لائحة اليونيسكو مواقع التراث العالمي، هي معالم ترشحها لجنة التراث العالمي في اليونيسكو مواقع آثارية وطبيعية وجبلية والبنايات والمدن، وتهدف لحماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي، استنادا على اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي الموقعة في 16 نوفمبر 1972، وصادقت عليها 189 دولة من بينها السودان.
في السادس من الشهر الجاري، مرت على ذكرى «استشهاد» السلطان علي دينار مائة عام، وبقيت سيرته ومآثره ومتحفه، ورغم تجاهل هذه الذكرى والمكان المهيب، فإن إضافة القصر لقائمة اليونيسكو يمكن اعتبارها تكريمًا لسيرة صاحبه الوضيئة.
متحف قصر السلطان «علي دينار» في الفاشر.. شاهد على ماض مجيد
حافظ على عظمته رغم مرور مائة عام على «استشهاد» مؤسسه
متحف قصر السلطان «علي دينار» في الفاشر.. شاهد على ماض مجيد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة