حكومة تيريزا ماي تواجه تحديًا قانونيًا جديدًا حول «البريكست»

مطالب باستشارة البرلمان حول استمرار عضوية بريطانيا في المنطقة الاقتصادية الموحدة

حكومة تيريزا ماي تواجه تحديًا قانونيًا جديدًا حول «البريكست»
TT

حكومة تيريزا ماي تواجه تحديًا قانونيًا جديدًا حول «البريكست»

حكومة تيريزا ماي تواجه تحديًا قانونيًا جديدًا حول «البريكست»

تواجه حكومة رئيسة الوزراء البريطانية المحافظة تيريزا ماي، تحركا جديدا أمام القضاء من شأنه أن يعرقل عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، فيما تلقت ماي دعما من نظيرتها البولندية بياتا زيدلو التي دعت إلى «تسوية مرضية» قبل لقاء أمس في لندن.
وبعد أن أصدرت محكمة لندن العليا قرارا يقضي بوجوب تصويت النواب على بدء إجراءات الانفصال، تواجه حكومة تيريزا ماي جبهة جديدة قد تكبح عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وذكر مركز الأبحاث «بريتيش إنفلونس» الذي يطالب باستشارة البرلمان حول انتماء بريطانيا إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية: «إننا نحتاج إلى توضيحات قانونية».
وتضم المنطقة الاقتصادية الأوروبية 28 بلدا عضوا في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى النرويج وآيسلندا وليشتنشتاين، وهي امتداد للسوق الواحدة وتعتمد مبادئها الأساسية لجهة حرية انتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال والأفراد.
أما موقف الحكومة البريطانية فواضح، وقالت المتحدثة باسم «10 داونينغ ستريت» أمس: «بما أن بريطانيا من الدول الموقعة على معاهدة المنطقة الاقتصادية الأوروبية بوصفها بلدا عضوا في الاتحاد الأوروبي، فإننا سنكف تلقائيا عن أن نكون عضوا في المنطقة الاقتصادية الأوروبية ما أن نغادر الاتحاد الأوروبي».
ويرى جوناثان ليس، نائب رئيس «بريتيش إنفلونس»، أن «هناك إمكانية كبيرة بأن يكون تحرك الحكومة مخالفا للقانون إذا أخرجت بريطانيا من المنطقة الاقتصادية الأوروبية ومن الاتحاد الأوروبي مع عملية بريكست». وأضاف أن على لندن إبطال أولا المادة 127 من معاهدة المنطقة الاقتصادية الأوروبية (التي توضح سبل الخروج من هذه المنطقة) ما يستلزم موافقة النواب البريطانيين.
وانتقد النائب المحافظ المؤيد للبريكست، دومينيك راب هؤلاء المحامين الذين لا يتوقفون عن اختراع خدع جديدة لتقويض إرادة الشعب البريطاني، الذي صوت بنسبة 52 في المائة للخروج من الاتحاد الأوروبي.
وأضاف: «لقد قال الشعب كلمته وعلينا احترام النتيجة والمضي قدما بها وليس أن نعمل على وضع عقبات جديدة تنسف العملية السياسية».
وعلى الحكومة أن تواجه قرار محكمة لندن العليا الذي يمنح النواب حق التصويت لتفعيل المادة 50 في معاهدة لشبونة، وبدء إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. واستأنفت الحكومة هذا القرار أمام المحكمة العليا التي ستدرس الملف مطلع ديسمبر (كانون الأول)، وتصدر قرارها في يناير (كانون الثاني).
وتحدث رئيسا وزراء سابقان، هما توني بلير وجون ميجور، عن احتمال تنظيم استفتاء ثان حول بريكست.
والمسألة التي طرحها مركز أبحاث «بريتيش إنفلونس» حاسمة بالنسبة لبريطانيا، بما أنها تتعلق بشروط وصولها إلى السوق الواحدة مستقبلا. وتؤكد تيريزا ماي أنها ترغب في الحفاظ على الحد الأقصى من فرص دخول السوق الواحدة، لكنها تريد مع ذلك الحد من الهجرة من الاتحاد الأوروبي، وهو المطلب الرئيسي لمؤيدي بريكست.
ويذكر القادة الأوروبيون بأن الحفاظ على حرية تنقل الأفراد شرط مسبق غير قابل للتفاوض للوصول إلى السوق الواحدة. وأكدت فرنسا أمس أنه «لا يمكن لبريطانيا أن تحصل، وهي خارج الاتحاد الأوروبي، على حقوق ومنافع السوق الداخلية من دون أن تحترم الواجبات المناطة بها».
من جهتها، دعت رئيسة وزراء بولندا أمس خلال زيارة لداونينغ ستريت إلى «تسوية مرضية». وقالت في مقال نشر في صحيفة «ديلي تلغراف»: «نأمل وأعتقد أن باقي الدول الأوروبية تأمل أن تكون العلاقات المقبلة مع الاتحاد الأوروبي أوثق ما يمكن».
وتصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي يثير قلقا لدى وارسو بشأن مصير 800 ألف بولندي يقيمون في بريطانيا، حيث يشكلون واحدة من أهم الأقليات القومية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟