استطاعت مدينة سالو الساحلية، 110 كلم جنوب برشلونة، فرض نفسها على خريطة السياحة في إقليم كتالونيا، وتتنافس مع باقي مدن المتوسط على جزء من وليمة صناعة السياحة في إسبانيا، لما تحتويه من شواطئ خلابة تمتد عشرات الكيلومترات، وبنية تحتية تعد نموذجًا للمدن الساحلية العصرية.
المنافسة مع مدينة برشلونة في سوق السياحة الدولية لا تختلف كثيرا عن القدرة على منافسة فريق المدينة داخل المستطيل الأخضر في لعبة كرة القدم. فقد استطاعت بلدية برشلونة على مدى العقود تحويل هذه المدينة الخلابة لحجر أساسي في صناعة السياحة الوطنية، لتستقطب سنويا ما لا يقل عن سبعة ملايين زائر.
إلا أن كثيرًا من العائلات التي تبحث عن وقت للاسترخاء والاستمتاع بجمال الطبيعة ويفضلون جوًا من الهدوء فيتجهون نحو مدن وادي تاراغونا، خصوصًا سالو، جوهرة المتوسط الخفية، القابعة وسط سلسلة من الشواطئ الرملية الممتدة.
للمدينة الصغيرة وجهان؛ الأول يكون خلال فصل الصيف، بين مايو (أيار) وسبتمبر (أيلول)، حين تكون مكتظة بالسياح الأوروبيين، خصوصًا من بريطانيا وروسيا. في هذا الوقت من العام، تتحول سالو لمدينة مكتظة في شوارعها ومطاعمها وأسواقها.
إن كنت ترغب بالهرب من ضجيج السياح الإنجليز، فما عليك إلا الذهاب إلى مدينة كامبريس، على بعد 10 كلم من سالو. إنها المكان المثالي لأفراد العائلة لقضاء إجازة لا تُنسى. يمكن المكوث بأحد المنتجعات السياحية المطلة على الشاطئ أو استئجار شقة خاصة بسعر 500 يورو أسبوعيا وقت الذروة. تمتاز كامبريس بهدوئها وكثرة المرافق السياحية من مطاعم تقدم مختلف أنواع الأطعمة، بما فيها الأطباق البحرية المعروفة عن المدن الساحلية. المسافة بين سالو وكامبريس لا تتعدى 15 دقيقة سيرًا على الشاطئ الذي نظّمته السلطات بطريقة مذهلة جعلت من المشي متعة حقيقة. هنا لا يوجد بناية تتعدى على الشاطئ ولا فندق أو قصر ينتهي عنده الطريق، فالشواطئ مفتوحة على طول عشرات الكيلومترات، مجسدين بذلك المعنى الحقيقي لقوة وسلطة المصلحة العامة على المصالح الفردية.
تمثل منطقة كوستا دورادو منطقة جذب للسياح الراغبين بالاستمتاع بالسير قرب الشاطئ المطل على جيب سالو البحري، إحدى محطات صيد الأسماك على البحر المتوسط ونقطة انطلاق الأساطيل البحرية نحو باقي شواطئ المتوسط، التي لطالما شكلت مصدر إلهام للشعراء والفنانين على مختلف العصور.
عند التنزه بالقرب من مركز المدينة، لا يغفل الزائر عن مشاهد المعالم العمرانية الجميلة، بعضها متأثر بالغزو الروماني والآخر يحمل طابعًا كتالونيًا مميزًا يعتمد على الأناقة والعملية. ومن أهم المعالم الأثرية برج كال بونيت وتمثال الملك جايم الأول، الذي انطلقت سفنه من هذا المرفأ لاحتلال جزيرة مايوركا وضمها لإسبانيا في العصور الوسطى.
كما يستطيع الزائر التسوق بأسعار معقولة بفضل عدد كبير من المحال التجارية المنتشرة على طول منطقة الساحل أو الذهاب لمدينة تاراغونا، على بعد نصف ساعة بالسيارة. إن هذه البلدة القابعة فوق تلة جبلية تملك ميزة تاريخية نادرة، فهي تعد واحدة من المدن القليلة في العالم المصنفة إرثًا حضاريًا من قبل منظمة «اليونيسكو»، بسبب أن 80 في المائة من معالم المدينة يزيد عمره عن مائة عام. كانت تاراغونا مركزًا إقليميًا للرومان شمال إسبانيا، وقد شيدت المدينة باستيحاء من مدينة روما، سواء بأسواقها وكنائسها أو شوارعها والأزقة الضيقة. من المفضل عند زيارة تاراغونا الانضمام لمجموعة سياحية مع دليل على دراية بتاريخ المكان.
ومن سالو يمكن للزائر الانتقال إلى مناطق شتى حل إسبانيا بفضل خدمات تقدمها شركات السياحة بأسعار معقولة، لا تتعدى 30 يورو ذهابًا وإيابًا في حافلة ضخمة ومنها زيارة مدينة فالينسيا، أو العودة إلى برشلونة لقضاء يوم للتسوق أو الذهاب لمشاهدة مباراة في الكامب نو، معقل نادي برشلونة أو زيارة منطقة المونيسترات، التي تمثل إرثًا حضاريًا ودينيًا مميزًا لأهل كتالونيا، المبنية على قمة جبل ارتفاعه 800 متر.
وفي الجانب الآخر، وقريبا من سالو، لا يمكن نسيان زيارة الكنائس القديمة وسط أحضان الجبال، التي تُعدّ من أكثر المناطق جذبًا للسياح بعد شواطئ البحر، مثل كنيسة ايرميتا دي لا ماري دي لاروكا.
وادي تاراجونا هو واحد من أهم معاقل ملوك كتالونيا في العصور الوسطى وواحد من أجمل المناطق الطبيعية في البلاد.
الجبال الشاهقة والمكسوة بلون الحقول والغابات لا تبعد سوى نصف ساعة بالسيارة، حيث يمكن للزوار قضاء يوم أو عدة أيام بالمسير بين أحضان الريف الذي تحول عبر السنين لشاهد على مرور الغزاة من روما نحو باقي إسبانيا ومن ثم باقي العالم. كثير من عشاق التسلق أو محبي المغامرة يأتون خلال فصل الصيف لتنظيم رحلات على الأقدام بين الجبال والحقول تستمر لعدة أيام.
أينما ذهبت على امتداد شواطئ وادي تارغونا، فإن المتعة والاسترخاء وحتى الإثارة مضمونة في طوال العام، فالمناخ جميل حتى شهر ديسمبر (كانون الأول) في وقت تعاني فيه باقي القارة الأوروبية من البرد والصقيع. كما أن الخدمات السياحية لا تنقطع طوال العام، مثلها مثل الرياضة الشاطئية ومدينة الملاهي، المعروفة باسم بورت افنتورا، التي تحتوي على أطول رولار كوستر في أوروبا.
سالو.. جميلة كتالونيا الإسبانية
ضمانة المتعة والاسترخاء على ضفاف المتوسط
سالو.. جميلة كتالونيا الإسبانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة