الإفراج عن صحافية في القسم التركي لـ«بي بي سي» بعد ساعات من اعتقالها

الرابطة الألمانية للاعلاميين ادانت اعتقالها

الصحافية خديجة قمر التي تعمل بالقسم التركي في «بي بي سي» («الشرق الأوسط»)
الصحافية خديجة قمر التي تعمل بالقسم التركي في «بي بي سي» («الشرق الأوسط»)
TT

الإفراج عن صحافية في القسم التركي لـ«بي بي سي» بعد ساعات من اعتقالها

الصحافية خديجة قمر التي تعمل بالقسم التركي في «بي بي سي» («الشرق الأوسط»)
الصحافية خديجة قمر التي تعمل بالقسم التركي في «بي بي سي» («الشرق الأوسط»)

أفرجت السلطات التركية عن صحافية تعمل في القسم التركي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، كانت قد اعتقلت، أمس، في جنوب شرقي تركيا، ولم يصدر أي تبرير لهذه الخطوة، كما أعلنت هذه الوسيلة الإعلامية.
وقد اعتقلت خديجة قمر بينما كانت تغطي حادثًا أسفر عن 11 قتيلاً و5 مفقودين، كما أفادت حصيلة جديدة، في منجم للنحاس في منطقة سيرت التي تسكنها أكثرية من الأكراد، بحسب بيان للقسم التركي لهيئة الإذاعة البريطانية على موقعها الإلكتروني.
واحتجزت الصحافية طوال الليل في مقر قيادة الشرطة، لكنها على ما يرام، كما أكد القسم التركي لهيئة الإذاعة البريطانية، موضحا أن السلطات لم تقدم تفسيرات بعد.
وكانت هذه الصحافية تسعى إلى الاتصال بعائلات عمال المناجم، بعد الحادث الذي وقع في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيما تواصلت الجهود للعثور على المفقودين في المنجم، كما ذكرت هذه الوسيلة الإعلامية.
وقمر عضو في إدارة هيئة للصحافيين في جنوب شرقي تركيا، وهي تعمل أيضًا لحساب شبكة تلفزيون ألمانية.
ومنذ محاولة الانقلاب في 15 يوليو (تموز) في تركيا، تجري عمليات تطهير واسعة تستهدف خصوصًا وسائل الإعلام والصحافيين الأتراك.
ويقول موقع «منتدى الصحافة المستقلة» على الإنترنت إن 145 صحافيًا باتوا في السجن في تركيا، وأبرز مثال هو «جمهورييت» أكبر صحف المعارضة، التي أوقف مالكها ورئيس تحريرها وعدد كبير من صحافييها.
وتحتل تركيا المرتبة 151 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تعده منظمة مراسلون بلا حدود للعام 2016، بعد طاجيكستان ومباشرة قبل جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ويتحدر عدد كبير من الصحافيين الموقوفين من جنوب شرقي البلاد، حيث الأكثرية كردية. وأوقفت الشرطة التركية الصحافية، وهي تركية أيضًا، لدى وصولها إلى نقطة تفتيش في محافظة سيرت واقتادتها إلى أحد مراكزها في شيروان، فيما لم تذكر أسبابًا لتوقيفها.
ومحافظة سيرت من المحافظات التي تشهد عمليات عسكرية ينفذها الجيش ضد عناصر حزب العمال الكردستاني المصنف منظمة إرهابية في تركيا، وهناك بعض المناطق يحظر دخولها أو التجول فيها بالنسبة للمواطنين.
ودانت الرابطة الألمانية للاعلاميين (دي جيه) اعتقال خديجة قمر التي تعمل بالقسم التركي في «بي بي سي» البريطانية ومراسلة أيضًا لإذاعة غرب ألمانيا «دبليو دي آر» في تركيا.
وذكر رئيس الرابطة الألمانية، فرانك أوبرال، أمس، أن قمر كانت تعد حتى وقت اعتقالها ضمن الزملاء القليلين للغاية: «الذين نحصل منهم على أخبار مستقلة من تركيا، وإذاعة (صوت أميركا)».
وقالت متحدثة باسم إذاعة جنوب غربي ألمانيا إن قمر كانت في المنطقة التي تم إلقاء القبض عليها بها بتكليف من إذاعتها. ودعت الرابطة الألمانية إذاعة «دبليو دي آر» والحكومة الاتحادية إلى العمل لأجل إطلاق سراح المراسلة الصحافية على الفور.
وأوقفت السلطات التركية في وقت سابق من الشهر الحالي الصحافي الفرنسي أوليفيه برتران، الذي يعمل في موقع «لي جور» أثناء إجرائه تحقيقًا صحافيًا في غازي عنتاب جنوب شرقي تركيا، قرب الحدود السورية ورحلته خارج البلاد. وتواجه تركيا انتقادات متكررة من الاتحاد الأوروبي وحلفائها في الغرب، بسبب سجل حرية التعبير والتضييق على الصحافيين واعتقال 150 منهم، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت منتصف يوليو (تموز) الماضي.
ووجهت المفوضية الأوروبية في تقريرها السنوي الأخير حول التقدم في العضوية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، الصادر في وقت سابق من الشهر الحالي، الذي يرصد مدى تقدم تركيا في استيفاء معايير الاتحاد الأوروبي، انتقادات إلى حملات الاعتقالات الموسعة عقب محاولة الانقلاب وفقد القضاء استقلاليته والتضييق على وسائل الإعلام وحرية التعبير وحبس الصحافيين.
وصادق البرلمان الأوروبي الأربعاء الماضي على قرار غير ملزم لقادة الاتحاد الأوروبي بتجميد مفاوضات عضوية تركيا بالاتحاد لفترة مؤقتة وتضمن في نصه انتقادات للتضييق على حرية الصحافة وحبس الصحافيين وانتهاك حقوق الإنسان والحديث عن عودة العمل بعقوبة الإعدام في ظل حالة الطوارئ المفروضة بالبلاد.
وقوبل قرار البرلمان الأوروبي بهجوم واسع من جانب أنقرة التي اعتبرته بلا قيمة، وألمح الرئيس رجب طيب إردوغان، السبت، إلى إمكانية تمديد حالة الطوارئ في تركيا لثلاثة أشهر إضافية، عندما تنتهي الفترة الحالية في يناير (كانون الثاني) المقبل وإمكانية تمديدها بعد ذلك أيضًا.
وفرضت حالة الطوارئ، التي تمنح لإدارة إردوغان سلطات واسعة، في 21 يوليو عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها فصيل من الجيش واعتقلت السلطات التركية بموجبها وفصلت أو أوقفت عن العمل أكثر من 160 ألفًا من العسكريين والقضاة والمعلمين والصحافيين والمواطنين، فيما أغلقت مئات الجمعيات ووسائل الإعلام.



كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».