هل يعود السودانيون لتناول «الكسرة» بعد ارتفاع سعر الخبز؟

سعره وهزال وزنه يدفعان الأسر للعودة إلى لأطعمة الشعبية

هل يعود السودانيون لتناول «الكسرة» بعد ارتفاع سعر الخبز؟
TT

هل يعود السودانيون لتناول «الكسرة» بعد ارتفاع سعر الخبز؟

هل يعود السودانيون لتناول «الكسرة» بعد ارتفاع سعر الخبز؟

ترجِّح دوائر شعبية كثيرة أن يعود السودانيون إلى أكل «الكسرة» بعد أن عز الخبز «الرغيف» وغلا سعره وأصبح طعامًا للأثرياء. فإثر الزيادات في أسعار الوقود والكهرباء وتعويم سعر الجنيه، وانعكاس ذلك على الأسعار وعلى «معايش الناس» بشكل عام، أصبح الخيار المتاح أمام الكثيرين هو العودة للخبز الشعبي التقليدي المصنوع من الذرة والدخن، المعروف بـ«الكسرة»، ولعل الاسم مشتق من «كسرة خبز».
فبعد أن كانت الكسرة سيدة المائدة السودانية إلى وقت قريب، تراجعت مكانتها بسبب النزوع نحو خبز القمح الذي تسببت فيه المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي صاحبت ما يعرف محليًا بـ«أيام البترول السوداني»، الذي هرب جنوبًا بعد انفصال دولة جنوب السودان. وهي طعام أهل الوسط والغرب والجنوب، أما أهل الشمال فطعامهم يصنع من القمح.
يقول الباحث في الأطعمة الشعبية علي طه إن «السودانيين عرفوا صناعة الكسرة منذ تاريخ بعيد كوجبة رئيسية، خصوصًا في المناطق التي تنتج الذرة والدخن في أواسط وجنوب وغرب البلاد، أما الاعتماد على الخبز المصنوع من القمح، فخلا شمال البلاد فهو طارئ على معظم أنحاء السودان.
وتصنع الكسرة من عجين الذرة بعد تخميره، ليطهى على «طاجن» خاص يطلق عليه «الصاج» الذي تنشر عليه العجينة الخفيفة لتنضج في شكل ورقي خفيف، وتعرف الواحدة منها بـ«الطرقة»، ثم ترص بشكل ملفوف و«اللفة» بها أكثر من «طرقة»، وتوضع على صينية دائرية، وتقدم لتؤكل مع أنواع من الإدام الشعبي مثل البامية والملوخية «المفروكة»، فضلاً عن الخضراوات المطبوخة باللحم مثل القرع والبطاطا والكوسا والباذنجان، بل وقد تؤكل بإضافة الماء والزيت والسكر إليها وتعرف بـ«كسرة الموية».
ومن أسمائها: «كسرة الدخن، الرهيفة، الطرقة»، وكان الناس يستخدمون الحطب لصناعتها (عواستها)، لكنهم تحولوا إلى استخدام الفحم، ثم الغاز الطبيعي، وأخيرا دخل الأسواق «صاج الكهرباء». وتبدأ صناعة الكسرة باختيار نوع الذرة الملائم لذوق الأسرة ثم طحنه و«عجنه» وتركه يخمر قليلاً، ثم طهيه (أي عواسته) وترصف شرائح الكسرة بعضها فوق بعض ثم تقدم للناس.
وتستخدم في صناعة الكسرة أدوات شعبية تحمل أسماء محلية، بدأت بالطاجن الفخاري، ثم المعدني، وصولاً للكهربائي، وتحمل كلها اسم «الدوكة»، إضافة إلى الأداة الخاصة بمسح الطاجن المعروفة بـ«التملة»، وهي قطعة قماش تسقى بزيت السمسم، ويضاف لها بعض النخاع الشوكي (الطايوق)، ويقال إنه يسهل انزلاق الكسرة على الطاجن، ويمنع التصاقها به، بينما يُستخدم جريدة النخيل (القرقريبة) في نشر العجين.
وتراجع موقع الكسرة في المائدة السودانية بسبب ارتفاع تكلفة صناعتها، وحل محلها الخبر المصنوع من القمح، كبديل للذرة والدخن التي تصنع منهما الكسرة. لكن على الرغم من زيادة تكلفتها، فإن ارتفاع أسعار الخبز الأخير والزيادات المرتقبة، يتوقع أن تؤدي إلى عودة قوية للكسرة إلى المائدة السودانية من جديد.
بل لم يعد أمر العودة إلى الكسرة خيارًا شعبيًا، فقد بشر وزير المالية السابق المواطنين بالعودة للكسرة، على خلفية زيادات على أسعار الخبز أقرها في عام 2013 أدت إلى احتجاجات سبتمبر (أيلول) الشهيرة، وكان وزير المالية الأسبق علي محمود عبد الرسول قد ذكر في حوار مع «الشرق الأوسط»: «تحدثت إلى الشعب السوداني عن أهمية العودة إلى منتجاتنا المحلية، إلى الذرة والدخن، إلى الكسرة والعواسة».
من جهتها، تقول السيدة ليلى عبد النبي من أنحاء أم درمان، إن العادات الغذائية تغيرت خلال العقدين الماضيين، فبعد أن كان الناس لا يعرفون غير الكسرة طعامًا، تحولوا إلى الخبز (الرغيف)، لكن لأن دوام الحال من المحال، فإنها تتوقع عودة الكسرة مجددًا لتتسيد الموائد مرة أخرى.
ووفقًا للسيدة ناهد محمد، فإن أحد أسباب تراجع الكسرة في المائدة السودانية هي كلفتها الباهظة والجهد الكبير الذي يبذل في صناعتها، لكنها تعود لتقول: «إذا أصبح سعر قطعة الخبز بجنيه، فلا مفر أمام الأسر إلاّ العودة مجددًا للكسرة والعواسة، فهي على الرغم من صعوبة صناعتها وكلفتها، لن تبلغ مرحلة رغيف هزيل بجنيه».
وتوضح السيدة ناهد أن الكسرة في مرحلة من المراحل ارتقت من طعام الفقراء إلى طعام للأغنياء بسبب تكلفتها العالية، وهو الأمر الذي جعل كثيرًا من الأجيال الجديدة لا يعرفونها، لكنهم سيُضطرون للتعرف عليها مجددًا، لأن الخبز ارتفع ثمنه جدًا وخف وزنه كثيرًا.
وتنتشر في أنحاء المدن السودانية نسوة احترفن صناعة الكسرة وبيعها، يعرفن بـ«ستات الكسرة»، ومنهن السيدة حليمة علي، تقول: «الكسرة انتقلت من وجبة شعبية إلى وجبة أثرياء، فبعد كانت الوجبة الأولى في البلاد، أصبح من يستطيعون شراءها هم القلة، وتحولت إلى وجبة يشير حضورها في المائدة إلى المكانة الاجتماعية الرفيعة لمن يقدمونها». وحسب السيدة حليمة فإن بائعات الكسرة اعتدن على اختيار الأحياء الثرية ليعرضن بضاعتهن فيها، لكن بعد غلاء الخبز فإنها تتوقع أن تعود للكسرة مكانتها التي فقدتها، وتضيف: «قد تعود النساء إلى العواسة في البيوت بعد أن كن قد تركنها لنا، ومع هذا فنحن نتوقع لسوقنا المزيد من الازدهار».
وينقل عن فقهاء السودان وشيوخ تحفيظ القرآن أقاويل كثيرة عن الكسرة ودورها في نشر الدين مثل: «الدين دايرلو طحين»، وتعني أن الطعام يلعب دورًا مهما في تثبيت الناس على دينهم، ولعلها تشير إلى المقولة الشعبية الشهيرة «الجوع كافر».



«ألذ»... أكل بيت مصري في مطعم

فطور مصري (إنستغرام)
فطور مصري (إنستغرام)
TT

«ألذ»... أكل بيت مصري في مطعم

فطور مصري (إنستغرام)
فطور مصري (إنستغرام)

ألذ الأطباق هي تلك التي تذكرك بمذاق الأكل المنزلي، فهناك إجماع على أن النَفَس في الطهي بالمنزل يزيد من نكهة الطبق لعدة أسباب؛ على رأسها الشغف والحب والسخاء.

شوربة الفطر (الشرق الأوسط)

ألذ الأطباق المصرية تجدها في «ألذ» المطعم المصري الجديد الذي فتح أبوابه أمام الذواقة العرب والأجانب في منطقة «تشيزيك» غرب لندن.

نمط المطعم يمزج ما بين المطعم والمقهى، عندما تدخله سيكون التمثال الفرعوني والكراسي الملكية بالنقوش والتصاميم الفرعونية بانتظارك، والأهم ابتسامة عبير عبد الغني، الطاهية والشريكة في المشروع، وهي تستقبلك بحفاوة ودفء الشعب المصري.

شوربة العدس مع الخضراوات (الشرق الأوسط)

على طاولة ليست بعيدة من الركن الذي جلسنا فيه كانت تجلس عائلة عبير، وهذا المشهد يشوقك لتذوق الطعام من يد أمهم التي قدمت لنا لائحة الطعام، وبدت علامات الفخر واضحة على وجهها في كل مرة سألناها عن طبق تقليدي ما.

لحم الضأن مع الأرز المصري (الشرق الأوسط)

المميز في المطعم بساطته وتركيزه على الأكل التقليدي وكل ما فيه يذكرك بمصر، شاشة عملاقة تشاهد عليها فيديوهات لعالم الآثار والمؤرخ المصري زاهي حواس الذي يعدُّ من بين أحد أبرز الشخصيات في مجال علم المصريات والآثار على مستوى العالم، وهناك واجهة مخصصة لعرض الحلوى المصرية وجلسات مريحة وصوت «كوب الشرق» أم كلثوم يصدح في أرجاء المطعم فتنسى للحظة أنك بمنطقة «تشيزيك» بلندن، وتظن لوهلة أنك في مقهى مصري شهير في قلب «أم الدنيا».

كبدة إسكندراني (الشرق الأوسط)

مهرجان الطعام بدأ بشوربة العدس وشوربة «لسان العصفور» وشوربة «الفطر»، وهنا لا يمكن أن نتخطى شوربة العدس دون شرح مذاقها الرائع، وقالت عبير: «هذا الطبق من بين أشهر الأطباق في المطعم، وأضيف على الوصفة لمساتي الخاصة وأضع كثيراً من الخضراوات الأخرى إلى جانب العدس لتعطيها قواماً متجانساً ونكهة إضافية». تقدم الشوربة مع الخبز المقرمش والليمون، المذاق هو فعلاً «تحفة» كما يقول إخواننا المصريون.

الممبار مع الكبة وكفتة الأرز والبطاطس (الشرق الأوسط)

وبعدها جاء دور الممبار (نقانق على الطريقة المصرية) والكبة والـ«سمبوسة» و«كفتة الأرز» كلها لذيذة، ولكن الألذ هو طبق المحاشي على الطريقة المصرية، وهو عبارة عن تشكيلة من محشي الباذنجان، والكرنب والكوسة والفليفلة وورق العنب أو الـ«دولما»، ميزتها نكهة البهارات التي استخدمت بمعيار معتدل جداً.

محشي الباذنجان والكرنب وورق العنب (الشرق الأوسط)

أما الملوخية، فحدث ولا حرج، فهي فعلاً لذيذة وتقدم مع الأرز الأبيض. ولا يمكن أن تزور مطعماً مصرياً دون أن تتذوق طبق الكشري، وبعدها جربنا لحم الضأن بالصلصة والأرز، ومسقعة الباذنجان التي تقدم في طبق من الفخار تطبخ فيه.

الملوخية على الطريقة المصرية (الشرق الأوسط)

وبعد كل هذه الأطباق اللذيذة كان لا بد من ترك مساحة لـ«أم علي»، فهي فعلاً تستحق السعرات الحرارية التي فيها، إنها لذيذة جداً وأنصح بتذوقها.

لائحة الحلويات طويلة، ولكننا اكتفينا بالطبق المذكور والأرز بالحليب.

أم علي وأرز بالحليب (الشرق الأوسط)

يقدم «ألذ» أيضاً العصير الطبيعي وجربنا عصير المانجو والليمونادة مع النعناع. ويفتح المطعم أبوابه صباحاً ليقدم الفطور المصري، وهو تشكيلة من الأطباق التقليدية التي يتناولها المصريون في الصباح مثل البيض والجبن والفول، مع كأس من الشاي على الطريقة المصرية.

المعروف عن المطبخ المصري أنه غني بالأطباق التي تعكس التراث الثقافي والحضاري لمصر، وهذا ما استطاع مطعم «ألذ» تحقيقه، فهو مزج بين البساطة والمكونات الطبيعية واستخدم المكونات المحلية مثل البقوليات والأرز المصري.

كشري «ألذ» (الشرق الأوسط)

وعن زبائن المطعم تقول عبير إن الغالبية منهم أجانب بحكم جغرافية المنطقة، ولكنهم يواظبون على الزيارة وتذوق الأطباق المصرية التقليدية، وتضيف أن الملوخية والكشري وشوربة العدس من بين الأطباق المحببة لديهم.

وتضيف عبير أن المطعم يقدّم خدمة التوصيل إلى المكاتب والبيوت، كما يقوم بتنظيم حفلات الطعام على طريقة الـCatering للشركات والحفلات العائلية والمناسبات كافة.