بري يؤكد أن علاقته مع رئيس الجمهورية انتقلت إلى «الإيجابية المطلقة»

تنازع الحقائب الخدماتية وتوزيع الحصص يؤخر ولادة الحكومة العتيدة

الرئيس اللبناني ميشال عون  لدى استقباله أمس عمرو موسي الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون لدى استقباله أمس عمرو موسي الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية (دالاتي ونهرا)
TT

بري يؤكد أن علاقته مع رئيس الجمهورية انتقلت إلى «الإيجابية المطلقة»

الرئيس اللبناني ميشال عون  لدى استقباله أمس عمرو موسي الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون لدى استقباله أمس عمرو موسي الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية (دالاتي ونهرا)

لا يزال تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة موضع أخذ وردّ بين القوى السياسية الكبرى، التي تتنازع الحصص والحقائب الوزارية السيادية والخدماتية، وهو ما يعيق ولادتها ضمن المهلة الزمنية المعقولة، رغم الدعم السياسي والمعنوي الذي يتلقاه رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، من الدول العربية والغربية، والتي تشجّع على تفاهم اللبنانيين فيما بينهم، وإطلاق عجلة المؤسسات الدستورية.
ونقل زوار رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري عنه أمس قوله: إن الأمور «ما تزال في بداياتها»، لكنه شدد على «إيجابية كبيرة بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون». ونقلت مصادر التقت بري عنه لـ«الشرق الأوسط» أن «ما جرى من جدل مع الرئيس (انتهى)، بل وتحولت الأمور إلى إيجابية بيننا». وأشار بري إلى أنه مصر على الحفاظ على حصته في الحكومة السابقة، وهي مع حصة «حزب الله» تضم وزارات المال والصناعة والأشغال والشباب والرياضة، باعتبار أن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أرسى قاعدة تقول باستمرار الوضع كما هو في الحكومة الحالية، لأن فترة الأشهر الفاصلة عن الانتخابات البرلمانية المقبلة، لا تستوجب تغييرات جذرية. وقال بري إنه مستعد للتوسط مع رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لإقناعه بالقبول بوزارة التربية، باعتبارها وزارة أساسية، موضحا أن الحريري فضل الحوار المباشر مع فرنجية.
ورغم تجاذب الأطراف الأساسية على الحقائب الأساسية الذي يعقّد مشاورات الرئيس المكلّف سعد الحريري، عبّر عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب سمير الجسر، عن تفاؤله بقرب ولادة الحكومة، وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «العقد الأساسية حلّت في اجتماع عيد الاستقلال في قصر بعبدا». وأكد أن «كل القوى لديها رغبة صادقة بتشكيل الحكومة بأسرع وقت، تعطي فسحة أمل للبنانيين، وتسير شؤون البلاد ونتجاوز هذه المرحلة، وأن نصل إلى انتخابات تنتج مجلسًا نيابيًا جديدًا». وقال الجسر، إن «العقد الأساسية بمعظمها ذلّلت، وتجاوزنا الخلاف على حقيبة الأشغال ونقاط الخلاف الأخرى، وتبقى مسألة حقيبة تيار «المردة»، لكنها في طريقها إلى الحلّ»، مشيرًا إلى أن الوزير سليمان فرنجية «من أول المسهلين، وهو قال ليعرضوا لنا ما لديهم والباقي علينا، وهذه إشارة واضحة للتسهيل».
بدوره، أمل وزير الأشغال العامة غازي زعيتر أن «تتشكل الحكومة اليوم قبل الغد لتتحمل المسؤولية ولو لحين الانتخابات النيابية، لأننا كسياسيين في رئاسة الجمهورية وفي المجلس النيابي وفي الحكومة معنيون ببناء مستقبل الأجيال القادمة، لأننا نريد لبنان القوي والعادل ولكل أبنائه». وقال: «نريد لبنان القوي العادل المنتصر والمحرر من عدوه الإسرائيلي ومن الإرهابيين الذين يريدون الشر لكل طوائفه ولكل قواه السياسية».
من جهته، وجه عضو كتلة «الكتائب» النائب إيلي ماروني نداء إلى الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، دعاهما فيه إلى «تشكيل حكومة تكنوقراط ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب وإشراف هذه الحكومة على وضع قانون انتخابي حديث يؤمن حسن التمثيل ويوصل صوت المواطن وخصوصا المغترب إلى صندوق الاقتراع لكي نصل إلى برلمان عليه القدر والقيمة يمثل الشعب اللبناني العريق».
وتلقى عون أمس برقية تهنئة بعيد الاستقلال من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ومن أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، ونائب أمير الدولة عبد الله بن حمد آل ثاني، ورئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني. واعتبر هولاند في برقيته أن انتخاب رئيس للبنان وتسمية رئيس مكلف لتشكيل الحكومة «يمكن أن يشكلا صفحة جديدة للبنان». وقال: «لقد أثبت المسؤولون اللبنانيون تحملهم المسؤولية ومساهمتهم في وضع حدّ للشغور الرئاسي، وهذا ما يسعدنا، وإنني آمل أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية في أسرع وقت، وأن يعاود المجلس النيابي التشريع بشكل طبيعي، لأن لبنان بحاجة إلى مؤسسات قوية لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والإنسانية التي تواجهه».
وأضاف هولاند أن لبنان «يدرك أنه بإمكانه الاعتماد على دعم فرنسا، ليس فقط على الصعيد الثنائي ولكن إلى جانب الشركاء الدوليين، إن بلادي تعمل منذ زمن بهدف الحفاظ على استقرار وسلام لبنان، وبصورة خاصة عبر التزامها الدائم ضمن الوحدات الفرنسية العاملة في القوة الدولية في الجنوب»، مؤكدًا أن فرنسا «مصممة على المضي قدمًا للعمل لمصلحة لبنان مع شركائها الدوليين».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.