الفلسطينيون يتعهدون بمقاومة منع الآذان من 400 مسجد.. واليهود يدعمونه

فلسطيني مقدسي: هذا قانون عنصري وسنؤذن في كل بيت وشارع

مسجد في القدس القديمة وتظهر خلفه قبة مسجد الصخرة.. يتهددهما مع مساجد القدس الأخرى «قانون المؤذن» (أ.ف.ب)
مسجد في القدس القديمة وتظهر خلفه قبة مسجد الصخرة.. يتهددهما مع مساجد القدس الأخرى «قانون المؤذن» (أ.ف.ب)
TT

الفلسطينيون يتعهدون بمقاومة منع الآذان من 400 مسجد.. واليهود يدعمونه

مسجد في القدس القديمة وتظهر خلفه قبة مسجد الصخرة.. يتهددهما مع مساجد القدس الأخرى «قانون المؤذن» (أ.ف.ب)
مسجد في القدس القديمة وتظهر خلفه قبة مسجد الصخرة.. يتهددهما مع مساجد القدس الأخرى «قانون المؤذن» (أ.ف.ب)

يضبط الحاج محمود سعيد (67 عاما)، أوقاته على أذان المسجد الأقصى الذي يعيش قريبا منه، ولا يتخيل في أي يوم من الأيام أن يغيب هذا الأذان لأي سبب من الأسباب، حتى مع مناقشة مشروع قانون إسرائيلي جديد للحد من استخدام مكبرات الصوت في المساجد، وهو ما بات يعرف في إسرائيل بقانون «المؤذن».
يقول سعيد لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن منع الأذان.. لا أتخيل ذلك». ويضيف: «الأقصى مقدس وأذانه مقدس كمان. وأذان مساجد المدينة كلها». ويتابع محمود: «إنهم يعرفون أن الأذان لن يسكت. لقد شاهدوا كيف كنا نصلي في الشارع عندما يغلقون المسجد. الكبار والصغار كانوا يصلون على الإسفلت. وإذا سنّت إسرائيل فعلا هذا القانون العنصري فعلا، سنؤذن في كل بيت وشارع، ولن يُسكتوا الأذان».
وكان يفترض أن يناقش الكنيست الإسرائيلي أمس، مشروع قانون للتصويت عليه، «يقيد استخدام أنظمة النداء ومكبّرات الصوت في دور العبادة». وقد دفعت الحكومة الإسرائيلية باقتراحات جديدة، بأن ينفذ القانون فقط في ساعات الليل، لتجنب معارضة المتدينين اليهود الذي رفضوا، في البداية، هذا القانون، خشية من أن يشمل صافرات يوم السبت التي تطلق عادة قبل الغروب.
وينص القانون محل النقاش، على إسكات جميع المكبرات، من الساعة 11 ليلا حتى السادسة صباحا، ما يعني أنه لن يكون بإمكان المسلمين سماع أذان الفجر على وجه الخصوص.
وجاء في نص مشروع القانون الإسرائيلي، أنه «يجب منع استخدام مكبّرات الصوت بهدف دعوة المُصلّين للصلاة، أو نقل أي رسائل دينية أو قومية». وفيه أيضا: «يعاني كثير من المواطنين الإسرائيليين يوميا من الضجة التي تُسببها أصوات الأذان الصادرة من المساجد».
ويقول كثير من الإسرائيليين، إن صوت الأذان يشكل بالنسبة لهم «تلوثا ضوضائيا»، ووصفه النائب موتي يوغيف، من حزب البيت اليهودي، القومي المتشدد، بأنه مؤذ لمئات آلاف الناس. وقال إيلي بين شيمان (74 عاما): «لا يمكننا النوم».
وفجر ذلك، جدلا واسعا، خلال الأيام القليلة الماضية، وأشعل نقاشا لا نهاية له حول «العنصرية» في إسرائيل، وأطلق مظاهرات في أماكن مختلفة مع تهديدات فلسطينية وعربية كذلك.
وحذر الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، من «خطورة الإجراءات الإسرائيلية» التي «ستجر المنطقة إلى كوارث». كما شجب وزير الأوقاف الفلسطيني، الشيخ يوسف أدعيس، مشروع القانون، الذي يعبر «عن عنصرية تجاوزت الأبعاد السياسية، لتصل إلى أبعاد دينية تنذر المنطقة كلها بحرب دينية»، فيما وصفه زعيم حركة حماس، خالد مشعل، بأنه «لعب بالنار».
وفوق ذلك، احتجت الممكلة الأردنية، بصفتها راعي المقدسات، ودخلت الجامعة العربية على الخط محذرة.
لكن الخطوة الأهم التي يعتقد أنها ستؤجل التصويت على القانون، هي تهديدات جديدة لعضو الكنيست أحمد الطيبي، باللجوء إلى المحكمة العليا الإسرائيلية.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إنه سيجري تأجيل قانون منع الأذان للتصويت عليه بالقراءة التمهيدية في الكنيست الإسرائيلي الأربعاء (اليوم)، للمرة الثانية، بعدما أعلن عضو الكنيست من القائمة المشتركة أحمد الطيبي نيته اللجوء إلى المحكمة العليا الإسرائيلية.
وكان الطيبي الذي رفع الأذان، قبل أيام قليلة فقط من على منصة الكنيست محدثا جلبة كبيرة، هدد بتقديم التماس إلى محكمة العدل العليا، بسبب انتهاك حرية التدين والعبادة الذي سيحدث نتيجة القانون. وقال الطيبي، إنه «لا داعي لهذا القانون، واعتبره استفزازيا وشائنا. يمكن حلّ الأمور أيضا من دون إكراه. فقد توصل اليهود والعرب، في أماكن مختلفة من البلاد، وعبر الحوار، إلى حلول، ويجب الاستمرار في اتباع هذا الاتجاه».
وبحسب «يديعوت أحرونوت»، يريد أصحاب القانون إجراء تعديلات عليه تسمح بمواجهة المحكمة العليا الإسرائيلية في حال توجه الطيبي لها.
وكانت المرة الأولى التي جرى فيها تأجيل عرض مشروع القانون أمام الكنيست، الأربعاء الماضي، بعد أن قدم وزير الصحة الإسرائيلي، يعقوب ليتسمان، اعتراضا على القانون بسبب صفارة السبت.
وخشي ليتسمان من أن يضر القانون أيضا بالصافرة التي تعلن عن دخول يوم السبت اليهودي، ولكن بعد أن حددت الحكومة الأمر بأوقات الليل فقط، تراجع ليتسمان عن معارضته، وأصبح الأمر مقتصرا على المساجد وعلى أذان الفجر تحديدا.
ويوجد في إسرائيل والقدس 400 مسجد، بحسب أرقام صادرة عن الحكومة الإسرائيلية، أهمها المسجد الأقصى الذي يعد أولى القبلتين وثالث الحرمين عند المسلمين.
وقالت مي سليمان (38 عاما) من حي شعفاط في القدس: «الأذان هو راحة نفسية بالنسبة لنا. أنا أرتب حياتي حسب أوقات الأذان».
وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كانوا يتحدثون عن الضوضاء، فماذا عن (صفارة السبت)، والصفارات التي تطلق في مناسبات وأعياد يهودية؟ ماذا نسميها؟».
وتعهد طارق مروان، (34 عاما)، ويسكن في البلدة القديمة في القدس، بإبقاء الأذان عاليا في سماء المدينة. وتساءل في حديث مع «الشرق الأوسط»: «لماذا الآن؟ إنها جزء من حرب أكبر لتهويد المدينة. نحن لن نسمح، وسنطلق الأذان في كل بيت وشارع وحارة ومكان. عليهم أن يفهموا ذلك».
ولا يلاقي المشروع الحالي معارضة فلسطينية وحسب، بل أيضا من بعض اليهود الذين لا يعتقدون أنه يمكن تطبيقه في كل مكان. وعلّق زعيم حزب شاس على القانون قائلاً: «حتى وإن صودق على هذا القانون الجديد الذي لا داعي له، ولن يطبق، فإنه لن يُغيّر شيئا، سوى أنه سيمس بمشاعر كثير من المواطنين وحسب».
ويثير النقاش اليوم حول القانون الجديد، عاصفة على مواقع التوصل الاجتماعي. وأطلق محتجون «هاشتاغ» شهيرا تحت عنوان «#لن_تسكت_المآذن».
وردّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي دعم مشروع قانون المؤذن، على الاتهامات ضدّه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكتب بالعربية على موقعه: «هذا ما يجري القيام به في مدن كثيرة في أوروبا، وفي أماكن مختلفة في العالم الإسلامي، حيث فُرضت قيود على مستوى صوت المكبّرات».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.