طابعات مكتبية تخترق الاتصالات الهاتفية الجوالة

تعمل كأبراج مزيفة تلتقط المكالمات والرسائل النصية

طابعات مكتبية تخترق الاتصالات الهاتفية الجوالة
TT

طابعات مكتبية تخترق الاتصالات الهاتفية الجوالة

طابعات مكتبية تخترق الاتصالات الهاتفية الجوالة

لطالما خالج جوليان أوليفر شغف غريب على مدار سنوات عدة لدى رؤيته أبراج الهاتف الجوال التي تعجز محاولات إخفائها عن إقصائها عن الأعين، بجانب الهوائيات الضخمة القائمة على جانبي الطريق والتي يجري إخفاؤها عبر لفها حول سعف النخيل المقلدة لرسم صورة شجرة أو أشكال أخرى. كما أن محطات الاتصالات الأساسية المخفية أمدته بفكرة أخرى تحمل قدرًا واضحًا من الدهاء، وتحديدًا.. بناء برج لإشارات الهاتف الجوال، لكن مع إخفائه على نحو أفضل بكثير بحيث يوجد بجوارك داخل المكتب ذاته دون أن تساورك أي ريبة تجاهه، في الوقت الذي يتولى على نحو غير ملحوظ الاستيلاء على محادثاتك والرسائل النصية عبر هاتفك الجوال.
في وقت سابق من الشهر الحالي، كشف أوليفر، الذي يعنى بالفن والقرصنة في الوقت ذاته ويقيم في برلين، عن النتيجة التي توصل إليها: طابعة من طراز «هيلويت باكارد» تبدو تقليدية تمامًا وغير لافتة للأنظار. المفاجأة أن هذه الطابعة ذات الظهر المثير للملل تعمل سرًا كمحطة اتصالات أساسية مارقة تتبع النظام العالمي للاتصالات المتنقلة (والمعروفة اختصارًا باسم «جي إس إم» GSM)، تعمد إلى خداع هاتفك كي يتصل بها بدلاً عن الاتصال ببرج الهاتف المعني بخدمة هاتفك، لينجح بذلك في اعتراض اتصالاتك الهاتفية ورسائلك النصية، وفقا لموقع «وايرد.كوم».
وبمقدور الطابعة الزائفة التي ابتكرها أوليفر، ويطلق عليها «البرج السري»، التنصت على اتصالاتك الهاتفية والرسائل النصية لأي هاتف تنجح في خداعه عبر الاتصال به تلقائيًا. ونظرًا لأن هذه الطابعة الشريرة توجد بالداخل بالقرب من ضحاياها، فإن باستطاعتها حسبما أوضح أوليفر التغلب بسهولة على الإشارات القادمة من الأبراج الحقيقية بالخارج. إلا أنه بدلاً عن التجسس، تشرع الطابعة ببساطة في محادثة عبر الرسائل النصية مع الهاتف، من خلال التظاهر بأنها رقم غير مسجل وتبعث برسالة تحمل معنى عاما، مثل «تعال عندما تصبح مستعدًا»، أو ربما رسالة تحمل قدرًا أكبر من المزاح، مثل «إنني أطبع التفاصيل التي طلبتها الآن».
أيضًا، لدى الطابعة القدرة على إجراء اتصالات هاتفية مع هواتف متصلة، وإذا ما أجاب صاحب الهاتف، فإنها تشغل أغنية ستيف ووندر الشهيرة «آي جست كولد تو ساي آي لوف يو» (اتصل بك فقط لأقول لك إني أحبك). وبعد خمس دقائق، توقف الطابعة اتصالها بالهاتف لتسمح له بمعاودة الاتصال ببرج حقيقي لإشارات الهاتف الجوال.
ومن وراء اختراعه هذا، سعى أوليفر لكشف العيوب الخطيرة الكامنة في اتصالات الهاتف الجوال من منظور الخصوصية، خصوصا أن «البرج السري» الذي ابتكره لا يختلف كثيرًا عن أجهزة أخرى معروفة مثل جهاز التنصت المعروف باسم «آي إم إس آي كاتشر» الذي تستخدمه الشرطة في التنصت على اتصالات الهاتف الجوال والتجسس وتتبع المجرمين المشتبه بهم. وفي هذا الصدد، أعرب أوليفر عن اعتقاده بأن: «جي إس إم» متداعية للغاية، في وقت تبدو الهواتف متلهفة على الاتصال بأي برج إشارات لدرجة أنها ستسارع إلى الاتصال بأي شيء يبدو لها برج إشارات هاتف جوال. في الواقع، كثيرًا ما يجري نشر أجهزة «آي إم إس آي كاتشر IMSI catchers» خلال المظاهرات، الأمر الذي يثير القلق بالنظر إلى حجم اعتماد الحركات النشطة على اتصالات الهاتف الجوال والرسائل النصية من خلاله في تنظيم تحركاتها».
كان أوليفر قد نجح في بناء طابعة التجسس تلك بالاعتماد على برنامج يسهل شراؤه: كومبيوتر «نانو» «رسبري باي»، وراديو «بليد آر إف»، وهوائي «جي إس إم» وبالطبع طابعة «هيلويت باكارد 1320». كما أنه نشر الشفرة الخاصة بـ«البرج السري» عبر الموقع الإلكتروني الخاص به.
إلا أنه ينبغي تجنب محاولة تنفيذ هذه التجربة داخل المنزل أو المكتب، ذلك أن أوليفر أقر أن هذه الطابعة تشكل خرقًا لكثير من القوانين حال استخدامها دون ضمانات معينة. وأضاف أنه إذا ما قرر عرض الطابعة خلال معرض أو متحف، فإنه سيحرص أولاً على استشارة محامين ونشر تحذيرات موجهة لأي شخص يدخل إلى القاعة التي توجد بها الطابعة تنبهه إلى أن اتصالات هاتفه الجوال ستتعرض للتنصت عليها.



هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟
TT

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟

يوجه ديميس هاسابيس، أحد أكثر خبراء الذكاء الاصطناعي نفوذاً في العالم، تحذيراً لبقية صناعة التكنولوجيا: لا تتوقعوا أن تستمر برامج المحادثة الآلية في التحسن بنفس السرعة التي كانت عليها خلال السنوات القليلة الماضية، كما كتب كاد ميتز وتريب ميكل (*).

التهام بيانات الإنترنت

لقد اعتمد باحثو الذكاء الاصطناعي لبعض الوقت على مفهوم بسيط إلى حد ما لتحسين أنظمتهم: فكلما زادت البيانات التي جمعوها من الإنترنت، والتي ضخُّوها في نماذج لغوية كبيرة (التكنولوجيا التي تقف وراء برامج المحادثة الآلية) كان أداء هذه الأنظمة أفضل.

ولكن هاسابيس، الذي يشرف على «غوغل ديب مايند»، مختبر الذكاء الاصطناعي الرئيسي للشركة، يقول الآن إن هذه الطريقة بدأت تفقد زخمها ببساطة، لأن البيانات نفدت من أيدي شركات التكنولوجيا.

وقال هاسابيس، هذا الشهر، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وهو يستعد لقبول «جائزة نوبل» عن عمله في مجال الذكاء الاصطناعي: «يشهد الجميع في الصناعة عائدات متناقصة».

استنفاد النصوص الرقمية المتاحة

هاسابيس ليس الخبير الوحيد في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يحذر من تباطؤ؛ إذ أظهرت المقابلات التي أُجريت مع 20 من المديرين التنفيذيين والباحثين اعتقاداً واسع النطاق بأن صناعة التكنولوجيا تواجه مشكلة كان يعتقد كثيرون أنها لا يمكن تصورها قبل بضع سنوات فقط؛ فقد استنفدت معظم النصوص الرقمية المتاحة على الإنترنت.

استثمارات رغم المخاوف

بدأت هذه المشكلة في الظهور، حتى مع استمرار ضخ مليارات الدولارات في تطوير الذكاء الاصطناعي. في الأسبوع الماضي، قالت شركة «داتابريكس (Databricks)»، وهي شركة بيانات الذكاء الاصطناعي، إنها تقترب من 10 مليارات دولار في التمويل، وهي أكبر جولة تمويل خاصة على الإطلاق لشركة ناشئة. وتشير أكبر الشركات في مجال التكنولوجيا إلى أنها لا تخطط لإبطاء إنفاقها على مراكز البيانات العملاقة التي تدير أنظمة الذكاء الاصطناعي.

لا يشعر الجميع في عالم الذكاء الاصطناعي بالقلق. يقول البعض، بمن في ذلك سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، إن التقدم سيستمر بنفس الوتيرة، وإن كان مع بعض التغييرات في التقنيات القديمة. كما أن داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة الذكاء الاصطناعي الناشئة، «أنثروبيك»، وجينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة «نيفيديا»، متفائلان أيضاً.

قوانين التوسع... هل تتوقف؟

تعود جذور المناقشة إلى عام 2020، عندما نشر جاريد كابلان، وهو فيزيائي نظري في جامعة جونز هوبكنز، ورقة بحثية تُظهِر أن نماذج اللغة الكبيرة أصبحت أكثر قوة وواقعية بشكل مطرد مع تحليل المزيد من البيانات.

أطلق الباحثون على نتائج كابلان «قوانين التوسع (Scaling Laws)»... فكما يتعلم الطلاب المزيد من خلال قراءة المزيد من الكتب، تحسنت أنظمة الذكاء الاصطناعي مع تناولها كميات كبيرة بشكل متزايد من النصوص الرقمية التي تم جمعها من الإنترنت، بما في ذلك المقالات الإخبارية وسجلات الدردشة وبرامج الكومبيوتر.

ونظراً لقوة هذه الظاهرة، سارعت شركات، مثل «OpenAI (أوبن إيه آي)» و«غوغل» و«ميتا» إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من بيانات الإنترنت، وتجاهلت السياسات المؤسسية وحتى مناقشة ما إذا كان ينبغي لها التحايل على القانون، وفقاً لفحص أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، هذا العام.

كان هذا هو المعادل الحديث لـ«قانون مور»، وهو المبدأ الذي كثيراً ما يُستشهد به، والذي صاغه في ستينات القرن العشرين المؤسس المشارك لشركة «إنتل غوردون مور»؛ فقد أظهر مور أن عدد الترانزستورات على شريحة السيليكون يتضاعف كل عامين، أو نحو ذلك، ما يزيد بشكل مطرد من قوة أجهزة الكومبيوتر في العالم. وقد صمد «قانون مور» لمدة 40 عاماً. ولكن في النهاية، بدأ يتباطأ.

المشكلة هي أنه لا قوانين القياس ولا «قانون مور» هي قوانين الطبيعة الثابتة. إنها ببساطة ملاحظات ذكية. صمد أحدها لعقود من الزمن. وقد يكون للقوانين الأخرى عمر افتراضي أقصر بكثير؛ إذ لا تستطيع «غوغل» و«أنثروبيك» إلقاء المزيد من النصوص على أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهما، لأنه لم يتبقَّ سوى القليل من النصوص لإلقائها.

«لقد كانت هناك عائدات غير عادية على مدى السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، مع بدء تطبيق قوانين التوسع»، كما قال هاسابيس. «لكننا لم نعد نحصل على نفس التقدم».

آلة تضاهي قوة العقل البشري

وقال هاسابيس إن التقنيات الحالية ستستمر في تحسين الذكاء الاصطناعي في بعض النواحي. لكنه قال إنه يعتقد أن هناك حاجة إلى أفكار جديدة تماماً للوصول إلى الهدف الذي تسعى إليه «غوغل» والعديد من الشركات الأخرى: آلة يمكنها أن تضاهي قوة الدماغ البشري.

أما إيليا سوتسكيفر، الذي كان له دور فعال في دفع الصناعة إلى التفكير الكبير، كباحث في كل من «غوغل» و«أوبن أيه آي»، قبل مغادرته إياها، لإنشاء شركة ناشئة جديدة، الربيع الماضي، طرح النقطة ذاتها خلال خطاب ألقاه هذا الشهر. قال: «لقد حققنا ذروة البيانات، ولن يكون هناك المزيد. علينا التعامل مع البيانات التي لدينا. لا يوجد سوى شبكة إنترنت واحدة».

بيانات مركبة اصطناعياً

يستكشف هاسابيس وآخرون نهجاً مختلفاً. إنهم يطورون طرقاً لنماذج اللغة الكبيرة للتعلُّم من تجربتهم وأخطائهم الخاصة. من خلال العمل على حل مشاكل رياضية مختلفة، على سبيل المثال، يمكن لنماذج اللغة أن تتعلم أي الطرق تؤدي إلى الإجابة الصحيحة، وأيها لا. في الأساس، تتدرب النماذج على البيانات التي تولِّدها بنفسها. يطلق الباحثون على هذا «البيانات الاصطناعية».

أصدرت «اوبن أيه آي» مؤخراً نظاماً جديداً يسمى «OpenAI o1» تم بناؤه بهذه الطريقة. لكن الطريقة تعمل فقط في مجالات مثل الرياضيات وبرمجة الحوسبة؛ حيث يوجد تمييز واضح بين الصواب والخطأ.

تباطؤ محتمل

على صعيد آخر، وخلال مكالمة مع المحللين، الشهر الماضي، سُئل هوانغ عن كيفية مساعدة شركته «نيفيديا» للعملاء في التغلب على تباطؤ محتمل، وما قد تكون العواقب على أعمالها. قال إن الأدلة أظهرت أنه لا يزال يتم تحقيق مكاسب، لكن الشركات كانت تختبر أيضاً عمليات وتقنيات جديدة على شرائح الذكاء الاصطناعي. وأضاف: «نتيجة لذلك، فإن الطلب على بنيتنا التحتية كبير حقاً». وعلى الرغم من ثقته في آفاق «نيفيديا»، فإن بعض أكبر عملاء الشركة يعترفون بأنهم يجب أن يستعدوا لاحتمال عدم تقدم الذكاء الاصطناعي بالسرعة المتوقَّعة.

وعن التباطؤ المحتمل قالت راشيل بيترسون، نائبة رئيس مراكز البيانات في شركة «ميتا»: «إنه سؤال رائع نظراً لكل الأموال التي يتم إنفاقها على هذا المشروع على نطاق واسع».

* خدمة «نيويورك تايمز»