النظام يرفض من دون أن يعيق.. مبادرة تركية ـ إقليمية لإنقاذ مدينة حلب

تنص على انسحاب «النصرة» والسلاح الثقيل وإدارة ذاتية شرقا.. وانسحاب حلفاء النظام غربا

طفل مصاب ورجل من عائلته في القسم الشرقي المحاصر من حلب يتدفآن من برد الشتاء يوم الجمعة الماضي (رويترز)
طفل مصاب ورجل من عائلته في القسم الشرقي المحاصر من حلب يتدفآن من برد الشتاء يوم الجمعة الماضي (رويترز)
TT

النظام يرفض من دون أن يعيق.. مبادرة تركية ـ إقليمية لإنقاذ مدينة حلب

طفل مصاب ورجل من عائلته في القسم الشرقي المحاصر من حلب يتدفآن من برد الشتاء يوم الجمعة الماضي (رويترز)
طفل مصاب ورجل من عائلته في القسم الشرقي المحاصر من حلب يتدفآن من برد الشتاء يوم الجمعة الماضي (رويترز)

أعلن النظام السوري أمس «رفضا قاطعا» لطرح نقله إليه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا يجري التداول فيه إقليميا ودوليا، حول وضع مدينة حلب السورية التي يحاصر النظام وحلفاؤه شطرها الشرقي. لكن هذا الرفض لم يعنِ نهاية الطرح الذي ينص على خروج جبهة «النصرة» من شرق المدينة مقابل تخفيف الطوق عنها، وسط تأكيدات من مصادر في المعارضة السورية، وتلميحات من المصادر التركية بقبول روسي بها رغم مواقف النظام.
وقالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط» إن رفض النظام ليس نهاية المطاف لأن الروس أبدوا تفهما لهذا الطرح الذي جرى التداول فيه دوليا وإقليميا قبل أن يحمله دي ميستورا، موضحة أن الطلب الأساسي للروس كان خروج «النصرة» وهذا ما يزال ممكنا. وقالت المصادر إن أنقرة تتباحث بشكل جدي مع الروس في إيجاد مخرج واقعي لإنهاء أزمة حلب، مشيرة إلى أن تركيا عرضت أكثر من مقترح على روسيا لحل الأزمة، منها ما يقترب مما طرحه المبعوث الدولي بشأن «إدارة ذاتية» لشرق حلب. وكشفت المصادر أن الاقتراح الذي يتم التداول به يقضي بإخراج مقاتلي «النصرة» أو «فتح الشام» بمسماها الجديد من المدينة المحاصرة، على أن يصار إلى منع الوجود العسكري داخل المدينة. وأوضحت أن الاقتراح يقضي بتواجد عناصر من «الجيش السوري الحر» على الخطوط الفاصلة بين شطري حلب، مع وجود عناصر النظام في الجهة المقابلة، من دون تواجد المسلحين في أي من شطري المدينة. وينص المقترح أيضا على إخراج الأسلحة الثقيلة وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية والبضائع إلى الشطر المحاصر من المدينة.
وكشفت مصادر أخرى عن وجود مسعى جدي مع «النصرة» للقبول بخروج عناصرها من المدينة، وتحدثت المصادر عن حركة موفدين حثيثة تهدف للحصول على موافقة «النصرة» وفصائل المعارضة المتواجدة داخل المدينة على الانسحاب بضمانات دولية. كما كشفت المصادر عن شروط مقابلة تتضمن عدم وجود أي مقاتلين أجانب في مدينة حلب من حلفاء النظام الإيرانيين والعراقيين وما يسمى «حزب الله» وغيرهم.
ورغم أن أي إجابة لم تصل بعد من جهة «النصرة» فإن مصادر في المعارضة السورية أبدت تفاؤلا بإمكانية تحقيق ذلك، باعتباره «أحد الحلول السيئة، لكن الضرورية، لإنقاذ المحاصرين من المدنيين داخل المدينة».
وقالت المصادر التركية إن الحوار مع الروس لم يصل إلى «نقاط محددة»، لكنه أشار إلى أن موسكو أبدت استعدادها لتقديم ضمانات للمنسحبين في حال قرروا الخروج عبر معبرين يؤديان إلى محافظة إدلب وشمال حلب. وأشارت إلى إمكانية حقيقية للوصول إلى نتائج إيجابية مع الروس في حال وافقت «النصرة» على الانسحاب، وبالتالي «إقناع» النظام بالانسحاب.
وأشار عضو الهيئة العليا التفاوضية، والائتلاف الوطني، فؤاد عليكو إلى أن عرض دي ميستورا لا يزال غير واضح بالنسبة إلى المعارضة. وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «الإدارة الذاتية بالنسبة إلينا طرح غير وارد خاصة إذا كان على غرار ما قام به حزب الاتحاد الديمقراطي في بعض مناطقه أو كانت تحت إدارة النظام الذي لا يزال أهالي حلب صامدين تحت القصف لأنهم رافضون لحكمه، وبالتالي قبولنا به يعني القبول بعرض استسلامي». وأضاف: «أما إذا كان القصد منها إدارة محلية من قبل مجلس محافظة حلب وأن تبقى المدينة لأهلها فهذا من الممكن البحث به». وعن شرط خروج المقاتلين من أحياء حلب الشرقية، قال عليكو «هذا الأمر قد يكون قابلا للبحث إذا توفرت الشروط السابقة وعندها تتسلم شرطة حلب التابعة لمركز المحافظة أمن المدينة».
وأكد وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم أن فكرة «الإدارة الذاتية» في شرق المدينة مرفوضة جملة وتفصيلا لأن فيها «مكافأة للإرهابيين». وقال المعلم في مؤتمر صحافي عقب لقائه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في دمشق، أمس «أجرينا محادثات صباح اليوم (أمس) مع دي ميستورا ووفده وكنت أتوقع وزملائي أن نسمع منه تحديد موعد لاستئناف الحوار السوري السوري لكن لم يكن لديه ذلك» موضحا أن دي ميستورا ركز على ما سماه أفكارا بشأن شرق حلب. وأشار المعلم إلى أن دي ميستورا تحدث عن «إدارة ذاتية» موجودة في شرق حلب مشددًا على أن هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلا لأن فيها نيلا من سيادتنا الوطنية وفيها مكافأة للإرهاب.
وأكد المعلم أنه «لا بد بعد خروج المسلحين من عودة مؤسسات الدولة الخدمية والأمنية إلى شرق حلب الذي لا يمكن أن يكون شاذا عن بقية المناطق التي جرت فيها تسويات ومصالحات، وكان آخرها في المعضمية (لا يمكن أن تشذ عن هذه القاعدة)».
وحول تصريحات دي ميستورا لصحيفة «الغارديان» البريطانية، أوضح المعلم أن دي ميستورا برر ما قاله بأنه اجتهاد شخصي، مضيفا: «نحن في سوريا تحديدا لا نتعاطى إطلاقا بمثل هذه المسميات ونربأ على الأمم المتحدة أن تتعاطى بذلك. هذا مرفوض جملة وتفصيلا. نحن نفخر دائما باللحمة الوطنية بين مكونات الشعب السوري.. وأنا أعتقد أن الرسالة وصلت للسيد دي ميستورا».
وحذر دي ميستورا بدوره من أن الوقت «ينفد» بالنسبة للوضع في شرق حلب. وقال للصحافيين في دمشق بعد ساعات من لقائه وزير الخارجية السوري وليد المعلم، إن «الوقت ينفد ونحن في سباق مع الزمن». ونبه من أنه «بحلول عيد الميلاد (25 الشهر المقبل) وبسبب تكثف العمليات العسكرية، قد نشهد تدهورا لما تبقى في شرق حلب ويمكن أن ينزح نحو 200 ألف شخص إلى تركيا، ما سيشكل كارثة إنسانية». وقال: إنه عبر «عن قلقه الشديد» ونقل إلى المعلم «الاستنكار الدولي» لعمليات القصف هذه، واصفا الغارات على مستشفيات في شرق حلب بأنها أمر «مأساوي».
وأكد دي ميستورا رفض دمشق اقتراحه إقامة «إدارة ذاتية» لمقاتلي المعارضة في الأحياء الشرقية التي يسيطرون عليها في حلب. وذكر المبعوث الأممي بأن خطة الأمم المتحدة لحلب تنص على وقف القصف من الجانبين ورحيل المقاتلين من جبهة «فتح الشام» (النصرة سابقا) من المدينة، وكذلك أي مقاتل أو مدني يرغب في ذلك وإبقاء إدارة محلية للمعارضة في شرق حلب.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم