مهرجان القاهرة السينمائي.. أفلام لم تخلُ من هفوات العمل الأول وأخرى تبحث عن هوية

طرحت أمام لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية»

فيلم «أفراح صغيرة» للمغربي الشريف الطريبق يحمل أبعادًا اجتماعية
فيلم «أفراح صغيرة» للمغربي الشريف الطريبق يحمل أبعادًا اجتماعية
TT

مهرجان القاهرة السينمائي.. أفلام لم تخلُ من هفوات العمل الأول وأخرى تبحث عن هوية

فيلم «أفراح صغيرة» للمغربي الشريف الطريبق يحمل أبعادًا اجتماعية
فيلم «أفراح صغيرة» للمغربي الشريف الطريبق يحمل أبعادًا اجتماعية

في الوقت الذي شهد فيه «يوم للستات» انقسامًا واضحًا بين المشاهدين حين افتتح الدورة الـ38 من مهرجان القاهرة الحالي، سجل «لحظات انتحارية» قبولاً أوسع على نحو عام.
يبدأ الفيلم الجديد «لحظات انتحارية» جيدًا. لدى المخرجة إيمان النجار حكاية يتم تأسيسها سريعًا: امرأة شابة أسمها مروة (دنيا ماهر) تفقد أمها على حين غرّة. بهذه الوفاة المفاجئة لها، تفتح عيناها على حقائق لم تكن تعرفها عن تاريخ الأسرة. هي وأمها. أمها وشقيقتها (خالة الفتاة) والجميع ثم هي والشخصية الغامضة (قصدًا) التي يؤديها زكي فطين عبد الوهاب. بطلة الفيلم كانت تنوي السفر إلى أستراليا للالتحاق بزوجها، لكن الوفاة وتداعياتها تمنعها من ذلك.
كل هذا على خلفية ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2010. والخط الممتد بين الرواية الأمامية وبين الخلفية خيط وثيق. فالفيلم لا يستخدم ما وقع في ذلك التاريخ لمجرد إشغال المشاهد بمتابعة حدثين يجريان في الوقت ذاته، بل لأن الأكاذيب التي تكتشف مروة وجودها بين أفراد أسرتها هي، وإلى حد كبير، تلتقي وما وهبته الثورة من آمال وتداعيات قبل أن تتحوّل إلى واقع جديد.
على ذلك، فإن مروة خائفة. عليها أن تلتزم البيت مع جثة أمها، لأن من سيشرف على دفنها في المدافن ليس موجودًا. وهي لا تريد مغادرة الشقة الكبيرة التي آلت إليها خوفًا مما يحدث في الشارع. والمزج هنا بين مشاهد مصوّرة للفيلم وأخرى وثائقية جيد من حيث الاستخدام وتوقيته وتوظيفه.
لكن بعد أقل من نصف ساعة من الفيلم يقع الاضطراب الذي كنت تتمنى ألا يقع. الإيقاع يختلف وباختلافه تشعر بأن المشاهد الأولى التي أحسن تصميمها تخلت عن الرغبة في إتقان تقديم الحالة إلى نوع من اللهث والمشاهد غير المفسرة.. وغير المسموعة بوضوح أيضًا كون الصوت المسجّل (كما في كثير من الأفلام المصرية) يصل إلى مسامع المشاهد كما لو تم تنفيذه على موجة «مونو» وليس «ستيريو». الواقع أن التسجيل نفسه لا يكترث لخلق فروق صوتية بين أي شخصيتين. تتكلمان كما لو كانتا ذات فم واحد وبغيات تفعيل تقني جيد، يُسمع هذا الصوت كما لو كان هديرًا يأكل الكلمات. يزيد من المشكلة أن بعض الشخصيات تهمس حين تتحدث.
* لقاءات
لجنة التحكيم المكلفة بمعاينة هذا الفيلم المعروض في قسم «آفاق السينما العالمية» من قيادة الممثلة والمنتجة إلهام شاهين وعضوية المخرج التونسي أحمد بولان والممثل والسيناريست اللبناني جورج خباز. أما الأفلام المشتركة فهي باقة من بعض الأهم أو ذي أهمية.
هناك «بركة يقابل بركة» للمخرج السعودي محمود الصباغ. فيلم لا يمكن إلا أن يستحوذ على الإعجاب رغم أنه لا يخلو من هفوات العمل الأول. هنا تقع الحكاية في مدينة جدّة اليوم وتدور حول موظف البلدية الشاب بركة (هشام فقيه) الذي يلتقي في أحد الأيام بالمرأة التي يشعر معها بحب الارتباط (فاطمة البنوي). لكنه من طبقة غير ميسورة بينما أتت هي من عائلة توارثت المال والنجاح وتبنتها عندما كانت طفلة بعدما أخفق الزوجان في الإنجاب. اسمها أيضًا بركة، ولو أنها كانت تختفي وراء اسم آخر هو «بيبي» وهي تعمل مع أمها في محل أزياء، وتمضي الوقت بنشر صور لنصف وجهها (تبعًا لتقاليد المجتمع الصارمة) على «فيسبوك». أما هو، فيمضي وقت فراغه في التحضير لمسرحية «هاملت» التي، كما نرى في مشهد لاحق، سيضطر فيها لارتداء ثياب امرأة كونه يمثل إحدى شخصياتها النسائية. عندما يلتقي بركة ببركة في الطبيعة (وعن بعد) فإن المناسبة متاحة للمخرج صبّاغ الإشارة إلى مزيد مما يعيق طبيعة الأشياء ويقيدها تبعًا للقوانين مسنّة كانت أم غير مكتوبة. مهارة المخرج هي في توفير كوميديا لا تبتعد عن غرض الترفيه، لكنها تعلو به إلى الحد الكافي لعدم تغريبه عن واقعه أيضًا.
في الفيلم المغربي «أفراح صغيرة» يواصل محمد الشريف الطريبق ما كان بدأه في فيلمه الأول: العناية بالصداقة كـ«ثيمة» أو موضوع. في فيلمه الأول «زمن الرفاق» تعامل مع صداقة بين شابين وهنا صداقة بين فتاتين.
لا يتعامل «أفراح صغيرة» مع المحيط الاجتماعي على النحو ذاته الذي رأيناه في «لحظات انتحارية» فالمغرب لم يشهد ما شهدته مصر وبلدان عربية أخرى من ثورات، لكنه، وكما يقول مخرجه، الفيلم يحمل الأبعاد الاجتماعية التي يصبر لطرحها «إذ لا يمكن تقديم فيلم ما على أساس أنه مجرد قصّة».
* بحث عن هوية
في الشأن ذاته يأتي فيلم «حزام» لحميد بنعمرة بعيدًا عن الانشغال بالتيارات السياسة وأحدثها. هذه أصبحت طروحات سهلة على أساس أنها تمنح بعض الأفلام لبّا سياسيًا أو اجتماعيًا أو تعوض نقصًا ناتجًا عن حدود إبداعية ضيقة.
لكن «حزام» بداية فيلم تسجيلي عنوة عن غالبية الأفلام المشاركة في تظاهرة «آفاق السينما العربية»، وثانيًا، هو فيلم عن الرقص الشرقي كتعبير فني وليس ترفيهيًا.
الموسيقى تختلف. سبب عزفها يختلف. فن الحركة والإيماءة يذهب في اتجاه غير مطروق. بالتالي الرقص ذاته يختلف.
في فيلم حميد بنعمرة البديع كشف عن لقاء غير متوقع بين رياضة الكاراتيه والرقص الشرقي. كلاهما يستخدم الحزام على الوسط، وكلاهما يشترك في الإيماءة وحركة اليد و(أحيانا كثيرة) حركة الخصر.
ليس أن حميد بن عمرة يدّعي الإلمام بالرقص أو بالكاراتيه. لقد حضر لفيلمه هذا طويلاً وصوّره على مراحل كثيرة مستفيدًا من معرفته بمدربة الرقص الجزائرية آسيا قمرة وقيامهما بتصميم هذا الفيلم معًا. كذلك، هما من الذين تدربوا على فن الكاراتيه طويلاً والمخرج يربط بين العالمين بمونتاجين متوازيين من حين لآخر، وليس على نحو لاهث أو كمن يحاول إثبات نقطة ليست بحاجة إلى إثبات.
يصوّر بنعمرة هذا الفيلم، كما صوّر فيلمه السابق «هواجس الممثل المنفرد بنفسه» ويقوم بمونتاجه. هذا الفيلم يحمل عددًا محدودًا من مواقع التصوير وتدخلات وجدانية قليلة، لكنه ممارس بالحرفية المتقنة ذاتها. وفي حين أن الفيلم السابق دار حول الممثل والتمثيل في صلبه، فإن تقديم الرقص والراقصين هنا يندمج في وحدة تشكل، إلى الآن، ثنائية مثيرة للإعجاب. نضف إلى ذلك ظهور المخرج محمد ملص وهو يتحدث عن بحثه عن الهوية بعد كل تجاربه وضمن كل هذه الظروف التي تحيط بوطنه سوريا.
سوريا بدوره في قلب الحدث هنا من خلال فيلم سنراه في الأيام القليلة المقبلة. فيلم روائي لمحمد عبد العزيز عنوانه «حرائق». البطولة فيه لأربع نساء حبيسات الوضع الراهن والظروف البائسة التي تمر بها سوريا حاليًا. محمد عبد العزيز كان أنجز ثلاثة أفلام أثارت الإعجاب النقدي (على الأقل) وتميّزت باستقلالية طروحاتها هي «نصف ملغ نيكوتين» و«المهاجران» و«الرابعة بتوقيت الفردوس».
باقي أفلام التظاهرة هي أيضًا من بين تلك الني ننتظر عروضها وهي «عتيج» للكويتي أحمد الخلف و«المدينة» للأردني عمر الشرقاوي. كذلك ضم المهرجان «زيزو» للتونسي لطيف بوغدير الذي شهد عرضه الأول لكن تضارب العروض لم تسمح لهذا الناقد بمشاهدته بعد.
* كتاب وتاريخ
عن هذه التظاهرة المستقلة التي تقام تحت مظلة «نقابة المهن السينمائية» برئاسة مسعد فودة وبإدارة سيد فؤاد، صدر كتاب يمت بصلة قوية إلى روح هذه المسابقة هو «سينما الربيع العربي» للناقد الزميل سمير فريد.
سمير صاحب الباع الأطول حاليًا بين النقاد السينمائيين العرب لا من حيث السن فقط، بل من حيث ممارسة المهنة أيضًا. وهو ترأس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي قبل عامين. مع نهايته قدّم استقالته وقال لمقربيه أن المهرجان أنهكه، مؤخرًا غابت زاويته اليومية «صوت وصورة» عن الظهور في جريدة «المصري اليوم» على نحو متكرر بسبب مشكلات صحية. الكتاب، رغم أن بعض ما فيه منشور من قبل، هو مواصلة لمسيرة الناقد الذي نتمنى لها أن تطول.
الموضوع نفسه سبق أن تطرقنا إليه هنا أكثر من مرّة، لكنه يتجدد بطبيعة الحال لأهمية ما وقع تحت ذلك الاسم الخاطئ (تناوبت الفصول ولم تنتهِ الأوضاع التي انفجرت سنة 2010) من ناحية وبسبب تعدد الأفلام وكثرتها على مدار كل عام من الأعوام المتتابعة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».