صوف الفيكونا.. بخفة الهواء وثقل الذهب

نادر وناعم يصل سعر المعطف منه إلى 50 ألف دولار

خياط يفصل معطفا من الفيكونا في شركة جي إتش كاتلر الأسترالية
خياط يفصل معطفا من الفيكونا في شركة جي إتش كاتلر الأسترالية
TT

صوف الفيكونا.. بخفة الهواء وثقل الذهب

خياط يفصل معطفا من الفيكونا في شركة جي إتش كاتلر الأسترالية
خياط يفصل معطفا من الفيكونا في شركة جي إتش كاتلر الأسترالية

كان واضحا خلال أسبوعي ميلانو وباريس الأخيرين دور الأقمشة في صياغة تصاميم عصرية للرجل. اهتمام مرده أن الأدوات المتاحة أمام المصممين للإبداع في مجال الأزياء الرجالية محدودة، مما يدفعهم إلى البحث عن الجديد والتركيز على التفاصيل. ميلانو، تحديدا، ركزت على الأقمشة المترفة واستغلتها بشكل لافت بحكم توفر ضواحيها والمدن المجاورة لها على معامل متطورة لغزل الصوف والحرير وغيرها، بدءا من كانالي إلى زيغنا وغيرهما من بيوت الأزياء الرجالية. كلهم أجمعوا على التفنن في استعمالها، سواء في كنزات ستثير حسد المرأة، أو في بدلات تميزت بسترات مفصلة على الخصر، جرى تنسيقها بعناية مع بنطلونات إما ضيقة من أسفل أو بطيات. إلى جانب الصوف والكشمير كان هناك أيضا المخمل والحرير الممزوج بالصوف، في محاولة لنيل ود الرجل الأنيق والعارف. واللافت أن هذه العملية لم تقتصر على منصات عروض الأزياء وعلى الأزياء الجاهزة، بل العكس. ففي معاملها ومحلاتها توفر كنوزا لا يعرفها الرجل العادي ولا حتى من يحضر هذه العروض. كنوز تتمثل في أقمشة نادرة تتوجه لرجل مقتدر يقدر أن سعر معطف شتوي يمكن أن يفوق 30 ألف دولار أميركي مثلا، كونه مصنوعا من خامات غالية، على رأسها صوف الفيكونا، المعروف في أوساط الموضة بالصوف الذهبي، نظرا لندرته وسعره العالي. ولا تقتصر شهرة هذا الصوف الناعم على الرجال الملمين بخبايا الموضة فحسب، بل وصلت سمعته إلى السياسيين أيضا لأسباب مختلفة تماما. فهم يعرفونه لتسببه في فضيحة سياسية لا يزالون يذكرونها ويستشهدون بها. كان ذلك في عام 1958، عندما تلقى شيرمان ادامز، كبير الموظفين خلال إدارة الرئيس دوايت إيزنهاور، وواحد من رجال واشنطن الأقوياء والمؤثرين في ذلك الوقت، هدية عبارة عن معطف مصنوع من الفيكونا من ملياردير كان قيد التحقيق الفيدرالي. ما إن تسرب خبر قبوله للهدية حتى انتهى مستقبله السياسي. للوهلة الأولى يبدو العقاب أكبر من الجرم، لأن الهدية مجرد معطف وليست ساعة ذهبية مرصعة بالألماس أو سيارة فارهة، لكن عندما يعرف أن سعره يمكن أن يفوق 40 ألف دولار، فإن النظرة تختلف، مما جعل قبوله بمثابة رشوة قد تؤثر على سير التحقيق. نظرة إلى التاريخ القديم والحديث على حد سواء، تؤكد أن شيرمان ادامز لم يكن الوحيد الذي وقع تحت إغراء هذا الصوف، إذ سبقه إلى ذلك العديد من الملوك والأثرياء والنجوم، نذكر منهم ملك إسبانيا فيليب الثاني الذي استعمله منذ قرون، فضلا عن نجمات هوليوديات مثل غريتا غاربو ومارلين ديتريش في العشرينات من القرن الماضي وهلم جرا. ولحد الآن لا يزال عز الطلب وأجمل ما يمكن الحصول عليه، علما أنه ليس نادرا فحسب بل أيضا مقنن، لا تستطيع إليه سبيلا سوى بيوت معدودة مثل لورو بيانا وبعض الخياطين في سافيل رو، وزيغنا وجي إتش كاتلر الأسترالية.
لورو بيانا مثلا لا تحصل سوى على 17.500 رطل منه في أحسن الحالات سنويا، مقارنة بـ22 مليون رطل من الكشمير، كذلك شركة كيتون الإيطالية، التي لا تنتج سوى 100 قطعة مصنوعة من الفيكونا في السنة، فيما لا تطرح دار زيغنا سوى 30 بدلة فقط، كل واحدة منها مرقمة وأرخصها تقدر بـ46.500 دولار أميركي، بينما قد يصل سعر معطف مفصل على المقاس منها إلى أكثر من 40 ألف دولار أميركي، ووشاح من لورو بيانا إلى 4000 دولار أميركي.
بلونه المميز بلون القرفة المائل إلى المستردي، يشبهه البعض بالذهب. أما مصدر هذا الذهب الناعم والخفيف الوزن، فهو حيوان اللاما، الذي يشبه الجمل من حيث الشكل ومن حيث قدرته على العيش في أقسى الظروف الطبيعية لفترات طويلة ومن دون ماء، لكنه أصغر وأقصر منه بكثير، حيث لا يزيد طوله على ثلاث أقدام ووزنه على 90 رطلا. ويعيش هذا الحيوان في جبال الانديز، في منطقة بامبا غاليراز على ارتفاع 15 ألف وأحيانا 19 ألف قدم فوق سطح البحر، ومع ذلك لا يشعر ببرودة الطقس، مما جعل صوفه مطمعا للصيادين الذين كانوا يقتلونه للحصول على صوفه. وعندما تقلص عدده من مليونين في القرن السادس عشر إلى نحو 10 آلاف فقط في الستينات من القرن الماضي، كان لا بد من تدخل حكومي لحمايته من الانقراض، وهو ما قامت به حكومة البيرو، بإصدارها قانونا يمنع صيده أو الاتجار به. سارعت الشركات التي تحلم باستعمال صوفه في منتجات مترفة بمباركة هذه الخطوة، وساهمت في تشجيع السكان على جز صوفه وتركه طليقا عوض قتله. من هذه الشركات نذكر لورو بيانا، وأغنونا وإنكالباكا تي بي إكس. لورو بيانا لم تكتف بهذه الخطوة، ففي عام 2008، بادرت ببناء محمية شاسعة، تستهدف حماية هذا الحيوان ودراسته، كما تعاقدت مع شركة أرجنتينية للحصول على حق جز نحو ستة آلاف فيكونا تعيش في مقاطعة كاتاماركا، ضمن استراتيجية بعيدة المدى تستهدف لورو بيانا من ورائها تشييد محميات أخرى، تمكن الأهالي المحليين من الحفاظ على هذا الحيوان وتربيته للاستفادة منه كمصدر رزق.
هذه المحاولات التي تقوم بها لورو بيانا وغيرها لن تجعل هذا الصوف متوفرا أكثر، أو في متناول الجميع من ناحية السعر على الأقل. بالعكس، فإن التوقعات أنه قد يرتفع عن عمد، لتشجيع سكان الانديز على تقديره كثروة طبيعية ووطنية ومن ثم يتحمسون لتربيته عوض إهماله بحثا عن مصدر عيش آخر. معطف كلاسيكي من لورو بيانا، مثلا، يحتاج إلى أكثر من 35 جزة صوف مما يبرر سعره في النهاية، الذي يمكن أن يفوق 19.995 دولار أميركي بينما يمكن أن يصل سعر بدلة إلى 32.270 دولار أميركي.
شركة جي إتش كاتلر الأسترالية صممت معطفا لزبون من كندا وصل سعره إلى 50 ألف دولار أميركي، تحول إلى مادة كتاب بعنوان «The Coat Route» للمؤلفة ميغ لوكانس صدر في الشهر الماضي. من جهتها، قدمت شركة فالكي الألمانية منذ بضعة مواسم عشرة أزواج جواربِ كل واحد منها بسعر 1.200 دولار أميركي و20 كنزة يقدر سعر الواحدة منها بـ ثلاثة آلاف دولار. هذه الأرقام تعني في لغة الواقع أنه صوف النخبة من العارفين والأثرياء فقط.

* حقائق عن الفيكونا:
- تنتج أجود أنواع الصوف بقطر يبلغ 12 ميكرون (الميكرون جزء من ألف من المليمتر) مقارنة بـ15 ميكرون في الكشمير و17 في صوف الميرينو.
- يحتاج معطف واحد إلى وبر نحو 30 فكَونة
- في الماضي كانت بيوت الأزياء تعزف عن صباغته قدر الإمكان حتى لا يفقد لونه، خصوصا أنه لم يكن يتفاعل جيدا مع المواد الكيماوية، لهذا فلونه في الماضي كان يقتصر على لونه الطبيعي البيج المائل إلى المستردي أو لون القرفة. لكن شتان بين اليوم والأمس، فقد تطورت التقنيات وأصبح يأتي بعدة ألوان. زيغنا مثلا تطرحه بالأزرق الداكن بينما لم تعد شركة كيتون الإيطالية تقتصر على التفنن في ألوانه فحسب بل تضيف إليه طبعات أو تقليمات في معاملها الواقعة بمنطقة بييلا. وتجدر الإشارة إلى أن تطور التقنيات ساعدت شركات مثل لورو بيانا على طرحه أيضا في معاطف مضادة للمطر، رغم أن العديد من الخبراء لا ينصحون بارتدائه عند تساقط الأمطار
- يقدس سكان البيرو هذا الحيوان، حسب أسطورة تقول إنه مسكون بأميرة من الإنكا، مما يفسر أنه في فترة الإنكا، ظلت ملكية خاصة بالأسر المالكة، وعداهم فإن أي أحد يصيده أو يلبس وبره يواجه عقوبة الإعدام.
- كانو يحصلون على وبره بجز صوفه ثم تركه يمرح ويرعى. ولم تبدأ عملية صيده وقتله، إلا مع وصول المستعمر الإسباني في عام 1532
- في عام 1976 صنف ضمن الحيوانات المهددة بالانقراض ومن ثم صدر قانون ينص على منع صيده أو المتاجرة به.
- في شهر مارس (آذار) من كل سنة يتوجه المئات من سكان البيرو إلى جبال الأنديز متحدين الصعاب والبرد القارس ليشكلوا سياجا بشريا لحبس الفكونة وجز صوفها. وتجري العملية في إطار احتفالي تتخلله الأهازيج والأغاني لمدة ثلاثة أيام. ورغم بدائية هذه الطريقة، فإنها حافظت على هذا الحيوان وساهمت في تكاثره.
- ارتداؤه بشكل يومي غير منصوح به، لأنه يتلف بسرعة، لهذا ينصح الخبراء بارتدائه لساعات قليلة ثم تخزينه بعيدا عن أشعة الشمس والرطوبة. فنعومته الفائقة نعمة ونقمة في الوقت ذاته من حيث تعرضه للتلف السريع. لذا إذا كانت النية استعماله أكثر، يفضل خلطه بأنواع أخرى من الصوف.



4 فنانات يحتفلن بميلاد حقيبة «أوريغامي»

سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
TT

4 فنانات يحتفلن بميلاد حقيبة «أوريغامي»

سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)

عشر سنوات فقط مرت على إطلاق علامة «بيوريفيكايشن غارسيا» حقيبتها الأيقونية «أوريغامي». بتصميمها الهندسي وشكلها ثلاثي الأبعاد لفتت الأنظار منذ أول ظهور لها. واحتفالاً بمكانتها وسنواتها العشر، تعاونت العلامة الإسبانية مؤخرا، مع أربع مُبدعات في الفنون البلاستيكية لترجمتها حسب رؤيتهن الفنية وأسلوبهن، لكن بلغة تعكس قِيم الدار الجوهرية. هذه القيم تتلخص في الألوان اللافتة والخطوط البسيطة التي لا تفتقر إلى الابتكار، أو تبتعد عن فن قديم لا يزال يُلهم المصممين في شتى المجالات، قائم على طيّ الورق من دون استخدام المقص أو الغراء، ألا وهو «الأوريغامي». فن ياباني تكون فيه البداية دائماً قاعدة مربّعة أو مكعّبة.

المكعّب يُشكّل نقطة البداية في تصميم الحقيبة إلى جانب جلد النابا الناعم والمرن (بيوريفكايشن غارسيا)

ولأن يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، صادف اليوم العالمي لفن «الأوريغامي»، فإنه كان فرصة ذهبية لتسليط الضوء على حقيبة وُلدت من رحم هذا الفن ولا تزال تتنفس منه تفاصيلها.

فالمكعّب يُشكّل نقطة البداية في تصميمها؛ إذ تبدأ العملية باختيار جلد النابا تحديداً لنعومته، وبالتالي سهولة طيّه ومرونته في الحفاظ على شكله. بعد تمديد الجلد، يتم تحديد النمط وإضافة دعامات مثلثة للحفاظ على هيكله، لتُضاف بعد ذلك المُسنّنات يدوياً لخلق حركة انسيابية على الجلد.

للاحتفال بميلاد الحقيبة العاشر وفن «الأوريغامي» في الوقت ذاته، منحت «Purificacion Garcia» أربع مُبدعات، وهن: ألبا غالوتشا وكلارا سيبريان وصوفي أغويو وسارة أوريارتي، حرية ترجمتها حسب رؤية كل واحدة منهن، مع الحفاظ على أساسياتها.

ألبا غالوتشا، وهي ممثلة وعارضة أزياء وفنانة، تعتمد على الأنسجة والخزف كوسيلة للتعبير عن نفسها، وتستقي إلهامها من الحياة اليومية، والاحتفال بتضاريس الجسد. استوحَت الحقيبة التي ابتكرتها من عشقها للأنماط والهياكل والبناء. تقول: «حرصت على الجمع بين ما يُعجبني في شكل هذه الحقيبة وما يستهويني في جسم الإنسان، لأبتكر تصميماً فريداً يعكس هذَين المفهومَين بشكلٍ أنا راضية عنه تماماً».

حرصت ألبا على الجمع بين تضاريس الجسد وأنماط وهياكل البناء (بيوريفكايشن غارسيا)

أما كلارا سيبريان، فرسّامة تحبّ العمل على مواضيع مستوحاة من جوانب الحياة اليومية ويمكن للجميع فهمها والتماسها. تقول عن تجربتها: «أنا وفيّة لأكسسواراتي، فأنا أحمل الحقيبة نفسها منذ 5 سنوات. وعندما طُلب مني ابتكار نسختي الخاصة من هذه الحقيبة، تبادرت فكرة إلى ذهني على الفور، وهي إضفاء لمستي الشخصية على حقيبة (Origami) لتحاكي الحقيبة التي أحملها عادةً بتصميمٍ بسيطٍ تتخلّله نقشة مزيّنة بمربّعات».

من جهتها، تستمد سارة أوريارتي، وهي فنانة متخصصة في تنسيق الأزهار والمديرة الإبداعية في «Cordero Atelier»، إلهامها من الطبيعة، ولهذا كان من الطبيعي أن تُجسّد في نسختها من حقيبة «أوريغامي»، السلام والهدوء والجمال. تشرح: «لقد ركّزت على تقنية (الأوريغامي) التي أقدّرها وأحترمها. فكل طيّة لها هدف ودور، وهو ما يعكس أسلوبي في العمل؛ إذ كل خطوة لها أهميتها لتحقيق النتيجة المرجوة. لذلك، يُعتبر الانضباط والصبر ركيزتَين أساسيتَين في هذَين العملَين. وأنا أسعى إلى إيجاد التوازن المثالي بين الجانب التقني والجانب الإبداعي، وهذا ما يلهمني لمواصلة استكشاف الجمال الكامن في البساطة».

كلارا رسّامة... لهذا عبّرت نسختها عن رؤيتها الفنية البسيطة التي أضافت إليها نقشة مزيّنة بمربّعات (بيوريفكايشن غارسيا)

وأخيراً وليس آخراً، كانت نسخة صوفي أغويو، وهي مستكشفة أشكال ومؤسِّسة «Clandestine Ceramique»، التي تشيد فيها كما تقول بـ«تصميم يتداخل فيه العملي بجمال الطبيعة، وبالتالي حرصت على أن تعكس التناغم بين جوهر دار (بيوريفكايشن غارسيا) القائمة على الأشكال الهندسية وأسلوبي الخاص الذي أعتمد فيه على المكوّنات العضوية. بالنتيجة، جاءت الحقيبة بحلّة جديدة وكأنّها تمثال منحوت بأعلى درجات الدقة والعناية».