«الجنائية الدولية» ترجح ارتكاب القوات الأميركية جرائم حرب في أفغانستان

مسؤولون في «سي آي إيه» لجأوا إلى استخدام وسائل تعذيب ومعاملة قاسية

فاتو بينسودا ممثلة الادعاء العام  في المحكمة الجنائية الدولية  (نيويورك تايمز)
فاتو بينسودا ممثلة الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية (نيويورك تايمز)
TT

«الجنائية الدولية» ترجح ارتكاب القوات الأميركية جرائم حرب في أفغانستان

فاتو بينسودا ممثلة الادعاء العام  في المحكمة الجنائية الدولية  (نيويورك تايمز)
فاتو بينسودا ممثلة الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية (نيويورك تايمز)

صرحت ممثلة الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية أول من أمس بأن هناك «سندا معقولا للاعتقاد» في ارتكاب جنود أميركيين لجرائم حرب، تشمل التعذيب، في أفغانستان. وتنظر ممثلة الادعاء العام في المحكمة فيما إذا كان سيتم فتح تحقيق كامل بشأن ارتكاب جرائم حرب محتملة لمدة سنوات في أفغانستان. وأشارت فاتو بينسودا، في تصريح أول من أمس، إلى أنه من المرجح فتح تحقيق كامل في هذا الشأن. ولم تعلن ممثلة الادعاء العام عن اتخاذ قرار نهائي بشأن التحقيق، الذي ينبغي أن يحظى بموافقة قضاة، في حين أنه من غير المرجح أن تتعاون الولايات المتحدة الأميركية.
وليست الولايات المتحدة من الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، التي تم إنشاؤها من أجل التحقيق في جرائم الحرب، والجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية، وعمليات الإبادة، بينما أفغانستان عضو في المحكمة، لذا من العدل أن يتم النظر في الاتهامات بارتكاب جرائم على أرضها، أيا كانت جنسية مرتكبيها. وهناك ضغوط كبيرة على المحكمة الدولية تدفعها باتجاه تأكيد حياديتها في عملية اختيار الأطراف المستهدفة من التحقيقات. والجدير بالذكر أن كل التحقيقات الكاملة تقريبًا التي فتحتها المحكمة قد ركزت على أفريقيا، حتى إن هناك ثلاث دول أفريقية هي جنوب أفريقيا، وغامبيا، وبروندي قد أعربت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية عن نيتها الانسحاب من المحكمة.
وقالت بينسودا، في تقرير سنوي تم نشره أول من أمس، إنه كان هناك «سند معقول» لفتح تحقيق في «جرائم حرب من تعذيب، وسوء معاملة، ارتكبتها قوات الجيش الأميركي، التي تم نشرها في أفغانستان، في منشآت اعتقال سرية كانت تحت إدارة الاستخبارات المركزية الأميركية». وقالت إنه سيتم التركيز على أي جرائم حدثت بين عامي 2003 و2004.
وقال ديفيد بوسكو، أستاذ جامعي هندي يتابع أخبار المحكمة، إن صياغة التقرير تشير إلى أن بينسودا كانت على استعداد للسعي وراء الحصول على تصريح من أجل بدء إجراءات فتح تحقيق «في غضون أيام أو أسابيع». وقال إنه تفاجأ بما ورد في التقرير من إشارات إلى الاهتمام بتوسيع نطاق التحقيق ليشمل انتهاك حقوق السجناء في منشآت الاعتقال السرية في بلدان أخرى أعضاء في المحكمة؛ من بينها بولندا، ورومانيا.
كذلك أشار التقرير إلى أن ممثلة الادعاء العام قد وجدت دليلا على حدوث «تعذيب، وسوء معاملة من جانب القوات التابعة للحكومة الأفغانية»، وتحديدًا من قبل جهاز الاستخبارات، والشرطة. كذلك سيستهدف التحقيق جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها حركة طالبان، والجماعات التابعة لها، بحسب ما جاء في التقرير. كذلك من المحتمل أن يمثل التحقيق مواجهة لدونالد ترامب، الرئيس الأميركي المنتخب مؤخرًا، والذي قال إنه يدعم التعذيب كوسيلة من وسائل مكافحة الإرهاب. وتمثل قواعد المحكمة حاجزًا مرتفعًا أمام ممثل الادعاء العام في مسار بدء التحقيق، وقد يحتاج هذا الأمر لسنوات، وهو ما يسبب الإحباط لمنتقدي المحكمة ومؤيديها على حد سواء. على سبيل المثال، على ممثل الادعاء العام التأكد من أن المحاكم في الدول ذات الصلة لم تتخذ ما يكفي من خطوات لمساءلة ومحاكمة الجناة.
وأوضح التقرير أن جنودا أميركيين، ومسؤولين في الاستخبارات المركزية الأميركية، قد «لجأوا إلى استخدام وسائل ترقى إلى مستوى ارتكاب جرائم حرب من تعذيب، ومعاملة قاسية، وانتهاك لكرامة الإنسان، واغتصاب، أثناء التحقيق مع معتقلين في منشآت كانت تتولى الولايات المتحدة الأميركية إدارتها في أفغانستان». وقد قام الجنود بهذه الممارسات عند تعاملهم مع 61 معتقلا على الأقل، وقام مسؤولون في الاستخبارات المركزية، بأفعال مماثلة عند التعامل مع 27 معتقلا على الأقل، خلال الفترة بين عامي 2003 و2004 بحسب ما أشار التقرير. وذكر التقرير: «لم تكن هذه الجرائم المزعومة مجرد انتهاكات فردية، بل يبدو أنها قد ارتكبت في إطار استخدام مقبول معتمد لتلك الوسائل في التحقيق في محاولة للحصول على معلومات سرية يمكن اتخاذ إجراء بشأنها من المعتقلين».
كذلك أشار التقرير إلى أن المسؤولين الأميركيين قد أصدروا أوامر بوقف العمل بتلك الوسائل. وواجهت ممثلة الادعاء العام انتقادات لعدم اتخاذ إجراء بخطى سريعة بشأن القضايا التي حدثت في أفغانستان؛ لكنها أكدت أن سبب ذلك هو الافتقار إلى مصادر، وعدم وجود تعاون.
وسعت الولايات المتحدة الأميركية بكل ما أوتيت من قوة من أجل تفادي تدقيق المحكمة الدولية في الأمر، حيث قالت إن السلطات الأميركية قد فتحت بالفعل تحقيقات في اتهامات بارتكاب انتهاكات. مع ذلك أوضحت ممثلة الادعاء العام أنه لم يتم مقاضاة أي جنود أميركيين، ولم يمثلوا أمام أي محكمة.
أما بالنسبة إلى مسؤولي الاستخبارات المركزية، فتحت وزارة العدل تحقيقًا في المعاملة السيئة، التي تعرض لها معتقلون. وتم اتخاذ قرار بعدم مقاضاة أي شخص تورط في مقتل أي سجين أو معتقل. وأشار التقرير إلى أن البحث لا يزال مستمرًا عن إيضاحات من قبل السلطات الأميركية بشأن استفسارات عن سلوك مسؤولي الاستخبارات المركزية قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن فتح تحقيق كامل. ومن المقرر أن يتم اتخاذ هذا القرار «قريبًا جدًا» على حد قول ممثلة الادعاء العام.
ويأتي التقرير السنوي لممثل الادعاء العام في وقت دقيق بالنسبة إلى المحكمة، حيث يتورط سياسيون وأمراء حروب من دول أفريقية، باستثناء جورجيا، في تسعة من بين العشرة تحقيقات التي تجريها المحكمة حاليًا. وتعد الحدود الجغرافية للعشرة تحقيقات الأولية، التي تجريها ممثلة الادعاء العام كخطوة أولى قبل الانتقال إلى فتح تحقيق كامل، متسعة، حيث تشمل تحقيقات تتعلق بأوكرانيا، وأفغانستان، والعراق، والأراضي الفلسطينية.
*خدمة: «نيويورك تايمز»



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.