تسوية ديون الشركات العقارية ترفع حجم أصول البنوك المغربية

أزمة ضعف الطلب السكني تؤدي إلى تعثر المشاريع وخنق القطاع العقاري

مدينة الدار البيضاء المغربية (غيتي)
مدينة الدار البيضاء المغربية (غيتي)
TT

تسوية ديون الشركات العقارية ترفع حجم أصول البنوك المغربية

مدينة الدار البيضاء المغربية (غيتي)
مدينة الدار البيضاء المغربية (غيتي)

عرفت الأملاك العقارية للبنوك المغربية ارتفاعا حادا خلال السنوات الثلاث الأخيرة نتيجة مبادلة ديون الشركات العقارية مقابل ممتلكات ومشاريع عقارية، فيما يعرف باسم المستعقرات. وحسب إحصائيات البنك المركزي، ارتفعت قيمة بند المستعقرات في الحصيلة الإجمالية للبنوك المغربية بنسبة 69 في المائة منذ عام 2010. و27 في المائة منذ نهاية 2014. وبلغ في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي 32 مليار درهم (3.2 مليار دولار).
وارتفعت مستعقرات البنوك المغربية خلال العامين الماضيين بقيمة 8 مليارات درهم (800 مليون دولار)، نصفها ناتج عن اتفاقيات مبادلة ديون شركة أليانس للتطوير العقاري مقابل ممتلكات ومشاريع عقارية.
وتتم هذه العمليات إما عن طريق تنازل الشركة العقارية عن بعض ممتلكاتها بشكل نهائي لصالح المصرفيين، وإما عبر عقود بيع «الثنيا»، التي تتضمن خيارا يسمح للشركة بإمكانية إعادة شراء العقار المتنازل عنه من البنك في ظرف ثلاث سنوات، وبعد انصراف هذا الأجل يصبح العقار في ملكية البنك بشكل نهائي.
ويرى المحللون أن سبب توسع البنوك المغربية والشركات العقارية في هذه الممارسات هو أنها تشكل بالنسبة لهما حلا أفضل من اللجوء إلى إجراءات الحجز على الضمانات. فبالنسبة للبنوك يشكل استبدال الديون مقابل ممتلكات حلا أسرع من تعقيدات الحجز التي تتطلب وقتا وجهدا، أما بالنسبة للشركات العقارية فهذه العمليات تمكنها من متابعة نشاطها بمنأى عن الدعاية السلبية لإعلان حالة العسر وحالة التشكك والريبة التي تتولد عن تنفيذ إجراءات الحجز.
كما أن بيع «الثنيا» يسمح لها بالاحتفاظ بالمشاريع ويمنحها مهلة لإتمامها وتحصيل مداخيل تمكنها من تسديد الدين والاسترداد الكامل لحق الملكية.
غير أن الحجم الذي اتخذته الظاهرة جعلها محط أنظار البنك المركزي المغربي، الذي يرى في استبدال الديون بمستعقرات يصعب تسييلها «مجازفة كبيرة» يمكن أن تؤدي إلى اختلال النظام المالي في البلاد. وأكدت مصادر مطلعة أن البنك المركزي بصدد إصدار توجيهات تحد من حجم هذه المستعقرات، وتضع لها ضوابط للحد من المخاطر المرتبطة بها.
كما تطرح هذه الظاهرة تحديات جديدة على البنوك، خاصة أقسامها وفروعها المتخصصة في التدبير العقاري. فبعد أن كانت تعتني فقط بالأملاك العقارية للبنك، والتي كانت في معظمها تتكون من مقرات الفروع، بالإضافة إلى بعض الاستثمارات العقارية المحدودة، أصبح عليها اليوم تدبير مشاريع عقارية ضخمة بعضها مكتمل ويتطلب السعي إلى تسويقه وإيجاد منافذ لشققه وعماراته، والبعض الآخر في طور الإنجاز أو في شكل قطع أرضية فارغة.
ويجتاز القطاع العقاري المغربي أزمة خانقة منذ عام 2012 نتيجة إطلاق مشاريع سكنية ضخمة عقب التحفيزات الضريبية وإجراءات الدعم الحكومي الكبير للسكن الاجتماعي المتخذة في سنة 2010.
غير أن الطلب الميسور لم يكن في الموعد، فعقب اعتماد سياسة الدعم الحكومية للسكن الاجتماعي تزايد عدد المشاريع التي ألقتها الشركات العقارية بسرعة، ليصل ذروته خلال سنة 2012. قبل أن يبدأ في الانحدار بسبب الصعوبات التي واجهت تسويق الشقق.
فخلال الفترة ما بين أعوام 2010 إلى 2015. بلغ عدد الشقق التي أطلقت الشركات أوراش بنائها في إطار اتفاقيات مع الحكومة 465 ألف شقة، غير أن عدد الشقق المكتملة لم يتجاوز 236 ألف شقة، ولم تتجاوز نسبة الإنجاز 51 في المائة بسبب تعثر البيع.
ويرى محللون أن السبب الرئيسي في تعثر البيع هو ضعف القدرة الشرائية، مشيرين إلى أن نسبة البطالة بين الشباب الذين يشكلون غالبية المجتمع المغربي تناهز 40 في المائة.
ورغم أن الحكومة وفرت جزءا كبيرا من الطلب من خلال برامج إعادة إسكان العشوائيات وبعض الأحياء القديمة المتداعية للانهيار، من خلال شراء آلاف الشقق التي أنتجتها الشركات العقارية وإعادة تفويتها للسكان المستفيدين من هذه المشاريع، فإن ذلك لم يكن كافيا لحل أزمة ضعف الطلب التي يعاني منها القطاع العقاري.
ويرى خبراء وزارة الإسكان المغربية أن على الشركات العقارية أن تعيد النظر في خططها، والانتقال من بناء مشاريع سكنية من أجل التمليك إلى بناء مشاريع سكنية موجهة للإيجار، مشيرين إلى أن الإيجار بدوره يوفر عائدا جيدا عن الاستثمار.
غير أن هذا التحول يتطلب تعديلات قانونية، حسب الشركات العقارية التي ترى أن القوانين الحالية منحازة إلى «الطرف المستأجر» على حساب «الطرف المالك» للعقار السكني لاعتبارات اجتماعية.
ويرى محللون أن هذا التحول يحتاج أكثر إلى «تغيير في العقليات»، سواء بالنسبة للشركات أو للزبائن. فعلى مدى أزيد من خمس سنوات من الترويج للسكن الاقتصادي، ترسخت لدى عموم المغاربة فكرة أن الهدف هو «امتلاك شقة»، وأن الإيجار كمثل من يلقي بماله من النافذة.
فطوال هذه الفترة، وضعت الحكومة والشركات العقارية الحملة الترويجية للسكن الاجتماعي المدعوم تحت شعار «الشراء بثمن الكراء (الإيجار)»، واليوم عليها اختراع شعار معاكس لإقناع الباحثين عن سكن بالإيجار بدل الشراء.



«كوفيد ـ 19» يوقف إجراءات تسليم المساكن في السودان

ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
TT

«كوفيد ـ 19» يوقف إجراءات تسليم المساكن في السودان

ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء

في وقت تجري فيه الاستعدادات لعقد اجتماع بين الصندوق القومي للإسكان ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وبنك السودان، لبحث سبل توفير تمويل لمشروعات الإسكان للمواطنين عبر قروض طويلة الأجل، ألغت الحكومة أول من أمس، وأوقفت، إجراءات تسليم المساكن للموطنين والتقديم لها، خوفاً من حدوث إصابات بـ«كورونا»، أثناء الاصطفاف للتقديم والتسلم.
وكان الصندوق القومي للإسكان قد طرح مباني سكنية جاهزة للمواطنين في معظم المناطق الطرفية بالعاصمة الخرطوم، وبقية الولايات، وذلك ضمن مشروع السودان لتوفير المأوى للمواطنين، الذي سيبدأ بـ100 ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود. وقد بدأ المشروع بفئة العمال في القطاعات الحكومية في جميع ولايات السودان العام الماضي، بواقع 5 آلاف منزل للمرحلة الأولى، تسدد بالتقسيط على مدى 7 سنوات. ويتضمن مشروع إسكان عمال السودان 40 مدينة سكنية في جميع مدن البلاد، لصالح محدودي الدخل، ويستفيد من المشروع في عامه الأول أكثر من مليونين.
وقد أقام المواطنون مواقع أمام مقر الصندوق القومي للإسكان، وباتوا يتجمعون يومياً بأعداد كبيرة، ما سبب إزعاجاً لدى إدارة الصندوق والشارع العام، وذلك بعد قرار سياسي من والي ولاية الخرطوم، لدعوة المواطنين للتقديم للحصول على سكن شعبي.
ووفقاً للدكتور عبد الرحمن الطيب أيوبيه الأمين العام المكلف للصندوق القومي للإسكان والتعمير في السودان لـ«الشرق الأوسط» حول دواعي إصدار قرار بوقف إجراءات التسليم والتقديم للإسكان الشعبي، وعما إذا كان «كورونا» هو السبب، أوضح أن تلك التجمعات تسببت في زحام شديد، حيث نصب المتقدمون للوحدات السكنية خياماً أمام مقر الصندوق في شارع الجمهورية، بعد قرار الوالي في وقت سابق من العام الماضي بدعوة المواطنين للتقديم. وظلت تلك التجمعات مصدر إزعاج وإرباك للسلطات، ولم تتعامل معهم إدارة الصندوق، إلى أن جاء قرار الوالي الأخير بمنع هذه التجمعات خوفاً من عدوى «كورونا» الذي ينشط في الزحام.
وبين أيوبيه أن الخطة الإسكانية لا تحتاج لتجمعات أمام مباني الجهات المختصة، حيث هناك ترتيبات وإجراءات للتقديم والتسلم تتم عبر منافذ صناديق الإسكان في البلاد، وعندما تكون هناك وحدات جاهزة للتسليم يتم الإعلان عنها عبر الصحف اليومية، موضحاً أن كل ولاية لديها مكاتب إدارية في كل ولايات السودان، وتتبع الإجراءات نفسها المعمول بها في العاصمة.
ولم يخفِ أيوبيه أزمة السكن في البلاد، والفجوة في المساكن والوحدات السكنية، والمقدرة بنحو مليوني وحدة سكنية في ولاية الخرطوم فقط، لكنه أشار إلى أن لديهم خطة مدروسة لإنشاء 40 ألف مدينة سكنية، تم الفراغ من نسبة عالية في العاصمة الخرطوم، بجانب 10 آلاف وحدة سكنية.
وقال إن هذه المشاريع الإسكانية ستغطي فجوة كبيرة في السكن الشعبي والاقتصادي في البلاد، موضحاً أن العقبة أمام تنفيذها هو التمويل، لكنها كمشاريع جاهزة للتنفيذ والتطبيق، مشيراً إلى أن لديهم جهوداً محلية ودولية لتوفير التمويل لهذه المشاريع.
وقال إن اجتماعاً سيتم بين الصندوق القومي للإسكان وبنك السودان المركزي ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، لتوفير الضمانات بالنسبة للتمويل الخارجي واعتماد مبالغ للإسكان من الاحتياطي القانوني للمصارف المحلية.
وأكد الدكتور عبد الرحمن على أهمية التنسيق والتعاون المشترك بين الجهات المعنية لإنفاذ المشروع القومي للمأوى، وتوفير السكن للشرائح المستهدفة، مجدداً أن أبواب السودان مشرعة للاستثمار في مجال الإسكان. وأشار إلى أن الصندوق القومي للإسكان سيشارك في معرض أكسبو في دبي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وذلك بجناح يعرض فيه الفرص الاستثمارية في السكن والوحدات السكنية في السودان، وسيتم عرض كل الفرص الجاهزة والمتاحة في العاصمة والولايات.
وقال إن هناك آثاراً متوقعة من قرار رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية على البلاد، ومن المتوقع أن يسهم كثيرا في إنعاش سوق العقارات واستقطاب رؤوس أموال لصالح التوسع في مشروعات الإسكان. وأبان أن الصندوق استطاع خلال السنوات الماضية إحداث جسور للتعاون مع دول ومنظمات واتحادات ومؤسسات مختلفة، وحالت العقوبات دون استثمارها بالشكل المطلوب، مشيرا إلى أن جهودهم ستتواصل للاستفادة من الخبرات والموارد المالية المتاحة عبر القروض والمنح والاستثمارات.
وأكمل الصندوق القومي للإسكان في السودان تحديد المواقع والدراسات لمشروع المأوى القومي ومنازل العمال، حيث ستشيد المنازل بأنماط مختلفة من السكن الاقتصادي، الشعبي، الاستثماري، الريفي، والمنتج، بتمويل من البنوك العاملة في البلاد، وفق خطة الصندوق.
وقد طرحت إدارة الصندوق عطاءات منذ بداية العام الجاري لتنفيذ مدن سكنية، كما دعت المستثمرين إلى الدخول في شراكات للاستثمار العقاري بالولايات لتوفير المأوى للشرائح المستهدفة، إلا أن التمويل وقف عثرة أمام تلك المشاريع.
وطرح الصندوق القومي للإسكان في ولاية الخرطوم أن يطرح حالياً نحو 10 آلاف وحدة سكنية لمحدودي الدخل والفئويين والمهنيين في مدن العاصمة الثلاث، كما يطرح العديد من الفرص المتاحة في مجال الإسكان والتطوير العقاري، حيث تم الانتهاء من تجهيز 5 آلاف شقة و15 ألفا للسكن الاقتصادي في مدن الخرطوم الثلاث.
وتم تزويد تلك المساكن بخدمات الكهرباء والطرق والمدارس وبعض المرافق الأخرى، بهدف تسهيل وتوفير تكلفة البناء للأسرة، حيث تتصاعد أسعار مواد البناء في البلاد بشكل جنوني تماشياً مع الارتفاع الذي يشهده الدولار مقابل الجنيه السوداني والأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد حالياً.
يذكر أن الصندوق القومي للإسكان لديه خطة لتوسيع قاعدة السكن لمحدودي الدخل، عبر الإسكان الرأسي، الذي يتكون من مجمعات سكنية، كل مجمع يضم بناية من 7 أدوار، ويتكون الطابق من 10 شقق سكنية، بمساحات من 180 إلى 300 متر مربع.
ويتوقع الصندوق أن يجد مشروع الإسكان الرأسي والشقق، رواجاً وإقبالاً في أوساط السودانيين محدودي الدخل، خاصة أنه أقل تكلفة وأصبح كثير من السودانيين يفضلونه على السكن الأفقي، الأمر الذي دفع الصندوق لتنفيذ برامج إعلامية لرفع مستوى وعي وثقافة المواطنين للتعامل مع السكن الجماعي والتعاون فيما بينهم.
ووفقاً لمسؤول في الصندوق القومي للإسكان فإن برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي، يتضمن كيفية المحافظة على خدمات البناية، ورفع وعيهم بهذا النوع من البناء، حتى تتحول الخرطوم إلى عاصمة حضارية وجاذبة. وأضاف المصدر أن برنامج التوعية بالسكن في الشقق ودوره في تقليل تكلفة السكن، سيتولاه فريق من اتحاد مراكز الخدمات الصحافية، الذي يضم جميع وسائل الإعلام المحلية، مما سيوسع قاعدة انتشار الحملات الإعلامية للسكن الرأسي.
تغير ثقافة المواطن السوداني من السكن التقليدي (الحوش) إلى مساحات صغيرة مغلقة لا تطل على الشارع أو الجيران، ليس أمرا هينا. وبين أن خطوة الصندوق الحالية للاعتماد على السكن الرأسي مهمة لأنها تزيل كثيرا من المفاهيم المغلوطة عن السكن في الشقق السكنية.
يذكر أن الصندوق القومي للإسكان عام 2018 بدأ بالتعاون مع شركة هيتكو البريطانية للاستثمار، لتنفيذ مشروع الإسكان الفئوي الرأسي، الذي يستهدف بناء 50 ألف وحدة سكنية بالعاصمة الخرطوم، وكذلك مشروع لبناء أكبر مسجد في السودان، بمساحة 5 كيلومترات، وبناء 3 آلاف شقة ومحلات تجارية.