غموض العلاقة بين ترامب والمكسيك يلقي بظلاله على مواطني أميركا اللاتينية

حالة من القلق في الأوساط السياسية والاقتصادية من ردة الفعل العنيفة التي قد تؤثر على الأميركيتين

أجزاء من الجدار الذي تحاول الولايات المتحدة استكماله مع الحدود المكسيكية (رويترز)
أجزاء من الجدار الذي تحاول الولايات المتحدة استكماله مع الحدود المكسيكية (رويترز)
TT

غموض العلاقة بين ترامب والمكسيك يلقي بظلاله على مواطني أميركا اللاتينية

أجزاء من الجدار الذي تحاول الولايات المتحدة استكماله مع الحدود المكسيكية (رويترز)
أجزاء من الجدار الذي تحاول الولايات المتحدة استكماله مع الحدود المكسيكية (رويترز)

لعبت المكسيك دورًا هامًا خلال الحملة الانتخابية لدونالد ترامب. فقد أعلن المرشح الجمهوري حينها، والرئيس المنتخب حاليًا، أنه سيبني جدارًا عازلاً على امتداد الحد الفاصل بين الدولتين الذي يتعدى 3000 كيلومتر، بهدف الحد من تدفق المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين، وأنه سيقوم بترحيل الملايين منهم المقيمين بصورة غير شرعية، الذين حملهم مسؤولية كثير من المشكلات التي تعانيها بلاده.
اليوم هناك بالفعل سياج بطول يزيد على 1000 كلم لمنع مرور المكسيكيين لجيرانهم في الشمال، وعلى الرغم من ذلك، فقد تسببت التصريحات الجديدة في زيادة المخاوف من أن تجارة تهريب البشر قد تنتعش في السنوات المقبلة، لنقل المكسيكيين الراغبين في حياة أفضل في الولايات المتحدة أيًا كان الثمن حتى إن كلفهم ذلك حياتهم.
ففي وقت الحملة، تسببت تهديدات ترامب في حالة من الهلع والرفض في المكسيك وفي أميركا اللاتينية بصفة عامة، وتزايدت المخاوف بعد فوز ترامب، وبعد أن أصبح الرئيس رقم 45 للولايات المتحدة.
ويتطلع ترامب أن يقوم المكسيكيون بتحمل كلفة بناء الجدار الجديد الذي يتوقع أن تبلغ كلفته مليارات الدولارات، ومن المتوقع أن يكون من ضمن أولويات ترامب في المائة يوم الأولى له بالبيت الأبيض.
كرر المرشح اقتراح بناء الجدار عدة مرات، وكانت الهجرات المكسيكية دومًا على لسانه، وهو ما وجد ترحيبًا من مؤيديه. وفي إحدى المرات التي ظهر فيها أمام أنصاره، قال ترامب: «عندما ترسل المكسيك لنا بمواطنيها، فإنها لا ترسل لنا أفضل ما لديها، بل ترسل مواطنين بمشكلات كبيرة، ويأتون إلينا وبحوزتهم مخدرات».
ولهذا لم يكن موقف الرئيس الجمهوري المنتخب ترامب من المهاجرين المكسيكيين مفاجئًا. ويقدر عدد المكسيكيين الذين يقيمون ويعملون في الولايات المتحدة بنحو 12 مليون نسمة، لكنهم لا يشكلون قوة عمل في البلاد.
ولم يكن لكلمات دونالد ترامب مردودها السياسي والاقتصادي فحسب، بل العاطفي أيضًا. ففي المكسيك التي تعد إحدى القوى الإقليمية في أميركا اللاتينية، سادت حالة من القلق والشك بشأن اتجاهات الرئيس الجديد وسياساته المرتقبة.
ففي حوار مع صحيفة «الشرق الأوسط»، وصف أدولفو لابورد، مدير برنامج العلاقات الخارجية بمعهد «مونتيري للتكنولوجيا والتعليم العالي» بالمكسيك، التأثير العاطفي لفوز ترامب بـ«المرتفع جدًا» في المكسيك، وأن حالة من القلق البالغ سادت، ليس فقط بين المكسيكيين، بل أيضًا بين الكثير في الولايات الأميركية التي يقطنها مهاجرون مكسيكيون وأبناؤهم.
على الجانب الاقتصادي، أصيبت المكسيك بهزة بعد ساعات معدودة من إعلان نبأ فوز ترامب، حيث تراجعت العملة المكسيكية (بيسو) تراجعًا غير مسبوق، لتفقد 15 في المائة من قيمتها أمام الدولار الأميركي، وأغلقت أسواق الأوراق المالية عند تراجع بنسبة 0.54 في المائة.
فبالنسبة للمكسيك، تعتبر التجارة مع جارتها أمرًا أساسيًا، وبحسب الحكومة المكسيكية، تبلغ قيمة التجارة بين البلدين نحو 500 مليار دولار سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، تذهب نحو 80 في المائة من الصادرات المكسيكية إلى الولايات المتحدة التي تعد شريكها التجاري الأول، ولذلك جاء رد فعل الأسواق المكسيكية عنيفًا.
ويرجع السبب في الوضع الحالي الذي حذر منه المحللون إلى أن الاقتصاد المكسيكي، الذي يعد الأقوى في أميركا اللاتينية، يعتمد بدرجة كبيرة على الاتفاقات التجارية الموقعة مع جارتهم. وتمثل اتفاقية «التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية» حجر الأساس للعلاقات المكسيكية - الأميركية الحالية، وهي الاتفاقية التي قال ترامب إنه سيعمل على إلغائها. ستستمر تقلبات السوق إلى ما بعد تولي ترامب الرئاسة في يناير (كانون الثاني) 2017 عندما يمسك بزمام الإدارة فعليًا في دورتها الأولى.
وشرح البروفسور ليبورد أن اقتصاد بلاده مضطرب بسبب ضخامة الاعتماد على التجارة الخارجية مع الولايات المتحدة، إذ إن كارثة كبرى ستحل بقطاع الصادرات المكسيكية حال ألغيت «اتفاقية التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية».
وقعت الاتفاقية منذ أكثر من 20 عامًا بين رؤساء الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وفي ظل الاتفاقية، تجني اقتصادات الدول الثلاث نحو 1.1 تريليون دولار أميركي سنويًا من خلال التجارة المحسنة والنشاطات التجارية المختلفة، وفقًا لأرقام عام 2016.
لم تقتصر حملة ترامب على اتفاقية التجارة الحرة، إذ هدد أيضًا بوقف التحويلات البنكية من الولايات المتحدة إلى المكسيك، التي تقدر بملايين الدولارات سنويًا. 
وفي الوقت الذي يحاول فيه الرئيس المكسيكي، إنريكي بينا نيتو، إحياء الأمل في بلاده التي ترى حماس ترامب بصورة سلبية، وتحدث عن بعض التغييرات في علاقات بلاده بالولايات المتحدة، تمتلك الحكومة المكسيكية خطة جاهزة لاستيعاب وتشغيل مواطنيها المتوقع عودتهم من الولايات المتحدة خلال الشهور المقبلة، حال شرع ترامب في تنفيذ سياسته تجاه المهاجرين.
وقال الرئيس المكسيكي بينا نيتو: «أشعر بتفاؤل مبرر بأننا سنتمكن من إعداد أجندة عمل جديدة في علاقاتنا الثنائية». ففي الماضي، فتحت المعارضة المكسيكية النار على الرئيس نيتو لمجرد لقائه مع ترامب عندما كان مرشحًا، وانتهز الفرصة لتأكيد عزمه بناء الجدار الحدودي من دون أن يتعرض للنقد من بينا نيتو.
وبناء عليه، يرى البروفسور ليبورد أن موقف الرئيس المكسيكي يجب أن يكون أكثر «تصالحًا مع ترامب، وأن يعتمد على الحوار وتشكيل تحالفات استراتيجية والعمل على تنويع التجارة وتعزيز علاقات بلاده الدولية».
ولا يزال من غير المعلوم أي المقترحين اللذين أثارهما ترامب في حملته الانتخابية سوف يبدأ بتنفيذه. غير أن العلاقات مع المكسيك ليست الجانب الغامض الوحيد الذي يواجه مصير دول أميركا الشمالية، فالعلاقات المستقبلية بين الولايات المتحدة وكوبا التي نجح في تطبيعها الرئيس أوباما العام الماضي بعد تجميدها لخمسين عامًا تبقى على المحك.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.