شهد عام 1996 أحداثًا دراماتيكية في تاريخ كرة القدم الإنجليزية على مستوى الأندية، كان أبرزها تولي آرسين فينغر مهمة تدريب آرسنال، ومطاردة مانشستر يونايتد لنيوكاسل في الدوري الممتاز وتطورات أخرى لا نزال نتحدث عنها حتى اليوم.
مساء الجمعة الماضي جاءت مواجهة إنجلترا واسكوتلندا لتحيي الذكرى الـ20 لواحد من أمتع لقاءاتهما على استاد ويمبلي، مما جعل الجميع يشعرون بالحنين إلى الماضي - تحديدًا بطولة «يورو 1996»، عندما قدمت إنجلترا المستضيفة نمطًا من الكرة الحرة لم يتفوق عليه في حريته سوى الاحتفالات المجنونة بالأهداف.
ومع هذا، ينبغي لنا أن نتذكر عام 1996 لما هو أكثر من غازا (بول غاسكوين) والاحتفالات الطريفة بالأهداف. لقد كان عامًا لافتًا على صعيد الكرة المحلية أيضًا لدرجة أن وجه بطولة الدوري الممتاز من بعده ربما اختلف تمامًا عما كان عليه الحال قبله عندما كان يطلق على البطولة «القسم الأول»، وبدأ يتحول إلى نمط الترفيه متعدد الجنسيات الذي نشاهده اليوم. يتعين علينا، أن نفكر في الأمر ونرى بأنفسنا ما إذا كان هذا التحول إيجابيًا أم سلبيًا، لكن في كل الأحوال تبقى الحقيقة أن عام 1996 شهد الكثير من اللحظات الفارقة التي لا يزال الحديث جاريًا حولها حتى اليوم.
وتتمثل أولى هذه اللحظات في انضمام مدربين أجانب إلى الدوري الممتاز. في الواقع، لا يعد آرسين فينغر أول مدرب أجنبي يتولى مهمة تدريب أحد الأندية الإنجليزية الكبرى، ذلك أنه سبقه آخرون عملوا مع أندية إنجليزية لفترات وجيزة بدءً من أوزفالدو أرديليس ود. جوزيف فينغلوس بناديي نيوكاسل واستون فيلا على الترتيب، ورود خولييت الذي جرت الاستعانة به في تشيلسي كمدرب ولاعب في آن واحد عام 1996. ومع هذا، فإن مدرب آرسنال الجديد آنذاك كان أول من فاز ببطولتين خلال الموسم الكامل الأول له مع نادٍ إنجليزي وأثبت نجاحه بما يكفي لأن يتشبث آرسنال به على امتداد الأعوام الـ20 اللاحقة.
ولدى إمعان النظر في الجدول الحالي لترتيب أندية الدوري الممتاز، سنجد أن تسعة من بين الأندية الـ10 الأولى يتولى تدريبها مدربون أجانب، في الوقت الذي يعتبر شان دايش، مدرب بيرنلي، الإنجليزي الوحيد بالقائمة. وفي الوقت الذي لم يعد ذلك الوضع بالأمر الغريب في وقتنا الحاضر، فإنه في عام 1996 عندما انتقل فينغر إلى آرسنال قادمًا من اليابان، كانت حينها المرة الأولى التي يتطلع خلالها نادٍ إنجليزي عمدًا باتجاه الخارج بحثًا عن أفكار جديدة. في ذلك الوقت، كان خولييت بالفعل في صفوف تشيلسي، ووقع الاختيار عليه للاضطلاع بدور المدرب في أعقاب رحيل غلين هودل عن النادي لتولي تدريب المنتخب الإنجليزي في مايو (أيار) 1996. ورغم الإنجاز الكبير الذي حققه بفوز ناديه بكأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم عام 1997، استمر النجم الهولندي مع النادي لعام واحد آخر. يذكر أنه سبق هودل في تدريب تشيلسي كل من جون هولينز وبوبي كامبل وإيان بورترفيلد وديفيد ويب. ومع ذلك، فإنه بعد انتقاله لتدريب المنتخب، تعاقب على تدريب النادي سلسلة من 14 مدربًا أجنبيًا.
علاوة على ذلك، فإن أكثر المدربين نجاحًا عام 1996 لم يكن إنجليزيًا، ذلك أن مانشستر يونايتد بقيادة أليكس فيرغسون نجح في اقتناص اللقب الثالث خلال أربعة مواسم بعد ما اتضح أن صعود بلاكبيرن إلى القمة عام 1995 ليس سوى مغامرة قصيرة الأجل. ومع ذلك، شهد عام 1996 حدثًا نادر الوقوع من منظور كرة القدم الحديثة، تتمثل في سعي مدرب إنجليزي بقوة وراء البطولة. كان نيوكاسل يونايتد تحت قيادة المدرب كيفن كيغان قد أثار التوقعات على نطاق واسع بفوزه بالدوري الممتاز بعد نجاحه في تصدر قمة البطولة على مدار النصف الأول منها، وتقدمه على مانشستر يونايتد بفارق 12 نقطة بحلول يناير (كانون الثاني) . إلا أنه لم يفلح في تحقيق ذلك، والآن يحق لكيغان الشعور بالفخر لكونه آخر مدرب إنجليزي يقود ناديًا للترتيب الثاني في تاريخ الدوري الممتاز.
للأسف، العبارة السابقة صحيحة - فمنذ موسم 1995 / 1996 الدراماتيكي الذي قدمه نيوكاسل، لم يفلح أي مدرب إنجليزي في الوصول بناديه إلى المركز الثاني. وقد نجح نيوكاسل في احتلال المركز الثاني أيضًا خلال موسم 1997، لكن بحلول ذلك الوقت كان كيني دالغليش (الاسكوتلندي) قد تولى تدريب الفريق. ونظرًا لأن النجاح الذي حققه هيوارد ويلكنسون مع ليدز جاء عام 1992، أي قبل انطلاق الدوري الممتاز بعام، فإن الحقيقة المثيرة للأسى تبقى أنه لم ينجح مدرب إنجليزي حتى يومنا هذا في الفوز بالدوري الممتاز، في الوقت الذي تمكن اثنان فقط من احتلال المركز الثاني. وبالنسبة للمدرب الإنجليزي الآخر، فهو رون أتكنسون الذي نجح في قيادة أستون فيلا إلى المركز الثاني خلال موسم 1992 - 1993، أول موسم للدوري الممتاز.
ومن بين الأحداث السارة التي شهدها النصف الثاني من موسم 1995- 1996 في الشمال الشرقي الهزيمة الشهيرة على استاد إنفيلد بنتيجة 4 - 3 والتي انتشرت في أعقابها صور جماهير نيوكاسل الباكية بصخب في مختلف أرجاء العالم، وموجة الغضب التي دخل فيها كيغان عندما أقنع نفسه بأن فيرغسون يحاول استفزازه. ومن الواضح أن رد فعل كيغان جاء نتاجًا لوجهة النظر السائدة بأن فيرغسون يتقن تمامًا الألاعيب الذهنية، لكن حقيقة الأمر قد تكشف هذه الحادثة أكثر عن هشاشة كيغان في مواجهة الضغوط مقارنة بغريمه. بحلول منتصف أبريل (نيسان)، كان مانشستر يونايتد قد تمكن من اللحاق بل وتجاوز نيوكاسل في جدول ترتيب الأندية وبذل مجهودًا مضنيًا على استاد أولد ترافورد في مواجهة ليدز يونايتد في وقت كان يشارك الأخير بـ10 لاعبين فقط.
كان حارس مرمى ليدز يونايتد، مارك بيني، قد تعرض للطرد في وقت مبكر من المباراة، ليتولى المدافع لوكاس راديبي حراسة المرمى بدلاً عنه. ورغم ذلك، نجح الفريق الزائر في تقديم أداء جيد أجبر مانشستر يونايتد على بذل جهود مضاعفة لاقتناص الفوز بهدف واحد دون مقابل. بحلول ذلك الوقت، كان ويلكنسون يقترب من نهاية فترة عمله مع ليدز يونايتد ويناضل في النصف الأسفل من جدول ترتيب أندية الدوري الممتاز هربًا من شبح الهبوط. وفي بادرة أظهر من خلالها تعاطفه مع صديقه ويلكنسون، صرح فيرغسون خلال مؤتمر صحافي في أعقاب المباراة بأنه حال إظهار لاعبيه الروح ذاتها في المباريات التالية، ستتلاشى أية أخطار أمام ليدز يونايتد قريبًا، وأعرب عن أمله في حدوث ذلك. ولم يذكر قط كيغان أو نيوكاسل، لكن مع وجود مباراة مرتقبة بين ليدز ونيوكاسل على استاد إيلاند رود بعد 12 يومًا، ترددت أصداء هذا التصريح في الشمال الشرقي باعتبار أن فيرغسون يطلب من ليدز أن يقدم له معروفًا.
وانطلقت موجة غضب كيغان إزاء ذلك على الهواء مباشرة وتناقلتها وسائل الإعلام. والمؤكد أن فيرغسون راقت له فكرة أنه الآن قادر على التفوق على خصومه على الجانب النفسي حتى من قبل أن يدخل في مواجهة معهم داخل الملعب. ومع ذلك، يحسب له أن تناول هذه الحادثة بصراحة وأمانة في سيرته الذاتية، ذلك أنه كتب يقول: «كانت تعليقاتي موجهة بأكملها إلى لاعبي هيوارد، لكن كيفن أخذ الأمر على محمل شخصي وانفجر غاضبًا أمام الكاميرات بعد نجاح فريقه في هزيمة ليدز». وأضاف: «بادئ الأمر، شعرت بالذنب، لكن بعد ذلك قلت لنفسي إنني لم أقترف خطأ. وشعرت ببعض الإحباط عندما هاجمني، لأنني دائمًا ما احتفظت بعلاقات طيبة مع كيفن، لكنني أوعزت الأمر كله إلى الضغوط التي كان يشعر بها. وأعتقد أن نجاحنا في إنزال هزيمة ساحقة بنوتنغهام فورست في اليوم السابق بخمسة أهداف دون مقابل زاد من الضغوط على كاهله إلى الحد الأقصى، ذلك أنها ربما جعلته يدرك أن البطولة أصبحت في متناولنا».
وبالفعل، ثبتت صحة ذلك. وقد خسر كيغان أصعب معاركه كمدرب أمام كاميرات التلفزيون أثناء توليه مهمة تدريب ليدز - أو ربما خسرها قبل ذلك بعام عندما باع آندي كول لأقرب منافسيه. ورغم أن كول لم يحقق نجاحًا فوريًا داخل مانشستر يونايتد، فإنه نجح في بناء مسيرة مهنية ناجحة، وسجل هدفه الأول مع ناديه الجديد في مرمى ناديه القديم على استاد أولد ترافورد. ومع أن أحدًا لا يدري ما الذي كان يمكن أن يحققه كول مع نيوكاسل حال استمراره في صفوف الفريق، فإن كيغان حاول تعويض خيبة فقدانه لصالح مانشستر يونايتد بضم آلان شيرر مقابل مبلغ هائل قياسي بلغ 15 مليون جنيه إسترليني.
كان فيرغسون هو الآخر يرغب في ضم شيرر، بل وأبدى استعداده لعرض كول على بلاكبيرن كتكملة، لكن كيغان نجح في الفوز باللاعب الذي خرج 20 ألف مشجع للترحيب به. وعلق كيغان على الصفقة بقوله: «إننا أكبر أندية أوروبا فكرًا الآن»، ولم يكن مدركًا أنه لن يكمل الموسم مع النادي. وحل محله دالغليش بحلول يناير 1997. ورغم بعض النجاحات اللافتة التي حققها بأوروبا، لم يَعُد نيوكاسل قط إلى هذا المستوى مرة أخرى. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن النادي كان تفكيره كبيرًا، فمنذ ذلك الحين لم يحدث أن حطم ناديًا الرقم القياسي العالمي لأجور اللاعبين مقابل ضم لاعب إنجليزي.
في الواقع، لم يحدث ذلك على مدار الأعوام الـ45 الماضية. وفي الوقت الذي كان نيوكاسل يحتفل بعودته إلى الوطن، كان الإيطالي فابريزيو رافانيلي ينتقل إلى ميدلزبره، وفرانك لوبوف وربرتو دي ماتيو وجانلوكا فيالي ينضمون إلى تشيلسي، بينما ينضم أولي غونار سولشكيار وكارل بوبورسكي إلى مانشستر يونايتد، علاوة على زمرة من اللاعبين الفرنسيين انضموا إلى كتيبة فينغر في آرسنال. ومثلما الحال مع نيوكاسل، لم يعد الدوري الممتاز منذ ذلك الحين كما كان من قبل قط. وسواء كان التحول للأفضل أو الأسوأ، تبقى الحقيقة أن عام 1996 كان نقطة تحول كبرى.
1996.. العام الذي غير وجه الكرة الإنجليزية
بدأ عهد انحسار المدربين الإنجليز وفتح الباب لوصول الأجانب بداية من فينغر
1996.. العام الذي غير وجه الكرة الإنجليزية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة