نهضة التعليم تتوارى بالعراق في ظل النزاعات الدائرة

انتقادات لشح المناهج وتهالك المدارس وسط غياب التمويل وتفشي الفساد

بائع كتب يضع لافتة بعدم وجود كتب مدرسية  («الشرق الأوسط})
بائع كتب يضع لافتة بعدم وجود كتب مدرسية («الشرق الأوسط})
TT

نهضة التعليم تتوارى بالعراق في ظل النزاعات الدائرة

بائع كتب يضع لافتة بعدم وجود كتب مدرسية  («الشرق الأوسط})
بائع كتب يضع لافتة بعدم وجود كتب مدرسية («الشرق الأوسط})

في الوقت الذي كان العراق يوما يقدم التعليم الأفضل في الشرق الأوسط، بات يعاني القطاع في البلاد اليوم، خصوصا مرحلتي الابتدائية والثانوية، تراجع أنظمته وتردي الأبنية المدرسية وشح الكتب المنهجية. ومع بداية السنة الدراسية الجديدة تحول موضوع البحث عن الكتب المنهجية إلى أزمة، بل كابوس يقلق العوائل، ناهيك عن الوضع الأمني الصعب، حيث يضطر الأهالي إلى إيصال أبنائهم إلى ومن المدارس يوميا؛ خشية عمليات الاختطاف والابتزاز التي تحدث عادة طوال موسم الدراسة.
إلى ذلك، أوضح وزير التربية العراقي الدكتور محمد إقبال الصيدلي لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأنظمة التربوية في العراق لم تتعرض للتغيير والتحديث أو التطوير منذ عقود طويلة، والعملية التربوية والتعليمية كانت وما زالت تمضي بطريقة تقليدية جدا منذ أكثر من أربعين سنة».

شح الكتب المنهجية
ومن أهم الأزمات هي معاناة الطلبة من شح الكتب المنهجية، فهناك من تسلموا عددا قليلا من هذه الكتب، وهي لا تكمل المنهج الدراسي كاملا، وليست هناك جهة أخرى للحصول على بقية الكتب. وعن ذلك، قال الصيدلي: «الأزمة متعلقة بالتخصيصات المالية لوزارة التربية، وكنا قد طلبنا في الموازنة التخمينية مبلغ 213 مليار دينار عراقي لطباعة الكتب، وما تم تخصيصه هو 75 مليارا و66 مليون دينار عراقي، أي بفارق 137 مليارا و34 مليون دينار عراقي، أي حرمان أكثر من 5 ملايين طالب عراقي من الكتب المنهجية». وأضاف: «هذا الرقم هو أكثر من نصف عدد الطلبة، كما هناك الكثير من المطابع في القطاع الخاص امتنعت عن طباعة الكتب؛ لأن الحكومة لم تسدد لهم استحقاقاتهم عن طباعة الكتب في الأعوام الماضية، حتى مطابع الوزارة لم تستطع تلبية احتياجاتنا لأنها تعاني شح الورق والأحبار».
أبنية متهالكة وطلاب يفترشون الأرض
في مطلع العام الدراسي، توجه أكثر من تسعة ملايين طالب في المراحل الابتدائية والثانوية وأكثر من 700 ألف موظف، بينهم المعلمون إلى مدارس أبنيتها متهالكة تضعضعت جراء النزاع الدائر في البلاد. وبحسب وزير التعليم، يشكو الطلبة ومعلموهم من مشكلات الأبنية المدرسية؛ فغالبيتها متهالك، وهناك مدارس تفتقر للمقاعد، حيث يجلس طلبتها على الأرض، وخالية من أي مرافق خدمية.
وكانت آخر وجبة لبناء المدارس في عام 1986، أي في أوج الحرب العراقية - الإيرانية، وبعد عام 2003 مع اجتياح العراق، اتخذت الكثير من أبنية المدارس مقرات للأحزاب السياسية ولمراكز الشرطة والأجهزة الأمنية، والعمليات «الإرهابية» فجرت الكثير من أبنية المدارس، وأخيرا جاء موضوع النازحين الذين اتخذوا من هذه الأبنية مأوى لهم، والكثير من الأبنية تضررت وبعد احتلال تنظيم داعش للرمادي والفلوجة والموصل وغيرها من المدن، فجّر هذا التنظيم أعدادا كبيرة من أبنية المدارس، بحسب الصيدلي.

مشروعات لم تر النور
وكانت قد حاولت وزارة التربية في الحكومة السابقة، برئاسة نوري المالكي، بناء بعض المدارس عن طريق شركات حكومية تابعة لوزارتي الإعمار والصناعة. وعن ذلك يكشف وزير التعليم عن أن «الشركات فشلت في بناء ولو مدرسة واحدة بعد أن هدموا 1600 بناية مدرسية لإنشاء أبنية جديدة بدلا عنها، كما أن الأموال ذهبت بعد أن منحت رئاسة الوزراء 60 في المائة من قيمة العقد مقدما باعتبارها شركات حكومية، لكن الأموال ضاعت وسرقت، وهذا الملف ينطوي على الكثير من شبهات الفساد المادي، وهو من الملفات الكبيرة وقمنا بعد تسلمنا للوزارة بعرضه على القضاء». وأضاف الصيدلي: «هذه القضايا لا تسقط بالتقادم، وهناك ملف فساد في مشروع الأبنية الحديدية للمدارس، وقد حركنا هذا الملف لعرضه للقضاء بعد أن ضغطنا على الجهات المسؤولة، التي أكملت بناء 50 مدرسة أدخلت مؤخرا إلى الخدمة، كما أن هذه الشركات أصبحت تتمتع بقدرات عالية على النفوذ والتخلص من المحاسبة، وكلما أثرنا الموضوع تبرز أمامنا حركة للمماطلة وتأجيل الموضوع».
ووفقا لوزير التعليم، تكمن المشكلة في «التخصيصات المالية بالموازنة، نحن طلبنا مثلا 350 مليار دينار لإعمار المدارس، لكن ما تم تخصيصه هو 15 مليارا، وسوف تنتهي السنة ونحن لم نستلم أي دينار من هذا المبلغ».
جدير بالذكر، أنه كانت منظمات أممية منها «اليونسف» و«اليونيسكو» قد وضعت العراق في نهاية السبعينات في أعلى تقييم باعتبار التعليم فيه هو الأفضل في الشرق الأوسط، كما أعلنت خلو البلد من الأمية وقتذاك، بينما تضع هاتان المنظمتان التابعتان للأمم المتحدة، التعليم في العراق اليوم في أدنى المستويات.



جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.