تصدّع في صفوف الأوروبيين حول العلاقة مع واشنطن.. و«الناتو» أبرز المخاوف

بحث وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، مساء أمس في بروكسل، مقاربة مشتركة للتعامل مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، لكن في غياب البريطاني بوريس جونسون والفرنسي جان مارك أيرولت الذي يحاول التخفيف من حدة الأوضاع.
وكانت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني وجهت الدعوة لهذا «العشاء غير الرسمي» الأربعاء، إثر الفوز غير المتوقع لترامب، وما يثيره من قلق على هذا الجانب من المحيط الأطلسي.
ويعقد اللقاء عشية الاجتماع الشهري الدوري للدول الأعضاء الـ28 في هذا التكتل. إلا أن كل العواصم لم تلب الدعوة ولم تر أهمية هذا اللقاء.
وكانت لندن بين هؤلاء، وقال وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون إن لندن «لا ترى أن هناك حاجة لعقد اجتماع إضافي»، مضيفًا أنه بإمكان الوزراء أن يناقشوا الاثنين «بشكل طبيعي مجموعة من المواضيع»، بما في ذلك المعطيات الأميركية الجديدة. بدورها، أكدت «الخارجية» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا نرى الحاجة إلى اجتماع إضافي، فبرنامج الانتخابات الأميركية كان معروفًا مسبقًا. العملية الديمقراطية اتخذت مجراها، وهناك فترة انتقالية سنعمل خلالها مع الإدارة الحالية والإدارة المقبلة لضمان أفضل النتائج لبريطانيا».
أما وزير خارجية فرنسا، فقد دعا عبر إذاعة «أوروبا 1» إلى «التوقف عن الحديث عن التباسات (انتخاب ترامب)، أليست هذه فرصة لأوروبا لكي ترص صفوفها؟»، وأضاف أن «الأوروبيين بحاجة إلى تعزيز قدرتهم على الحكم الذاتي الاستراتيجي في الشؤون الدفاعية، وأن تكون لديهم سياسة صناعية».
وسيكون هذا الموضوع محور مناقشات بين الدول الـ28 اليوم.
وتسعى بعض العواصم، أبرزها باريس وبرلين، إلى تسريع التطبيق المشترك للقدرات العسكرية رغم المعارضة القوية من الأكثر تأييدًا للأطلسي، وذلك خشية التنافس مع منظمة حلف شمال الأطلسي.
وردًا على استفسار لوكالة الصحافة الفرنسية، بررت وزارة الخارجية غياب أيرولت عن العشاء بـ«لقاء مهم جدًا» مقرر صباح اليوم في باريس مع الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
وسيحضر سفيرًا البلدين لدى الاتحاد الأوروبي اللقاء بدلا عن الوزيرين.
والأربعاء الماضي، فور الإعلان عن فوز ترامب، أشار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى بدء «مرحلة من عدم اليقين»، في حين حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أن «التعاون الوثيق» ينبغي أن يقوم طبقًا لقيم ديمقراطية مشتركة.
وفي ظل عدم معرفة النيات الحقيقية للرئيس الأميركي المنتخب في السياسة الخارجية، يود الأوروبيون خصوصًا معرفة موقفه في ما يتعلق بروسيا التي تهدد الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي والتي تشارك في القتال في سوريا إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
من جهته، قال دبلوماسي أوروبي، طلب عدم ذكر اسمه، في إشارة إلى حلف الأطلسي وتغير المناخ: «كانت هناك الكثير من التصريحات قبل الانتخابات، فهل ستتحول إلى أفعال؟ نظرًا إلى ما قاله، هناك الكثير من المسائل التي يتعين مناقشتها».
وكان ترامب قد أشار خلال حملته الانتخابية إلى احتمال وضع شروط على التزامات الولايات المتحدة لدى حلف شمال الأطلسي، في حين أنها تساهم في ثلثي الإنفاق العسكري لهذا التحالف.
في السياق ذاته، حذّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ في مقال نشر بصحيفة «الأوبزرفر» البريطانية أمس من «أن الوقت ليس مناسبًا لإعادة النظر بالشراكة بين أوروبا والولايات المتحدة». وأضاف أن «قادة أوروبا فهموا دائمًا أن التحرك لوحدهم ليس خيارًا». وقال ستولتنبرغ إن السير بشكل منفرد في طريق الدفاع والأمن ليس خيارًا بالنسبة للولايات المتحدة أو لأوروبا. وأشار إلى أن المرة الوحيدة التي استخدم فيها حلف شمال الأطلسي البند القائل بأن الهجوم على عضو هو هجوم على الجميع كان بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة.
وتأخرت عدة دول أعضاء في الحلف في زيادة إنفاقها على الدفاع، بما أخل بتعهد رفع الإنفاق الدفاعي إلى ما يوازي اثنين في المائة من الناتج القومي المحلي. وقال ستولتنبرغ إن الولايات المتحدة كانت محقة في دعوتها للآخرين بدفع نصيب أكثر مساواة.
وقال إنه «من السهل أن نعتبر الحريات والأمن والرفاهية التي نتمتع بها كأمور مسلم بها. في تلك الأوقات المليئة بالغموض، نحتاج لقيادة أميركية قوية، ونحتاج من الأوروبيين تحمل نصيبهم العادل من الأعباء». وأضاف أن قيمة الشراكة بين أوروبا والولايات المتحدة «لا يمكن الاستغناء عنها». وتابع: «بدلاً من أن نعمق خلافاتنا، نحتاج إلى أن ننمي ما يوحدنا، ونعثر على الحكمة وبعد النظر للعمل معا للتوصل لحلول مشتركة. السير في ذلك الطريق منفردين ليس خيارا لا لأوروبا ولا للولايات المتحدة».
أما المجال الثاني الذي يشغل بال الأوروبيين، فهو اتفاق المناخ، إذ حذّر ترامب من أنه إذا انتخب رئيسا، فإن بلاده ستنسحب من اتفاقية باريس لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري التي أبرمت في ديسمبر (كانون الأول) 2015.
ولم تفصح الأوساط المحيطة بموغيريني ماهية الأمور التي تريد مناقشتها خلال العشاء، لكنها أشارت فقط إلى ضرورة «تبادل وجهات النظر حول كيفية المضي قدما في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة».
وقال مسؤول أوروبي بارز: «في كل مرة تكون فيها انتخابات لدى شريك بمثل هذه الأهمية الاستراتيجية كالولايات المتحدة، فمن الضروري أن نفكر في التعاون مستقبلاً». وأضاف أن موغيريني ترغب في منح الدول الأعضاء فرصة «لإبراز القضايا» التي تشكل أولوية بالنسبة لهم، وإن كانت «إقليمية أو تتعلق بالدفاع والأمن».
وستتولى موغيريني نقل المخاوف الأوروبية إلى من سيخلف جون كيري وزيرًا للخارجية، وستكون محاورته في واشنطن. وتابع المسؤول الأوروبي: «من المرجح أن تذهب إلى هناك بسرعة»، ربما حتى قبل 20 يناير (كانون الثاني)، موعد تسلم الإدارة الجديدة مهامها.
يشار إلى أن عقد لقاء «غير رسمي» عشية اجتماع مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ليس الأول من نوعه.
لكن المبادرة ليست دائما ناجحة. ففي منتصف يوليو (تموز)، أرادت موغيريني تنظيم حفل عشاء مماثل لوزراء الخارجية حول نظيرهم البريطاني الجديد بوريس جونسون، بطل «البريكست» فور تعيينه في حكومة تيريزا ماي.
وبعد ثلاثة أسابيع من الاستفتاء البريطاني، كان الكثير من البلدان الأعضاء يعتبر من السابق لأوانه مناقشة الآثار المترتبة لخروج المملكة المتحدة من هذا التكتل على السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وكانت النتيجة إلغاء العشاء بحيث وجدت موغيرني نفسها وجهًا لوجه مع بوريس جونسون.
من جهتها، أشادت مارين لوبان، زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف، أمس بـ«بروز عالم جديد» إثر انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وذلك في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».
وقالت لوبان إن «فوز دونالد ترامب حجر إضافي في بروز عالم جديد ليحل محل نظام قديم»، معتبرة ذلك مؤشرًا إيجابيًا لترشحها للانتخابات الفرنسية ربيع 2017. وأضافت أن ترامب «جعل ما كان يعتبر مستحيلاً تمامًا، أمرًا ممكنًا».
وتابعت لوبان: «نأمل أن يتمكن الشعب في فرنسا أيضا من قلب الطاولة التي تتقاسم النخب من حولها»، مقارنة ذلك برفض الفرنسيين في استفتاء عام 2005 وضع دستور أوروبي، وتصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016.
وقالت في المقابلة التي أجريت معها في فرنسا، إن «كل الانتخابات هي تقريبا استفتاءات ضد هذه العولمة المتوحشة التي فرضت علينا وعلى الشعوب، وظهرت اليوم حدودها بشكل واضح».
وانتقد الكثير من رواد الإنترنت في بريطانيا ظهور لوبان في برنامج «أندرو مار شو» السياسي الشهير، واعتبروا من غير اللائق منحها منبرًا، خصوصًا مع إحياء بريطانيا والغرب ذكرى ضحايا الحرب العالمية الأولى.
ورد مقدم البرنامج أندرو مار «البعض مستاء ومصدوم (..) أتفهم ذلك، لكن (..) يمكن أن تصبح لوبان، بتوفر ظروف معينة، الرئيسة المقبلة لفرنسا (..). لا أعتقد أن أفضل تكريم للجنود الذين سقطوا يتمثل في عدم تحليل التحدي الكبير المقبل الذي يرتقب أمن العالم الغربي».