هل يتحوّل «داعش» إلى كتل انتحارية لتعويض خسائره؟

دفع عناصره إلى «قُرعة» عملياتية.. ونشر إحصائيات عن عملياته التفجيرية

يرى مراقبون خبراء أن معركة الموصل تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية
يرى مراقبون خبراء أن معركة الموصل تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية
TT

هل يتحوّل «داعش» إلى كتل انتحارية لتعويض خسائره؟

يرى مراقبون خبراء أن معركة الموصل تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية
يرى مراقبون خبراء أن معركة الموصل تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية

«هل يتحول تنظيم داعش الإرهابي إلى كتل انتحارية لتعويض خسائره في سوريا والعراق؟».. سؤال يتبادر بقوة في أذهان الخبراء والباحثين المهتمين بشؤون الحركات الإسلامية، عقب إقدام التنظيم أخيرًا على بث فيديو مصور خاص بإجراء «قرعة» بين اثنين من مقاتليه على تنفيذ عملية انتحارية، تحت مسمى «قرعة الانتحار»، ونشر إحصائيات عن العمليات الانتحارية التي نفذتها عناصره خلال الأشهر الأخيرة، كنوع من التشجيع على تنفيذ عمليات جديدة. ولقد التقت «الشرق الأوسط» خبراء مصريين رأوا أن «داعش» إنما يسعى إلى رفع الروح المعنوية لعناصره، كي يوضح للجميع أنه ما زال موجودًا، رغم الهزائم التي مُنى بها في سوريا والعراق أخيرًا. وحسب الخبراء، فإن «خيار الإرهاب والعمليات الانتحارية موجود ومتوفر ويحظى بشعبية جارفة لدى أعضاء التنظيم، رغم الخسائر»، لافتين إلى أن ما بثه التنظيم خلال الفترة الأخيرة يؤكد أن الحرب ما زالت مستمرة، وأن على عناصره تبني خيار الصبر والاستمرار في أرض المعركة حتى النهاية، وأن أغلب مقاتلي التنظيم مستعدون للانتحار من أجل تحقيق الهدف العام، أي «الخلافة المزعومة».
يقول مراقبون وخبراء إن تنظيم داعش تبنى خلال الفترة الأخيرة آليات مختلفة للترويج لعملياته وأنشطته داخل المناطق التي ما زال يسيطر عليها في كل من العراق وسوريا، وذلك بالتزامن مع تصاعد حدة المواجهات المسلحة في مدينة الموصل التي تمثل أهمية خاصة بالنسبة له. ويرى هؤلاء أن نتائجها ستحدد بدرجة ما، ليس فقط مدى قدرة التنظيم على الاحتفاظ بالمناطق الأخرى التي يسيطر عليها، وإنما أيضًا المسارات المحتملة التي قد يلجأ إليها إذا ما استمرت خسائره البشرية والمادية بسبب الضغوط التي يتعرض لها نتيجة العمليات العسكرية الهادفة إلى تحرير تلك المناطق. ففي الآونة الأخيرة، بث التنظيم الإرهابي المتطرف شريط فيديو يظهر إجراء قرعة بين اثنين من مقاتليه لتنفيذ عملية انتحارية، وهو الشريط الذي حظي باهتمام خاص من جانب وسائل الإعلام، وأثار جدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
كذلك، روّج «داعش» بالتوازي مع ذلك لرفع أعداد المتقدمين لتنفيذ عمليات انتحارية من مقاتليه، ونشرت مجلة «أعماق» الشهرية التي يصدرها التنظيم أن عدد العمليات الانتحارية التي تقوم بها عناصر من التنظيم تراوحت بين 50 إلى 60 عملية شهريًا حتى نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، إلا أنها ارتفعت خلال الشهور التالية، فوصلت إلى ما بين 80 إلى 100 عملية شهريًا، بمعدل عمليتين أو ثلاث يوميًا، وفقًا لتقديرات يومية صدرت عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.
وأشارت هذه التقديرات إلى أن هدف التنظيم من تسليط الضوء على شريط الفيديو هذا يتمثل في الترويج لأفكاره، ودعوة بعض الشباب المتعاطفين معه للانضمام إليه، بهدف تعويض الخسائر البشرية المتصاعدة التي منى بها بسبب توالي العمليات العسكرية ضد عناصره ومواقعه في العراق وسوريا.
* خسائر الرقّة والموصل
في هذه الأثناء، تواصل الفصائل المشاركة في عملية «درع الفرات»، بشمال سوريا، معركة تحرير بلدة دابق الواقعة في ريف محافظة حلب الشمالي، ذات الرمزية الدينية والعقائدية والدعائية المهمة لـ«داعش». وحسب دارسي شؤون التنظيم، فإن دعاية «داعش» الآيديولوجية والفكرية تعتمد على مركزية بلدة دابق، بوصفها مكان «الملحمة الكبرى في نهاية الزمان» بين جيوش المسلمين وخصومهم. وبهذا الفكر سيطر التنظيم عليها في أغسطس (آب) عام 2014، وأطلق اسمها على مجلته الصادرة باللغة الإنجليزية. ويقول هؤلاء إن سيطرة «الجيش السوري الحرّ» على دابق يعد بمثابة هزيمة معنوية وآيديولوجية كبيرة لمشروع «داعش» في سوريا، وتصدع لمشروع «خلافته المزعومة». وللعلم، تأتي هزيمة «داعش» في دابق ومحيطها عقب هزائمه في جبهة الموصل بشمال العراق، حيث تشير التقارير إلى تقدم القوات العراقية إلى مسافة بضعة كيلومترات من المدينة التي غدت آخر معاقل التنظيم في العراق، في حين تتزايد أعداد النازحين الفارين من ضواحي الموصل هربًا من المعارك.
* مرحلة فاصلة
حسب المراقبين والخبراء، فإن مقطع الفيديو الخاص بـ«قرعة الانتحار» يكتسب أهميته من توقيت بثه، إذ يشير بشكل واضح إلى أن التنظيم بات يرى أنه يمر بمرحلة فاصلة، لاعتبارين: الأول، هو أن الخسائر التي منى بها منذ بداية معركة الموصل كانت كبيرة، إذ فقد أعدادًا غير قليلة من مقاتليه، كما خسر بعض القرى والمناطق التي كان يسيطر عليها خلال الفترة الماضية. والثاني، هو أن معركتي الموصل والرقّة ستمهدان المجال أمام شن عملية عسكرية جديدة في مرحلة تالية، وهو ما يمكن أن يفرض تداعيات وخيمة على تماسك التنظيم خلال الفترة المقبلة.
الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية بمصر، يرى أن هزائم «داعش» الأخيرة «أثبتت أنه كان يقيم بالفعل (شبه دولة) في الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرته في العراق وسوريا، خصوصًا أنه لم يستطع الصمود أمام قوات التحالف الدولي التي سيطرت على قرى بأكملها أخيرًا، عكس ما كان يزعمه لعناصره، من أنه تنظيم قوي، وأنه أكثر التنظيمات تأثيرًا في العالم».
وأضاف الزعفراني، في لقاء مع «الشرق الأوسط»: «لذلك كان عليه البحث عن طرق جديدة لرفع الروح المعنوية لعناصره، والتأكيد على امتلاكه لأسلحة أكثر قوة، وأن عناصره تندفع بقوة لتنفيذ أي عمليات انتحارية، ليوضح للجميع أنه ما زال موجودًا».
أما الخبير الإعلامي الدكتور أحمد سمير، فأعرب عن اعتقاده أن ما قام به «داعش» يهدف إلى «تبني سياسة جديدة يسعى من خلالها إلى تدشين عملية تعبئة معنوية لمقاتليه، وتعكس خشيته من أن يساهم تصاعد حدة الضغوط التي يتعرض لها خلال الفترة الحالية، في ظل العمليات العسكرية المتتالية التي يشنها التحالف الدولي وبعض الأطراف المحلية والإقليمية، في توسيع نطاق الانشقاقات الداخلية بصفوفه التي يمكن أن تتسبب في إضعافه بشكل كبير، وتقليص قدرته على مواجهة تلك العمليات العسكرية».
وهنا، يلفت آخرون إلى تعمد التنظيم الإرهابي المتطرف أيضًا تسليط الضوء على عمليات الإعدام التي يقوم بتنفيذها ضد بعض العناصر التي تسعى للانشقاق عنه، وبثه مقاطع من أشرطة فيديو خاصة بها، ويرون أن الغاية من كل ذلك ردع العناصر الأخرى ومنعها من التفكير في الإقدام على تلك الخطوة، خصوصًا بعد هروب كثير من عناصره عقب اكتشافهم زيف مزاعم التنظيم.
* دول جديدة مستهدفة
وعن تأثير فيديو «قرعة الانتحار» في جذب موالين جدد للانضمام لـ«داعش»، قال الزعفراني: «لا أعتقد ذلك، فخسائر التنظيم خلال الأشهر الأخيرة تدعو من ينضم إليه للتفكير ألف مرة قبل أن يفعل»، لكن الخبير المصري أبدى تخوفه من أن «داعش» سيصبح أكثر شراسة من أي وقت مضى، وسينقل نشاطه الإجرامي إلى دول أخرى، خصوصًا في شمال أفريقيا. ومن ثم، سوف يدعو أنصاره للانتشار في دول أخرى مختلفة، بدلاً من التمركز في مكان واحد.
وقد نشرت وكالة الأنباء «حق»، إحدى الأذرع الإعلامية لـ«داعش»، كلمة لأحد عناصره، ويدعى إبراهيم بن عواد، حدّد فيها استراتيجية التنظيم خلال الفترة المقبلة في التوسع في فروع التنظيم التي وصلت إلى 14 فرعًا في دول العالم - على حد زعمه - ثم قال: «هذه الأفرع تدل على أن السياسة التوسعية لـ(دولة الخلافة) - المزعومة - لن تتأثر، وهي قابلة للزيادة في أي وقت».
وحول تخلي «داعش» عن فكرة إقامة «الخلافة المزعومة» في مكان واحد مثل العراق وسوريا، والاتجاه لدعوة عناصره للانتشار في دول أخرى، قال الدكتور الزعفراني إن «الخلافة كانت مجرد حلم لـ(داعش)، وهذه ليست أول مرة يدعو فيها (خوارج العصر) لإقامة الدولة ويفشلون، فـ(داعش) لم يؤسس إلا شبه دولة (...) وأن التنظيم وما يبثه من أرقام عن عملياته الانتحارية، لهو مؤشر على أنه سيتحول إلى (كتلة انتحارية) لتعويض خسائره».
من ناحية أخرى، وفيما يخص تداعيات معركة الموصل التي تدور رحاها في الفترة الحالية، يرى مراقبون خبراء أن المعركة تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية، سواء للترويج لعملياته ونشاطاته في سوريا والعراق وبعض الدول الأخرى، أو لتجنيد مزيد من المقاتلين في صفوفه لتعويض الخسائر البشرية التي يتعرض لها في أكثر من منطقة. ويعتبر هؤلاء أنه بصرف النظر عن الجدل الذي أثارته هذه الحملة الدعائية التي يشنها التنظيم، خصوصًا حول مصداقيتها، يمكن القول إن هناك عوامل كثيرة يمكن أن تدفع التنظيم بالفعل إلى محاولة رفع عدد مقاتليه الذين يمكن أن يقوموا بتنفيذ عمليات انتحارية.
وبين هذه العوامل المشار إليها ثلاثة؛ يتمثل أولها في التحضّر للانسحاب المحتمل من الموصل بسبب الضغوط القوية التي يتعرض لها التنظيم في الفترة الحالية، وهو الذي سيدفعه غالبًا إلى الإبقاء على بعض عناصره للقيام بعمليات انتحارية داخل المناطق التي سينسحب منها خلال المرحلة المقبلة، على غرار ما فعله بعد العمليات العسكرية التي وقعت في الفترة الماضية. والعامل الثاني احتواء تداعيات اختلال توازن القوى لصالح الأطراف المشاركة في العمليات العسكرية ضده، من خلال العمل على تنفيذ عمليات انتحارية نوعية تستطيع إلحاق خسائر نوعية بتلك الأطراف. والعامل الثالث تقليص حدة الضغوط المتوقعة على التنظيم في مناطق أخرى، لا سيما في سوريا، حيث قد تدفع معركة الموصل بعض الأطراف في سوريا إلى تصعيد عملياتها العسكرية ضد التنظيم.
وهنا يقول أحمد سمير، في حواره مع «الشرق الأوسط»، إنه من المؤكد أن «استخدام (داعش) لوسائل الإعلام عبر بث مقاطع الفيديو المصوّرة، يعد أحد أهم الأسلحة التي يتبناها التنظيم، والتي تتسم على المستوى الفني بالاحترافية الشديدة، والقدرة على تكثيف الأثر الناتج عن التعرض لمثل هذه المواد. إلا أن مسار الإعلام يدعم الواقع الموجود في سوريا والعراق، لكنه لا يغيره. فمجرد الإعلان عن مثل هذه المواد المرئية لا يمكنه تغيير الواقع المتمثل في هزائمه في سوريا والعراق، لكنه يسهل الحفاظ على استراتيجية موحدة للمقاتلين».
وأضاف سمير، شارحًا: «ما استخدمه (داعش) في شريط الفيديو نموذج واضح، لكنه مكرّر في أساليب الدعاية والحرب النفسية، وهو يهدف من وراء ذلك إلى أمرين: الأول، الردع والتخويف لأعداء التنظيم بأنه تنتظرهم أمور لا يتوقعونها أو لا يضعونها في الحسبان، لأن أعداء (داعش) - من وجهة نظر عناصر التنظيم - إذا كانوا استطاعوا تحقيق انتصارات عسكرية محددة على الأرض ضد (داعش)، فإن خيار العمليات الانتحارية موجود، وهو يحظى بشعبية جارفة لدى الدواعش، فضلاً عن التطمين والحفاظ على تماسك قواعد التنظيم. فلا شك أن الهزائم العسكرية التي لحقت بـ(داعش) تخلق قدرًا من الانفصال بين القيادات والقواعد. وبالتالي، فإن القواعد تكون في الغالب مشتتة عاجزة عن اتخاذ قرارات منفردة».
وتابع سمير قوله: «وبالتالي، فإن وصول هذه المواد (أي الفيديو وإحصائيات العمليات الانتحارية) للدواعش يؤكد لهم أن الحرب لا تزال مستمرة، وأن عليهم تبني خيار الصبر والاستمرار حتى النهاية، وأن أغلب زملائهم مستعدون للانتحار من أجل تحقيق الهدف العام للتنظيم في هذه الحرب».
* انشقاقات محتملة
أخيرًا، ثمة من يقرأ في ما هو حاصل أن «داعش» بصدد توجيه رسالة إلى مقاتلي التنظيم بعجزه عن الاحتفاظ بالمناطق التي سيطر عليها خلال العامين الماضيين، أي منذ انتشاره في شمال العراق في منتصف عام 2014، لا سيما مدينة الموصل التي تمثل أهمية خاصة بالنسبة للتنظيم لاعتبارات اقتصادية واستراتيجية كثيرة.
وفي سياق هذه القراءة، ستتقلص قدرة التنظيم المتطرف على دعم تماسكه الداخلي، وتجنيد مزيد من المقاتلين في صفوفه، لأن انسحاباته المتتالية من المناطق التي سبق له أن سيطر عليها، وتراجع قدرته على الدفاع عنها، يعنيان ازدياد احتمالات انشقاق عدد غير قليل من عناصره بشكل قد يؤدي إلى تراجع قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية خلال المرحلة المقبلة. وفضلا عن ذلك، فإن المشكلات الداخلية الكثيرة التي يعاني منها «داعش» لا بد أن تعرقل مساعيه لرفع عدد المتقدمين لتنفيذ عمليات انتحارية، في ظل التمييز العرقي الذي يعاني منه، والذي أدى إلى وقوع اشتباكات ومواجهات مسلحة بين بعض كوادره وعناصره خلال المرحلة الماضية.
ومعروف أن التنظيم عانى خلال الأشهر الماضية من هروب كثير من مقاتليه بسبب اكتشافهم زيف مزاعم التنظيم، وأكذوبة «أرض الخلافة» المزعومة، وادعاءات العيش الرغد والرواتب الكبيرة التي حلموا بها. لذا لجأ إلى إعدام كثير من عناصره، وتصوير هذه المشاهد وبثها كنوع من التخويف والردع، بحيث لا تجرؤ العناصر الأخرى على الهروب.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».