معرض الكتاب الفرنكوفوني جسر إلى العالم العربي

تحت عنوان {لنقرأها معاً} في لبنان

جانب من افتتاح المعرض
جانب من افتتاح المعرض
TT

معرض الكتاب الفرنكوفوني جسر إلى العالم العربي

جانب من افتتاح المعرض
جانب من افتتاح المعرض

«لنقرأ معًا» هو العنوان الذي اعتمده «معرض الكتاب الفرنكوفوني» السنوي في بيروت، والمستمر حتى الـ13 من الشهر الحالي. عنوان يتزامن وانفتاح مستجد على الكتاب العربي، حيث تشارك دور نشر عربية بكتبها ومؤلفيها وقضاياها التي تناقشها، ودعي كتاب عرب، إلى حوارات وطاولات مستديرة للتحدث في موضوعات مختلفة بلغتهم الأم، في تعايش أكثر سماحة بين اللغتين. الحوار، الانفتاح، التثاقف، الدعوات التي ترافقت دائمًا مع الفرنكوفونية تبدو هذه المرة أقرب إلى الحقيقة، منها عندما كان المعرض يتحدث لغة واحدة. وتشارك في المعرض كل من كندا وسويسرا وبلجيكا، وتنضم إليهم إيطاليا للمرة الأولى. ودعت سويسرا الفيلسوف ألكسندر جوليان للقاء قرائه في بيروت، كما نظمت ندوة حول جنوب لبنان بالتعاون مع المعهد الفرنسي، وطاولة مستديرة حول الرقص المعاصر في لبنان وسويسرا. ودعت «الوكالة الجامعية الفرنكوفونية» إلى لقاء بين الطلاب وناتالي أزولاي حول كتابها الذي حصل على «لائحة غونكور خيار الشرق» 2015. وعقدت كذلك طاولة مستديرة حول «النظرة إلى قطاع النشر في العالم العربي»، وأخرى حول «رهانات تعليم الأدب في الجامعات: تصورات، مهارات وآفاق مهنية».
عشرات الأنشطة، إذن، وحفلات التوقيع لإصدارات جديدة،. إنه العيد السنوي للفرنكوفونية في لبنان والمتواصل منذ ربع قرن، حيث لم تعلّق دوراته منذ وضعت الحرب الأهلية أوزارها سوى لسنتين تلتا اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري؛ وذلك لظروف أمنية قاهرة حينها. وقد وصل المعرض إلى دورته الثالثة والعشرين، وبات تقليدًا ينتظره التلامذة، وطلاب الجامعات والقراء بالفرنسية، وهؤلاء يتناقص عددهم في لبنان، لكنهم لا يزالون يشكلون حالة تحافظ على تماسكها.
رغم صغر حجم المعرض، يصنفه الفرنسيون على أنه الفرنكوفوني الثالث للكتاب في العالم، من حيث أهميته بعد معرض باريس ومونتريال، ربما لأن لبنان هو البلد العربي الأكثر اعتزازًا بفرنكوفونيته، وقد حرصت هذه السنة وزيرة الثقافة الفرنسية أودريه أزولاي على أن تكون شخصيًا في الافتتاح، حيث ألقت كلمة اعتبرت فيها «لبنان جسرًا لا غنى عنه للكتاب الفرنكوفوني نحو العالم العربي» يبنيه الطرفان عن قناعة. لم تخف الوزيرة في كلمتها أن ثمة صعوبات تعانيها دور النشر والمكتبات، مع انخفاض مبيع الكتب، وهو ما تتصدى له فرنسا بإنشاء صندوق لدعم المكتبات الفرنكوفونية في العالم ومساعدتها على الاستمرار، وكذلك دعم الترجمة بين ضفتي المتوسط. ولا بد أن لبنان يستفيد من هذا الصندوق، خصوصا أن ثلثي الكتب المترجمة من الفرنسية إلى العربية تتم في بلاد الأرز، ويكفي التجوال في المعرض لمعرفة حيوية حركة الترجمة بالاتجاهين بين الفرنسية والعربية، والعدد المتنامي للإصدارات. فوزيرة الثقافة الفرنسية تعتبر الترجمة نوعًا من التصدي للانغلاق والعنف والإرهاب أيضًا.
ليس الهدف من المعرض تجاريًا، بحسب نائب نقابة مستوردي الكتب جورج تابت؛ «فالهدف الأول هو نشر الثقافة الفرنسية في لبنان». فلم يعد خافيًا أن الجامعات باتت في غالبيتها تدرّس بالإنجليزية، مع أن المدارس لا تزال في معظمها فرنسية المناهج.
معرض صغير في الحجم، لكن فرنسا تعول عليه كثيرًا، وتوليه السفارة الفرنسية عناية خاصة. لم تعد دور النشر الفرنسية قادرة على أن تأتي بكامل عدتها، لتحيي أيامه، ولم يعد الكتاب الفرنسيون المدعوون إليه بالعدد الكبير الذي كانوا عليه سابقًا، إلا أن «نقابة مستوردي الكتب» في لبنان بالتعاون مع «المعهد الفرنسي»، يقومان بالمهمة، بالتعاون مع هيئات مختلفة.
يعطي منظمو المعرض أرقامًا مغرية، 180 كاتبا دُعوا هذا العام للمشاركة في الأنشطة واللقاء مع الزوار وتبادل الحوارات حول كتبهم وأفكارهم وإصداراتهم، وتوزع خلال المعرض سبع جوائز، فيما ينتظر أن يزوره ما يقارب 80 ألف شخص خلال أيامه التسعة، فيما يصل عدد العارضين إلى ثمانين. أحد أكبر مصادر القوة للمعرض تنسيقه الدائم مع المدارس، ولا سيما الخاصة منها. مدارس الليسيه الفرنسية التابعة للسفارة الفرنسية، لها جناحها وأنشطتها، وطلابها الذين يأتون بانتظام لمتابعة الندوات واللقاءات، التي تنظمها مدارسهم وتفتح نوافذ لتبادل الأفكار. ومن بين المدعوين هذا العام الروائية حنان الشيخ، في حلقة حوار حول أدب المهجر. إلى المعرض أيضًا مدعو الروائي السوري المعروف خالد خليفة والروائي اللبناني جبور الدويهي. من المستجدات أن يوقع مؤلفون عرب كتبهم، وهو ما أضاف ديناميكية جديدة، وأن ترى «دار الساقي» هنا و«دار الجديد» التي تحتفل بمؤلفيها بتكبير صورهم مقرونة بعبارات من كتبهم، هو أمر لم يكن مألوفًا. كما أن استقبال ضيف شرف للمعرض، وهو الشاعر الفرنكوفوني اللبناني صلاح ستيتية، أمر يحدث للمرة الأولى.
غزارة نشاطات المعرض، وحرص المنظمين على أن تكون متواصلة على مدار الساعة، وأن تجري حواراتها، حول عدد كبير من الإصدارات الجديدة، كما اهتمام مدارس الليسيه بأن تعرض على تلاميذها قراءة عدد محدد من الكتب وتطلب إليهم أن يصوتوا للكاتب الأقرب إلى قلبهم، ومنحه جائزة، هو في حد ذاته أمر يجعل المعرض امتدادًا للمدرسة وعلى تمفصل مع ما يجري فيها. تخصيص مساحة مفتوحة في وسط المعرض، تحيط بها دور النشر، مكانًا لمحاضرات وألعاب ثقافية ولقاءات متواصلة، تجعل الزوار ينضمون إلى المحاضرات وحلقات النقاش، دون تخطيط مسبق.
الاهتمام بفن الرسوم المصورة هذه السنة، واستقبال فناني هذا العالم الذي يعشقه الصغار والكبار، كما الانفتاح على الموسيقى وعرض أفلام وثائقية ضمن برنامج شبه يومي، يوسع من شبكة المهتمين بزيارة المعرض.
بمجرد أن تنتهي هذه الاحتفالية تبدأ التحضيرات لـ«معرض الكتاب العربي» الذي ينظم في المكان عينه. الحجم لا يضاهى، وكذلك عدد العارضين. المعرض العربي راسخ ويبلغ هذه السنة الستين عامًا، عمر مديد، وتاريخ حافل.



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.