ترامب يزور الكونغرس ويعلن وعوداً بحزمة من «الإصلاحات»

الصحة والهجرة من أولوياته.. ويرفض التعليق على «حظر دخول المسلمين»

الرئيس المنتخب دونالد ترامب مع زوجته ميلانيا في مبنى الكونغرس (أ.ب)
الرئيس المنتخب دونالد ترامب مع زوجته ميلانيا في مبنى الكونغرس (أ.ب)
TT

ترامب يزور الكونغرس ويعلن وعوداً بحزمة من «الإصلاحات»

الرئيس المنتخب دونالد ترامب مع زوجته ميلانيا في مبنى الكونغرس (أ.ب)
الرئيس المنتخب دونالد ترامب مع زوجته ميلانيا في مبنى الكونغرس (أ.ب)

بعد اللقاء غير المريح، الضروري، الذي جمعه بالرئيس الحالي باراك أوباما في البيت الأبيض، عقد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لقاء آخر في مبنى الكونغرس (الكابيتول) في واشنطن، مع زعيمي مجلسي النواب والشيوخ. وقال إن أولويات العهد الجديد هي إصلاح القوانين المتعلقة بالصحة والهجرة والتوظيف. وقال ترامب للصحافيين بعدما التقى رئيس مجلس النواب الجمهوري بول راين، ثم زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل: «لدينا كثير من العمل للقيام به. علينا أن نعمل بكدّ على ملفات الهجرة والصحة، ونحن نفكر بالتوظيف، خصوصا التوظيف».
ورافق ترامب في زيارته إلى الكابيتول زوجته ميلانيا، ونائب الرئيس المقبل مايك بنس الذي يعرف الكونغرس جيدا؛ لأنه كان عضوا في مجلس النواب قبل أن يصبح حاكما لولاية إنديانا (الغرب الأوسط).
وقبل الاجتماع في الكابيتول تناول الرئيس المنتخب ونائبه الغداء مع راين في مطعم مجاور للكابيتول، وذلك بعدما التقى ترامب صباحا في البيت الأبيض الرئيس باراك أوباما.
وقال راين إن «دونالد ترامب حقق أحد أجمل الانتصارات التي رأيناها على الإطلاق، وسوف نحوِّل هذا النصر إلى تقدم للأميركيين». أما ترامب فقال من جهته: «سنقوم بأشياء مذهلة بالنسبة للأميركيين، أنا أتطلع للعمل بسرعة. وبصراحة في أقرب وقت ممكن»، مضيفا: «سواء تعلق الأمر بالصحة أو الهجرة أو أمور كثيرة أخرى. سنخفض الضرائب وسنجعل الرعاية الصحية أقل كلفة. سوف نقوم بعمل ممتاز فعلا فيما يخص الصحة».
يريد ترامب خفض الضرائب على الأرباح من 35 في المائة إلى 15 في المائة، أملا في تحفيز النمو واستحداث وظائف، مثيرا مع ذلك شكوك الخبراء. وعلى الرغم من الأرباح الهائلة، فإن الشركات الأميركية لم ترفع وتيرة استثماراتها، ومن «غير المؤكد» أن يدفعها خفض الضرائب إلى تغيير سياستها، وفق ما ذكرت وكالة «فيتش» المالية.
وقالت منظمة «مركز السياسة الضريبية» (تاكس بوليسي سنتر) غير الحزبية، إن هذه الإجراءات من شأنها بالطبع تنشيط الاستثمارات على المدى المتوسط، لكنها ستضعف المالية العامة بشكل كبير عبر خفض مداخيل الدولة. وقدرت المنظمة أن يرتفع الدين الأميركي أكثر من 36 في المائة خلال السنوات العشر المقبلة. وذهب اقتصاديو «موديز أناليتيكس» أبعد من ذلك، إذ توقعوا في الآونة الأخيرة حدوث انكماش في الولايات المتحدة بسبب سياسات ترامب الانعزالية.
وقال كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي سابقا، سايمون جونسون، إن الانغلاق الذي يدعو إليه ترامب سيكون له وقع مدمر. وأضاف أن «التهديد بتوتير العلاقات التجارية مع شركائنا (...) سينتهي إلى إضعافنا».
وقال ترامب: «لم نعد نصنع شيئا. كل المنتجات تأتي بكميات كبيرة من الصين ومن فيتنام وسائر أنحاء العالم». وخلال حملته لم يكف قطب العقارات عن مهاجمة الأثر السيئ، برأيه، لاتفاقات التبادل الحر، مثل تلك الموقعة مع المكسيك وكندا في 1994، مبتعدا عن الموقف التقليدي للحزب الجمهوري.
وبخصوص حظر دخول المسلمين، رفض الرئيس المنتخب الرد على سؤال يتعلق بالوعد الذي قطعه أثناء حملته الانتخابية في 2015، بفرض حظر على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، والذي عاد وقال لاحقا إنه مجرد اقتراح ليس أكثر.
وبالتوازي مع الانتخابات الرئاسية التي جرت الثلاثاء، انتخب الأميركيون ممثليهم في مجلسي النواب والشيوخ. وتبدأ ولاية للكونغرس الجديد في 3 يناير (كانون الثاني) 2017، أي قبل 17 يوما من بدء ولاية ترامب في 20 من الشهر نفسه.
ومن جانب آخر اختفت بعض أكثر اقتراحات دونالد ترامب إثارة للجدل خلال حملة الرئاسة من على موقع الحملة على الإنترنت، لكن متحدثا قال إن ما اعتبره بعض المراقبين تخفيفا لحدة سياسات ترامب يرجع إلى خلل فني. وكان قد اختفى بصورة مؤقتة رابط لاقتراحه الذي أعلنه في السابع من ديسمبر (كانون الأول) وكان بعنوان: «بيان دونالد ترامب عن منع المهاجرين المسلمين» والذي دعا فيه إلى «حظر شامل وتام على دخول المسلمين للولايات المتحدة»، لكنه ظهر على الموقع فيما بعد. كما اختفت أيضا قائمة بالمرشحين المحتملين لمنصب قاض بالمحكمة العليا في حالة فوز ترامب، وتفاصيل معينة عن خططه لإصلاح الاقتصاد والدفاع. وقال ستيفن تشيونج المتحدث باسم ترامب في رسالة بالبريد الإلكتروني: «كان الموقع يعيد توجيه كل الصفحات التي تحمل بيانات صحافية خاصة بموضوعات محددة إلى الصفحة الرئيسية بصورة مؤقتة».
وعادت الروابط الخاصة بمقترحات ترامب السياسية، بما في ذلك حظر دخول المسلمين للعمل مرة أخرى في الساعة 20:20 بتوقيت جرينتش.
ووفقا لموقع يسجل صورا للصفحات على الإنترنت، فقد حذفت الروابط التي كانت تعيد توجيه زوار الموقع إلى صفحة تمويل حملة ترامب، في وقت قريب من يوم الانتخابات على ما يبدو. وفي مقابلة مع قناة «سي إن بي سي» أشاد رجل الأعمال السعودي الأمير الوليد بن طلال بترامب، لحذفه اقتراحه حظر دخول المسلمين لبلاده من على موقعه على الإنترنت، وقال أيضا إن ترامب حذف تصريحاته المناهضة للمسلمين من حسابه على «تويتر». وقالت وكالة «رويترز» إنه لم يتسن لها الوصول إلى الأمير للتعليق بعد عودة الروابط.
لكن كثيرا من التغريدات التي هاجمت المسلمين ونشرها ترامب أثناء حملته للرئاسة، ظلت موجودة على حسابه، بما في ذلك تغريدة نشرها في 22 مارس (آذار)، قال فيها: «هيلاري غير المؤهلة ورغم الهجوم الفظيع على بروكسل اليوم، تريد للحدود أن تبقى ضعيفة ومفتوحة وتترك المسلمين يتدفقون على البلاد. لا أبدًا». وبعد أن أشادت في البداية بحذف مقترح حظر دخول المسلمين إلى البلاد خلال مؤتمر صحافي مع قيادات في مجال الحقوق المدنية، قالت سمر خلف رئيسة اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز، خلال مقابلة فيما بعد، إن اللجنة تأمل في أن ترى سلوكا أفضل من جانب ترامب. وأضافت: «شعرنا بأمل زائف وحسب». وأشارت إلى أن سياسات ترامب أهم من أي بيانات، وقالت: «لقد انتُخب وقال بعض الأمور البشعة، والآن علينا أن نرى كيف ستكون سياساته. إذا كانت سياسات جيدة فسنشيد به. إذا كانت سياسات مروعة فإننا سنعارضه بشأنها».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟